رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


معًا ضد التنمر

3-1-2021 | 16:13


شيماء مكي

التنمر ظاهرة متفشية في جميع المجتمعات، فمحاولة إهانة الإنسان لأخيه الإنسان أو التقليل من شأنه بسبب جنسه، لون بشرته، أو أي صفة أخرى قد تجعل من ذلك الفرد مصدراً للسخرية، أمر لابد من مواجهته والتصدي له ومنع تفشيه. لأن تداول مثل هذه السلوكيات بين أفراد المجتمع أمر لا يمكن تجاوزه والاستخفاف به. فهذه المحاولات المتكررة يوميا هي من أساسيات العنصرية وخلق أجواء مهيئاة لزرع الكراهية بين أفراد المجتمع الواحد. وكما نعلم أن الأديان السماوية جاءت لتعلّم الإنسان المُثل والأخلاق التي تساعده على التعايش بسلام مع أفراد مجتمعه. فقد حث القرآن الكريم على احترام الآخرين، كما جاء في الآية الحادية عشر من سورة الحجرات(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

وللأسف الشديد تجد أن المسلمين حريصون على صوم رمضان وصلاة الجمعة ولكنهم يفتقرون لتذكير بعضهم البعض بتعاليم القرآن السمحاء التي جاءت لتجعل من مجتمعاتنا الإسلامية مجتمعات محبة للسلام وصانعة للإنسان. فكيف يمكننا أن نخلق مجتمعاً مبدعاً إذا أصر أفراد مجتمعنا بتذكيرنا في كل نظرة بما يعتقده الآخرون نقصا؟ وهل ان لون البشره او مميزات البدن الذي خلقه الله واحسن صنعه يعتبر نقصاً؟ أذكركم بقول لله جل وعلا في الآية الرابعة من سورة التين (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) فهل نحن حقا مطيعين لله وشاكرين لنعمه؟ فلماذا نُعيب خلق الله وننتقصه؟ وأذكركم بقوله تعالى في سورة الحج الآية الثالثة والسبعين (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) فكيف لبشر ان ينتقص مخلوقات الله ويعيبها وهو غير قادر على أن يأتي بمثلها؟

في الحقيقة خلق المتاعب للآخرين وخلق المناسبات أو الأسباب فقط لإيذاء مشاعرهم، أمرٌ لابد من الوقوف عنده والنهي عنه، وأجد أن وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونية هي الوسائل التي ممكن أن تستخدم لتوعية الإنسان العربي وتهذيب الفكر العربي ومساعدة أفراد المجتمع لبناء مجتمع متماسك يحترم هوية أبنائه ويدعو إلى بوادر الابداع. فالمجتمعات التي نجحت في خلق الحضارات وتميزت بالنجاح الاقتصادي والسياسي هي مجتمعات تمتعت بقيادات تستند إلى الأبحاث العلمية التي تنمي قدرات التواصل الفكري كأساس لخلق فرص الإبداع.

أود الإشارة هنا إلى سلسلة "ماسلو" لاحتياجات الإنسان. و"ماسلو" هو أحد علماء النفس الذي تعرفت على نظريته أثناء دراستي، وقد استوقفني مثلثه الذي فيه ثمان احتياجات. من الممكن اعتبارهذه الاحتياجات أساساً لأي عمل فني أو درامي لتساعد في بناء مجتمع جديد معتز بهويته وانتمائه. نحن لسنا بحاجة لتقليد الثقافات والمجتمعات الأخرى، بل نحن بحاجة إلى احترام جذورنا وهويتنا التي ميزها الله جل وعلا ليبعث رسله وأنبياءه من بين أفراد هذه المجتمعات (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ) سورة آل عمران آية 110.

الإنسان ليس بحاجة إلى برامج تلهيه عن نفسه وتنسيه احتياجاته بل هو بحاجة إلى من يقوده ويرشده إلى طرق تنجيه من الإحساس باليأس وتقربه من الوصول إلى تحقيق ذاته.

دعونا نتطرق إلى مثلث ماسلو بكل ما فيه من تفاصيل، فالمثلث يتكون من قاعدة وهي الحاجات الوظائفية: إشباع الحاجة للغذاء ولجسم متعافٍ وسليم. كما أن الحاجة للشعور بالأمان والانتماء واحترام الذات أيضا اعتبرت احتياجات وظائفية تساعد في الحصول على جسم متعافٍ والحصول على السلامة العقلية. فهل يمكن لشخص يتم انتقاصه كل يوم والاستهزاء بشكله أو لونه أن يشعر بالانتماء لذلك المجتمع الذي يبني حواجز كونكريتية بين أفراده فقط ليخلق ضحكة أو فكاهة؟

والجزء الثاني من المثلث له طبقتان، وهما الشعور بالجمال والاحتياج لفهم ما حوله. فعندما يوصف إنسان بالقباحة أو ينتقص كل يوم في نكتة أو طرفة فإنه سيكره الجمال ولن يرغب في فهم الواقع وسيحاول الهروب منه بأي طريقة.

والجزء الثالث من مثلث ماسلو هو تحقيق الذات والتفوق. فإذا كان الفرد العربي محظوظا في الوصول إلى فكر إسلامي صحيح فسوف يتجاوز كل هذه العقبات ويعرف أن الله قد خلقه في أحسن تقويم، وأن له طاقات يمكن أن تجعل منه شخصاً مفيداً، وأن الأرض لا تخلو من الصالحين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويعرفون أن الله يكره المعتدين. ليس من الصعب على المؤمن أن يتجاوز كل هذه العقبات ويتوكل على الله ليحقق ذاته ويعيش بسلام.

كاتبة عراقية