"الغريب" لألبير كامو.. رواية تعكس العبثية في حياة الإنسان
"الغريب" رواية للكاتب الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل البير كامو، وقد نشرت لأول مرة عام 1942 ضمن سلسلة دورة العبث التي تتكون من رواية "الغريب" الرواية الأولى لكامو ثم مقال "أسطورة سيزيف" ومسرحيتان "كاليغولا وسوء المفاهمة" وجميعهم ينتمون للمذهب العبثي في الأدب، وقد ترجمت الرواية إلى أربعين لغة، منها اللغة العربية بواسطة الدكتور محمد غطاس.
تتكون رواية الغريب من عدد من الشخصيات ولكن تتمحور حول شخص واحد وهو مورسو أو بترجمة اخرى ميرسولت، فهو بطل الرواية التي أوصلته لامبالاته بالحياة والأحداث من حوله إلى الإعدام.
تبدأ رواية الغريب بقراءة مورسو لبرقية تعزية من دار المسنين التي كانت تسكنها والدته، تخبره بموتها، ويظهر عليه اللامبالاة في ترديد عبارات البرقية حيث قال "ماتت أمي اليوم أو أمست لست أدري".
من هنا تبدأ قصتنا مع مورسو الغريب في الصفات وردود الأفعال، فيذهب مورسو حيث دار المسنين ليدفن والدته حيث يسرد العزاء بشكل بارد لا يهتم بأمه المتوفاه ولاحتى يتعامل مع هذا الأمر الجلل بحزن أو بكاء، لكنه كل مايشغله الحضور والانتهاء من دفن أمه ليعود وينام لمدة 14 ساعة! حتى إنه رفض أن يلقي نظرة على جثمان أمه حين عرضوا عليه ذلك، على الرغم من محبته لأمه.
يعود مورسو بعد دفن والدته ينام ويستيقظ فيمارس حياته بشكل طبيعي جداً حتى إنه ينزل ليسبح فيتعرف على ماري كاردونا ويندمج معها سريعاً، حتى إنهما يشاهدان فيلماً كوميديا ويقضيان ليلتهما سوياً!.
بعد ذلك يطلب منه صديقه ريموند أن يساعده في الإنتقام من عشيقته التي تأكد إنها تخونه، فينساب معه مورسو بشكل تلقائي لامبالي ويساعده على رسم خطه يلتقي فيها ريموند بعشيقته فيقضي ليلته معها ثم بعدها يبصق على وجهها ويطردها إنتقاما من خيانتها له.
بالطبع تنفذت خطة ريموند التي ساعده فيها مورسو الغريب، ولكن حين طرد عشيقته باغتته بصفعه لم يتوقعها، فصفعها ريموند عدة صفعات حتى ذهبا للمحكمة وهناك تركها ريموند متعهداً بعدم التعرض لها مرة أخرى.
بعد عدة أيام من هذا الحادث دعى ريموند مورسو لقضاء ليلة صيفية في بيت على الشاطئ هو وحبيبته ماري، بالفعل ذهب مورسو إلى هناك ولكن كانت عشيقة ريموند السابقة قد حرصت على قتل ريموند وأرسلت شقيقها للبيت الصيفي ومعه بعض العرب الجزائريين.
اشتبك شقيق عشيقة ريموند مع ريموند وأصابه بسكينه، وقتها أندفع مورسو بدون أي انفعالات وبمنتهى التلقائية وأخذ سلاح ريموند وأصاب شاب عربي برصاصة فقتله وأندفع بسلاحه ليطلق عليه أربعة رصاصات أخرى بدون أي احساس بالذنب او الندم أو حتى إدراك الجريمة.
يُحول مورسو للقضاء وهو عادي المشاعر لا يكترث لشئ، حتى أن القضاة أثناء المحاكمة يتحولوا من محاكمته على جريمة القتل إلي محاكمته على لامبالاته في جريمته ولا مبالاته عند وفاة والدته، ولكن محاميه استمات في الدفاع عنه، لكن القاضي حين سأل مورسو عن إذا كان نادماً، فأجابه مورسو إنه لا يشعر بشئ حيال الأمر، غضب القاضي ووصفه بالميت أو عديم الرحمه، لذلك أصدر حكمه بالإعدام نحراً على مورسو.
لم يتوقع مورسو الشاب الثلاثيني هذا الحكم، ولم يتوقع أن تتطرق المحكمة لمشاعره الشخصية والحكم عليها، وأصبحت أيام السجن أكثر صعوبة بالنسبة إلى الغريب، بعد أن كان أعتاد عليها، فكل صوت كان يتناهى إلى سمعه يظن أن الجلادين قادمين لتنفيذ الحكم فيه، أصبح الخوف ملازمًا له أقرب إليه، وأنه لم يكن مستعدًا للموت وهو بهذا العمر بعد، فقد كانت لديه مشاريع تحتاج لعشرات السنين لتنفيذها.
وقبيل أعدامه جاءه قسيس يدعو للدين بدل الموت ملحدً لكنه رفض بشده وبدأ يثور على عبثية الحياة وعلى أقدار البشر وعن مدى سخافة أن يحكم على افعاله أشخاص مذنبون مثله! ولكنه في النهاية رضخ بصورة أليه للحكم وقال: "أتمنى أن ينتهي كل شيء، وأتمنى أن أكون هناك أقل وحدةً من هنا، ولم يبق سوى أن أتمنى أن يكون هناك الكثير من المتفرجين يوم الإعدام، وأن يستقبلوني بصرخات الحقد والغضب".
بعدها أخذوه الحراس لتنفيذ الإعدام ولم يكن يشعر بأي شيئ سوى أصوات الناس من حوله حتى أغلق عينه نهائيا عن الحياة العبثية وفكرتها العدمية التي فشل في معايشتها، حيث لم يكن الغريب متأكدًا بأنه حي، ذلك أنه كان يحيا كالميت!
وتقول الكاتبة رشا عدلي في مقال نقدي لها، إنه يتضح لنا من قراءة رواية الغريب أن مورسو يظل في عدميته، خاضعًا لمبدأ آلي تمامًا هو الفعل ورد الفعل "المؤثِّر والتأثير" حتى يُعدم، ويصح فيه الوصف الذي سُمِّيَت به الرواية "الغريب"؛ لأنه كان غريبًا عن قيم المجتمع، وغريبًا عن الناس، وغريبًا حتى عن أفكاره وقناعاته، التي يشرع في التخلي عن بعضها في نهاية الرواية، بتراجعه عن شغفه بالوحدة.
وفي كتاب مسارات الرواية العربية المعاصرة يقول الكاتب: "أن الرواية العبثية تكاد ترتبط بأسم الروائي الفرنسي ألبير كامو وخاصة روايته "الغريب Letranger"، التي قدم فيها البطل مورسو کشخصية غير مكترثة لا تبالي بالأعراف، ليكون مصيرها الحكم بالإعدام ليس لجريمة شنعاء ارتكبتها، ولكن نتيجة لامبالاته تجاه وفاة أمه، وتجاه الأعراف الدينية، بل ولا مبالاته تجاه موته الذي اعتبرها مخلصه من عبثية الحياة ولا معقوليتها، وغير ذلك من الأحداث التي جعلت من رواية الغريب نموذجاً للرواية العبثية، واتجاهاً فكرياً ليس نقيضا للعقل فحسب بل کاتجاه يستخدم العقل لنفي العقل، لتجعل العبثية من الإنسان كائناً ضائعاً لا معنى لسلوکه في الحياة، فاقداً القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطبيعي يعيش صراعاً طاحناً بين جموح الرغبة وعقلها بالعقل، وهو ما يجعل كل مجهودات الذات الإنسانية تنتهي بالفشل الحتمي، مادامت تسعى وراء هدف -رسمته الشخصية العبثية لنفسها- غير موجود، ولأن الطريق لتحقیق الهدف لا قواعد ولا ضوابط تسيجه، وهو ما يجعل سلوكها غير منسجم مع محيطها ولا مع الأفكار التي تربت عليها، فتكون ميزتها التمرد على القيم التي تری أنها مصطنعة، ومن ثم فلا شيء في هذا الوجود له قيمة، وأن الحياة الحقيقية هي التي لا قيم فيها ولا اکتراث فيها بالآخرین.
وعن سرد الرواية يقول حسيب ألياس في كتاب دراسات في النقد الأدبي: "تعد رواية "الغريب" للكاتب الفرنسي ألبير كامو وبلا منازع مثالا لاتجاه معين بالسرد، ففي هذه الرواية نجد أن اختیار استعمال الماضي المركب لا يمکن فصله عن رؤية العالم بالشعور الذي يسوده وهو العبث"، وكما أوضح دوميتيك مانكينو في كتابة الموسوم: " عناصر علم اللغة للنص الأدبی 90 19": عندما تم تفضيل الماضي المركب على الماضي البسيط فإن رواية " الغريب " لا تقدم من الأسباب والنتائج، و وسائل وغايات وإنما لتجاور لأحداث مغلقة على نفسها بحيث انه لا في الأحداث كأفعال شخصية ما ومن ثم إدخال هذه الأفعال يوجد أي حدث يمكن أن يبدو انه يشير إلى الحدث اللاحق، إذ لا يوجد تجميع له دلالة معينة للوجود، ونلاحظ أن السرد هنا يرفض الحركة نفسها للطقوس الروائية التقليدية، وليس بوسعنا إعادة بناء سلسلة متلاحمة من سلوكيات تؤدي إلى ارتكاب جريمة قتل حيث عملت صيغ الماضي المركب على دمج وتجاور بين احدائه بدلاً من تكاملها".