رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"ألبير كامو".. كاتب العبثية المتمرد

4-1-2021 | 10:46


في ذكرى وفاة ألبير كامو، الفيلسوف، المسرحي والكاتب والروائي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1957، نتطرق إلى الحديث عن فلسفته في الكتابة وأهم أفكارة التي تمحورت حولها أهم أعماله مثل سيزيف، الغريب والطاعون وأعمال أخرى.


تتمحور فلسفة ألبير كامو حول العبثية والتمرد، والعبثية هي  مدرسة أدبية فكرية، تناقش حالة الصراع بين ميول الإنسان للبحث عن هدفه من الحياة وعدم مقدرته على فعل ذلك.


يقول الدكتور عبدالله محمد في دراسة نقدية له، أن روايات كامو تفضح عن سمتين بارزتين هما: نزعة عبثية فطرية وأخرى تأكيد دائم على معايشة المرء لبيئته معايشة مادية، ويناقش كامو كلا السمتين من منظور الإحباط الفكري من جهة واللذة الحسية من جهة أخرى، ولا يزال دؤوبًا على ذكر علاقة التضاد بين «رهبته للموت» وبين «ولعه بالحياة» ملتمسًا في التوفيق بين التجربتين طريقا وسطا بين المواقف المتطرفة في كل من التفكير والسلوك. 


ولو لاحظنا أن أي قراءة لأدب ألبير كامو والتعرف على سماته وفكره الفلسفي يوحي بوجود ثنائية لديه ألا وهي «ثنائية الأضداد»، إنه يتكلم عن الشمال والجنوب، عن الخير والشر، عن الجمال والقبح، عن الفقر والغنى، عن الشمس والظل، عن المنفى والملكوت، وهذه الثنائية تولد قضية في أدبه، ويريد بها أن يدافع عن الحرية في وجه الظلم وعن العدالة في وجه الجور وعن التسامح في وجه الطغيان.


كان ألبير كامو في البداية هو وبول سارتر أصدقاء حتى إنهما عملا سوياً لفترة، ولكن ثمة خلافات نشبت بينهما حين أصدر كامو كتابه "المتمرد" حينها تفرقا في الفكر واختلفا حتى كصديقين وظل كامو طوال حياته يرفض أن يقول عنه أحد أنه كاتب في الفلسفة الوجودية مثل بول سارتر، فكان يعتز دائماً أنه يكتب في الأدب والفلسفة العبثية والتمرد. 


وفي ذلك الأمر توضح لنا سوزان عبدالله في كتابها مشكلة الإنسان في فكر ألبير كامو، فتقول، إنه ربما كانت التناقضات التي برزت في أواخر کتاب الإنسان المتمرد من أهم الأسباب التي أدت إلى نشوب الخلاف وتأججه بين كامو وسارتر، الذي لم يكن خلافا سياسيا فحسب بقدر ما كان خلافا فلسفياً فكرياً حول مسائل فلسفية دقيقة يعتقدها كل منهما. 


وفي كتاب "وتلك الأيام" لأدهم الشرقاوي، ذكر إن ألبير كامو كان يؤمن أن محاولات الإنسان لفهم معنی الوجود دائما ما تنتهي بالفشل، فالوجود عنده كما هي الحال عند أتباع الفلسفة العبثية شيء غامض يستحيل إدراك الغاية منه ، ولشرح وجهة نظره هذه ألف کتابه "أسطورة سيزيف".

 

وسيزيف هو فتى إغريقى حكمته الآلهة بالصعود إلى الجبل ليحرس صخرة، لا أحد يعرف ما الحكمة في أن يحرس الفتى صخرة في جبل! ولكن الفتى عندما وصل إلى الصخرة المنشودة تدحرجت إلى بطن الوادي، وكان على الفتى أن يعيدها إلى مكانها، وبعد جهد جهيد نجح في ذلك، ولكن الصخرة تدحرجت مجدداً، فأخذ

يعيد الكرة وهكذا إلى الأبد.


هذه هي الحياة من وجهة نظر ألبير کامو، شقاء أبدي غير مبرر، لهذا كان يقول: "أنا لا أبغض العالم الذي أعيش فيه ولكني متضامن مع كل الذين يتعذبون فيه".


ويعتبر كتابه "سيزيف" المنشور عام 1942، من أهم وأكثر أعمال كامو تعبيراً عن فلسفته العبثية التي تحكي شقاء الحياة ولكن لا تدفع إلى الموت بل الثورة والتمرد. بل إن كامو ذهب إلى أبعد من ذلك معتبرا أن العبثية والتمرد هما ما يضفيان على الحياة قيمتها. 


ظل كامو طوال حياته يطالب بالعدل والحرية والتمرد في كتاباته ولكنه، كما تذكر سوزان عبدالله، إن العدالة التي يطالب بها کامو لیست عدالة مطلقة، لأن العدالة المطلقة تلغي الحرية وتقضي عليها، إنما يطالب بالعدّالة النسبية التي تحترم الحرية وتعمل على صيانتها ونشرها عن طريق المشاركة والتضامن، وكذلك ترتبط الحرية بالعدالة، تلك الحرية التي يطالب كامو بأن لا تكون مطلقة، لأنها لو كانت مطلقة لأدت إلى الظلم والطغيان والقضاء على الحرية، وهي التي تسوغ حكم القوي واستبداده وتدفع إلى النزاع والطغيان، ولذلك يرى كامو أنه يجب تحقيق الصلة الفعالة بين العدالة والحرية النسبيتين، فلا عدالة بلا حرية، ولا حرية بلا عدالة وكلتاهما تؤدي إلى الأخرى، وهذا ما يضفي عليهما صفة الإنسانية، فإذا أهملت إحداهما انتفي وجود الأخرى. 


وهذا ما قصده کامو بقوله: "فالحرية المطلقة تهزأ بالعدالة، والعدالة المطلقة تنكر الحرية، حتى يعطي هذان المفهومان أكلهما، ينبغي لهما أن يجد احدّهما الواحد في الآخر. ما من إنسان يعتبر وضعه حزا إذا لم يكن هذا الوضع عادلا في الوقت نفسه، ولا عادلا إذا لم يكن حزّاً". 


كذلك من ضمن الأمور التي أثرت في أفكار ألبير كامو، كان أنشغاله الكبير بالقضية الجزائرية، كونه ولد في الجزائر وقضى فيها طفولته وأول أيام شبابه. 


حيث ذكرت نجدة فتحي في مجلدها في هذا اليوم في التاريخ، أن قضية الجزائر ظلت شاغله الأكبر، وقد ذهب إليها على الرغم من التهدیدات التي وجهت إليه ألقی خطابا في العاصمة الجزائرية بعنوان "من أجل هدنة مدنية في الجزائر" قال في نهايته: "يجب أن نكون جديرين بأن نحيا يوماً ما في حياة البشر الأحرار، حياة البشر الذين

يرفضون ممارسة الإرهاب أو الخضوع للإرهاب".


ولكن کامو، مع ذلك، لم يتَخذ موقفاً مؤيداً لاستقلال الجزائر. وقد جمع آراءه في القضية الجزائرية في كتابه المعنون الأحداث الثلاثة، غير أن هذا الكتاب الشجاع الذي يدين التطرف والتعصب تعرّض لمؤامرة متعمدة.


وقد بدا كامو في أعماله الأخيرة مدافعاً عن القيم الإنسائية، وأصبح على خلاف تام مع الوجوديين والماركسيين، وقد أصيب بخيبة كبيرة لفشل المدنية المعاصرة في معالجة القضايا الأخلاقية الكبرى، وكان على الدوام يحاول أن يجد قيماً ذات شان في عالم وجده خالياً من المعنى. وكثيراً ما وُصف بالوجودية، في حين أنه لم يدع تبليه إياها، وأكَد على عبثية الحياة الإنسانية ولا معقوليتها.


وقد رأى کامو أيضاً أن الثورة السياسية تجاهلت قيمة العدالة والحدود، الأمر الذي أدى بها إلى نتائج تتعارض كليا مع التمرد، صبت معظمها في التطرف والعنف، فالتطرف والشطط ما هما إلا نتيجة تجاوز الحد، واعتماد القتل وسيلة أساسية لبلوغ الغايات التي يرجوها، أما التمرد الحقيقي الذي يعدّه كامو شرط الوجود، إنما يتجنب التطرف ويضع حدا يقف عنده يمنعه من القتل والعنف. 


هذا ما يوضحه كامو في مسرحية حالة طوارئ بقوله: "ليس ثمة عدالة ولكن ثمة حدود، كل من يزعمون أنهم طلقاء من القواعد وكذلك كل من يريدون أن يجعلوا لكل شيء قاعدة، كلا الطرفين على حد سواء قد جاوز الحد"، وتبرز هذه القيمة في دفاع کامو عن القتلة الرحماء، الذين يلتزمون عندما يقدمون على التمرد بمبدأ معين، وبحد شرعوه لأنفسهم، يتمثل بعدم قتل الأطفال الأبرياء، ويجسد كامو هذا الدفاع في روايته العادلون، التي تصور فشل أبطالها الذين رفضوا تنفيذ الهجوم على الأمير بسبب اصطحابه للأطفال، فيرفضون أن ينفذوا خطتهم وينجحوا بتمردهم على حساب موت الأطفال، فهم وإن كانوا يقتلون شخصا واحدا فإنما يفعلون ذلك لإنقاذ حياة

البشر كلهم. 


ويقول ألبير كامو: "إن قتل الأطفال يناقض الشرف، وإذ ما انسلخت الثورة يوما عن الشرف، وأنا على قيد الحياة، فسأتنكر لها. وإذا قررتم قتل الأطفال، فسأذهب إلى المسرح، ساعة الخروج، ولكني سأرمي بنفسي تحت سنابك الخیل.