"ثورة ملونة وانقلاب عسكري فاشل".. جزء جديد من كتاب أحجار على رقعة الأوراسيا
تنشر بوابة "الهلال اليوم" الجزء الخامس من الفصل السابع لكتاب "أحجار على رقعة الأوراسيا"، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع:
ثورة ملونة وانقلاب عسكري فاشل
العام 2002، خرجت الطبقة العليا في العاصمة كاراكاس إلى الشوارع، للاحتجاج على السياسات الاجتماعية للرئيس (هوجو تشافيز) مدعومة من خلف الستار بقياداتٍ عسكرية كبيرة؛ وبدأ التلاعب بالعقول، والخداع البصري، ولعبت محطات التلفاز الخاصة الموالية للغرب دور البطولة في هذه الثورة، حينما بثت على شاشاتها مشاهد غضب الثوار، كموجاتٍ بشرية متلاحقة بالآلاف، وأظهرت بوضوحٍ حادث (جسر لياجونو) كما لو كان أنصار ومؤيدو تشافيز يطلقون النار على الحشود.
فيما بعد أظهر تحقيق صحفي نُشر على الموقع الإلكتروني الرسمي لـ (الدبلوماسية الفرنسية) عن عملية تلاعب بالصور، حيث كشفت لوحات المراقبة الخاصة بالبرازيل عن تفاصيل مجزرة الجسر؛ أظهرت اللوحات حدوث تعديلٍ في الترتيب الزمني للحدث، حتى يظهر أن مؤيدي تشافيز هم من أطلقوا النار على الحشود، في حين أن الكاميرات أظهرت أن مؤيدي تشافيز تعرضوا للهجوم من قبل الحشود، مما دفعهم إلى إطلاق النيران أثناء الفرار.
كما أظهر التحقيق تورط رجال الشرطة المحليين، المدربين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) على أعمال القتل والقنص(2).
تمامًا مثلما فعلت قناة الجزيرة في ليبيا، إبان الانتفاضة المسلحة ضد القذافي عام 2011، حينما تلاعبت بالصورة، والترتيب الزمني للحدث، فأظهرت مسيرة سلمية من مؤيدي نظام القذافي على أنهم من الثوار، وقد تم تفجير المكان، وسقطت الضحايا، وألصقت التهمة بنظام القذافي.
ووفقًا لأدبيات الثورات الملونة، سقوط الضحايا من الثوار، يؤدي إلى سقوط النظام سريعًا؛ حينها يخرج مهيج الجماهير للتنديد بوحشية النظام الذي يقتل شعبه.
وفي حالة فنزويلا، فقد خرج جنرال الحرس الوطني (لويس كاماتشو كايروز) في مؤتمرٍ صحفي، وأعلن أن ميليشيات تشافيز أطلقت النار وقتلت (19 شخصًا) وفي مشهدٍ دراماتيكي يدغدغ المشاعر، يعلن الرجل استقالته من منصبه، ويدعو الشعب الفنزويلي إلى إسقاط الديكتاتور.
وفي دقائق معدودة يخرج اللاعب الأساسي من خندقه، إذ أعلن قائد الجيش، الجنرال (افران فاسكيز) انضمامه إلى التمرد، تلاه وزير المالية الجنرال (فرانسيسكو أوسون).. بعدها بث التلفزيون الخاص رسالة من رئيس أركان الجيش الفنزويلي، الجنرال (لوكاس رينكون) إلى الشعب الفنزويلي، قال فيها:
«نحن أعضاء هيئة الأركان العسكرية، نستنكر الأحداث المؤسفة التي وقعت في العاصمة أمس، وواجهنا مثل هذه الحقائق... طلبنا من رئيس الجمهورية الاستقالة، وقد قبلها وسيتم سجن (هوجو تشافيز) على الفور في (فورت تونا)»(3).
كل شيءٍ كان مُعد سلفًا بإتقانٍ شديد، والجميع يعلم جيدًا الدور المُوكل إليه، تم القبض على تشافيز من قبل المتمردين العسكريين، وأثناء احتفالات الصحف الغربية ووسائل الإعلام والبيت الأبيض، بمباركة الانقلاب العسكري وانتصار قيم الديمقراطية، ووسط سخط من موسكو وباريس، على انتهاك النظام الدستوري في فنزويلا، وبينما أعلن الرئيس السابق (كارلوس أندريس بيريز) من منفاه في نيويورك، عن قرب عودته إلى كاراكاس وعودة الديمقراطية، وأثناء تشكيل المتمردين حكومة انتقالية جديدة، والدعوة إلى انتخاباتٍ برلمانية تأسيسية من أجل تعديل الدستور، وحل جميع السلطات الحكومية والقضائية.
أثناء كل هذا، كان الملايين من الشعب الفنزويلي يهرولون إلى شوارع العاصمة كاراكاس، يهتفون باسم (تشافيز.. الحرية).. قاموا بمحاصرة مبنى الإذاعة والتلفزيون، ومقر تواجد الجنرال (بيدرو كارمونا).. مدبر الانقلاب ورئيس الحكومة المؤقتة، فعاد تشافيز محمولًا على الأعناق بعد 72 ساعة فقط من محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، ورغم أنف واشنطن.