رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


لماذا؟

8-1-2021 | 22:54


محمود التميمي

أصعب سؤال وأكثر أدوات الاستفهام استخداماً عند راغبي الحقيقة.. صعوبة أداة الاستفهام تلك تأتي من عدة جوانب، نحن نستخدمها حينما نريد الاستفسار فيمنحنا هذا الاستخدام حقاً أصيلاً وهو المعرفة وضرورة الفهم والحصول على تفسيرات، فينبني على ذلك شعور بالفهم يؤسس ببساطة لدرجة من الوعي فتتولد القناعة ويتبلور القرار.

لماذا؟.. قالها الأنبيا وهم يراقبون حركة السماء والأفلاك فوصلوا لحقيقة الله.. قالها الفلاسفة وهم يراقبون البشر وتطور الأمم فوصلوا لسر النهوض.. نقولها دائماً كتعبير عن حق فهم ما يجري من حولنا في الحياة.. حينما نشعر بالصدمة أو الاستغراب أو الرفض لصورة غير منطقية أو البحث عن تفاصيل اختفت خلف حجاب ويكون استخراج تلك التفاصيل مهمة تبلغ من الضرورة الكثير إذا تعلق الأمر بالمصائر وما يجري من حولنا.. ومن هنا جاءت أهمية طرح السؤال كتعبير عن حق وضرورة توفير الإجابات كنتيجة طبيعية لاستخدام أداة الاستفهام هذه مادام الاستخدام نبيل المقصد لا غرض من ورائه.

أحياناً تكون "لماذا" تطفلاً غير محمود.. مجرد تطفل.. وأحياناً تكون محاولة مغرضة سابقة التخطيط استخدمت أداة الاستفهام المشروعة في الوصول إلى هدف لا يتفق مع نُبل فكرة الحق في المعرفة.. ولكن كل هذا لا يسلب أداة الاستفهام أهميتها أو قيمتها أو كونها حقاً لا جدال بشأنه.. ليس كل "لماذا" نسمعها حولنا اليوم هدفها الحقيقي المعرفة واستجلاء الحقيقة.. لكن كل "لماذا" يطرحها سائل، سواء كانت عن قصد نبيل أو غرض دنئ لابد وأن يكون لها إجابة واحدة صحيحة وشافية وحقيقية قابلة للنقاش، ولكنها ليست قابلة للإنكار؛ لأنها ببساطة "الحقيقة"..

خُلِقَت "الحقيقة" و"لماذا" في يوم واحد.. ثم جاء الفضول والشك والريبة وأصبح واضحاً أن كل حقيقة ستجد من ينكرها مهما كانت واضحة للجميع، وأن رضا الناس غاية لا تُدرَك.. لكن لا يصح أيضاً أن تُترَك.. أحياناً أستغرب كيف تنتشر روايات كثيرة تفسر حدثاً ما، وكلها ساخنة وقابلة للتصديق، بينما أعلم باليقين أن حقيقة الأمر ليست كذلك، وأن الموضوع قد يكون أبسط مما يروى بكثير، وأن الحقيقة غالباً تجافي ما نسمعه من روايات تبدو مثيرة بشكل مثير للدهشة.

في كل حدث تجد من يطرح "لماذا" مشروعة يريد أن يفهم، وستجد من يطرح "لماذا" مضللة في المقابل يريد لك أن لا تعرف.. لا أحد يستطيع احتكار الإجابات في مجتمع منكوب بالروايات المتعددة لكل حدث، وهذا ما يطيب للناس تسميته "الفَتْي" أو "الهري" أو ادعاء المعرفة.. في مناخ كهذا تصبح أداة الاستفهام "لماذا" بداية رحلة مضنية من البحث وسط الأكاذيب والدعاية المضللة ورغبات الآخرين في تصوير الأمور على غير حقيقتها.. رحلة مضنية وخطرة أحياناً للوصول إلى الحقيقة والفهم.. لذلك فالبعض لا يحب هذه الرحلة ويستسلم لأقرب تفسير جاهز يتناسب مع نوازعه أحياناً ورغباته الشخصية ومخاوفه.. البعض أحياناً لا يريد أن يتعب في البحث عن حقيقة تخالف هواه.. التفسيرات المصنوعة للأسئلة الحقيقية غالباً ما تكون أسوأ ما يصيب الحقيقة ويستهدفها في مقتل، ولكنها توافق الهوى فتكون لها الغلبة.

التفسيرات الحقيقية الشفافة فقط تقتل دعاية الآخرين مهما كانت متفقة مع الهوى السائد، وتجعل كل "لماذا" تُطرَح أداة وعي وليست فقط أداة استفهام.. الحقيقة لها رائحة تميزها عن الأكاذيب والقدرة على طرح التفسيرات المقنعة دائماً لكل "لماذا" تضمن حسم معركة الوعي لصالح المواطن والوطن والمستقبل.