رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أجاثا كريستي.. نقلة تاريخية للرواية البوليسية

12-1-2021 | 11:31


أجاثا كريستي كاتبة بريطانية شهيرة، وتعرف بملكة الرواية البوليسية، وكتبت ما يزيد عن الستة والستين رواية بوليسية وأربعة عشر مجموعةً قصصيةً، وإضافةً إلى عدد من المسرحيات، و تعتبر اعظم مؤلفه في التاريخ من حيث إنشاء كتبها وعدد ما بيع منها من نسخ، وهي بلا جدال أشهر من كتب قصص الجريمة في القرن العشرين، وقد ترجمت رواياتها إلى معظم اللغات الحية، وقارب عدد ما طبع منها ألفي مليون نسخة.

 

تكتب أجاثا كريستي رواياتها من منطلق منهج الخيال الخلاق والتي سعت من خلاله لإيجاد الحبكات المثير والمتفردة والخاصة بها وحدها، كذلك، كما كانت تقول دائمة أن الحبكة هي أهم ما يشغل بال المؤلف أولاً، ثم تأتي بألغازها التي تستمر طوال رواياتها بشكل مشوق يدفع القارئ ألا يترك القصة حتى يعرف نهايتها.

 

وفي هذا الشأن قالت سمية عبد المنعم، أن أجاثا كريستي عمدت في حالات معدودة لإدخال واقعة من حياتها في رواية أو قصة بعد إجراء تمويه يضيع فرصة الكشف عن حقيقتها، من ذلك ما أشار إليه (مالوان) في مذكراته فيما يخص رواية (التجويف) الممسرحة، يقول “وهناك إشارة ترتبط بحدث في حياتي أود أن أذكرها، يقول سير هنري في الرواية: ((هل تتذكرين يا عزيزتي أولئك الأشقياء الذين هاجمونا في ذلك اليوم في الجانب الآسيوي من البسفور.؟ كنت أصارع اثنين منهم كانا يحاولان قتلي، وما الذي فعلته لوسي.؟ أطلقت رصاصتين، لم أكن أعرف أنه لديها مسدس… كانت أصعب نجاة في حياتي..)) هذه حكاية حقيقية والفرق الوحيد أن أجاثا على خلاف الليدي انكاتيل في الرواية كانت قد سلَّحت نفسها ليس بمسدس بل بصخرة مدورة “لم تأخذ أجاثا كريستي كروائية بوليسية، أحداث رواياتها من سجلات الشرطة، أو المحاكم، كما فعل غيرها من كتَّاب الرواية البوليسية أمثال روايات (مع سبق الإصرار والترصّد) ترومان كابوت 1967 و(أغنية الجلاد) نورمان ميللر 1979 و(إني اتهم) غراهام غرين 1981 و(جرائم قتل في أطلنطا) جيمس بولدوين 1985 وكذلك قصص سومرست موم المختلفة.‏

 

ومن أهم أعمال أجاثا كريستي نجد "لم يبقي منهم أحد" و "مقتل روجر أكرويد" و "الموت يأتي في النهاية"؛ والتي نشرت في عام 1944، هي تجسيد حي لارتباط أجاثا كريستي بالشرق من خلال رحلات زوجها عالم الأثار والتي من خلاله تمكنت من العيش لفترة متنقله في بلاد الشام، والرواية تدور حول انقلاب حال عائلة مصرية عند عودة الوالد، إمحوتب، من الشمال برفقة عشيقته الجديدة، نوفريت، والتي بدأت بإثارة سخط أفراد العائلة. عندما تبدأ حالات الموت، تخشى الشخصيات من وقوع لعنة على المنزل، لكن يبقى السؤال: هل القاتل قريب منه؟.

 

وعن الرواية يقول محمود القاسم في كتابه الإبداع الأدبي والجريمة، أن الرواية تدور بأكملها في التاريخ المصري القديم، بين عامي 2090- 2006 قبل الميلاد. وقد جاء في مقدمة الطبعة الفرنسية من الرواية التي ترجمت إلى " ليس للموت نهاية  " أن الكاتبة إستمدت هذه الرواية من بعض البرديات الخاصة بالوزير المصري ايبي.

 

وعرفت أن هناك جريمة ما حدثت في عهده، ومن هذه الأحداث نسجت خطوط الرواية التي تدور في بيت الكاهن امحوتب الذي عاد ذلك يوم إلى منزله بصحبة فتاة تدعى نوفريت، وامحوتب هو نموذج من " السيدة في البيت، وله قدسيته وهيبته، أما داره التي يسودها، فهي مليئة بالأشخاص منهم أبناءه الأربعة، ایبيوسونك ويحموز، وأختهم رنزتب. ويبدأ مسلسل القتل داخل المنزل، فتموت نوفريت أولا، ثم يتساقط أعضاء أخرون من الأسرة، وكلما سقط قتيل، كلما زاد الغموض، وسيطرت الشبهات، واتسعت دائرة حتى تمكن رنزب في النهاية أن، تكشف القاتل وكأنها حلت مكان المس ماربل في روايات أخرى للكاتبة.

 

ورغم أننا أمام رواية بوليسية، فإن الكاتبة قد وضعت في صفحات ما استطاعت أن تحصله من قراءات عن مصر الفرعونية. حيث وصفت العلاقات الاجتماعية بكل دقة، ودور المرأة في قيادة البيت الفرعوني، متمثلة في رنزب إبنه المحوتب الذي مات زوجها، فكان عليها أن تعود إلى بيت أبيها لتعيش فيه وتديره. وقد كشفت الكاتبة من خلال منظورها عن العلاقات المتشابكة في بيت مصري قديم به العدید من الأشخاص، واستطاعت أن تعبر عن مشاعر نحو مصر في عبارات واضحة، من خلال ما ردده حوري وكيل أعمال المحوتب وطني مخلص ومعجب بمصريته : "أننا، نحن المصريون ، شعب عجيب أننا نحب الحياة، ولذا نشرع مبكرين في التأهب للموت، وفيه ننفق ثروة البلاد في تشييد الأهرام، والمقابر وصرف هبات القبور ".

 

ورواية مقتل روجر أكرويد وهي رواية تحقيق للكاتبة أجاثا كريستي، يقوم هيركيول بوارو بالتحقيق فيها؛ هي واحدة من أشهر روايات كريستي وأكثرها إثارة للجدل بنهايتها الملتوية؛ وأثرت بشكل كبير على كتابة الجرائم بعدها.

 

وفي موسوعة هذا اليوم في هذا التاريخ تقول نجدة فتحي عن الرواية، قد صدرت أكثر روايات كريستي نجاحاً، وهي رواية مقتل روجر أكرويد، وكانت هذه الرواية من أعظم ما کتب في تاريخ الرواية البوليسية، ولا يزال هنالك حتى الوقت الحاضر من المدمنين على قراءة الروايات البوليسية من يقسمون أنه خلال جميع سنوات المآسي التي مرت بهم لم يصابوا بصدمة توازي تلك التي أصابتهم حينما اكتشفوا أن القاتل في الرواية كان طبيب القرية الطيب القلب الذي كان موضع ثقة الشرطي السري بوارو.

 

ويعدّ هذا الكتاب أعلى نماذج أدب أجاثا كريستي في التلاعب بالشخصيات المشتبه بها وفي إثارة فضول القراء وتشويقهم، وهي تستطيع أن تبقي خمسة أشخاص أو ستة محل شك لدى القرّاء في وقت واحد، متنافسين في اجتذاب اهتمامهم. وهناك من النقاد من وصف أسلوبها بأنه مجحف بحق القارئ. وبلغ الغضب بأحد النقاد بنتيجة تلاعبها بأفكاره ومشاعره وأعصابه في رواية عشرة زنوج صغار آن نشر نهاية القصة في عرضه للكتاب، خلافاً لقواعد النقد وآدابه. ولكن ملايين القرّاء كانوا يجدون المتعة والتسلية كلما مارست آغاثا كريستي إجحافها وتلاعبها بمشاعرهم.

 

وخلال السنوات الخمسين التالية من عمرها كتبت أغاثا كریستى 16 رواية بوليسية ومسرحية، ومن أشهرها جريمة في قطار الشرق السریع، والموت على نهر النيل وعشرة زنوج صغار  ولها أيضاً عدة مسرحیات ناجحة أشهرها "مصيدة الفئران" التي بدأ عرضها في لندن  وما يزال مستمرا في سنة أي أنها عرضت لمدة 36 عاماً بلا انقطاع حوالى 15 ألف مرة  وكسرت جميع الأرقام القياسية التي حققتها أية مسرحية لأي كاتب، بما فيها مسرحيات شكسبير وبرنارد شو وسومرست موم.

 

إن نجاح أغاثا كريستي المدهش على صعيد عالمي يعود بالدرجة الأولى إلى قدرتها التي لا تجارى في حبك العقدة وفي عنصر التشويق المستمر وتضليل القارئ والإيحاء له باستنتاجات يظهر فيها بعد أنها بعيدة كل البعد عن مجرى القصة ونتيجتها الحقيقية، وكذلك قدرتها الفائقة على إدارة الحوار بحيوية، ومنطلقها العملي، وروح الفكاهة العميقة التي تشوبها.

 

ويقول عنها الكاتب ماجد الحمدان في كتابه تاريخ الأفكار، أن أجاثا كريستي هي أشهر كاتبة في تاريخ التشويق البولیسي، اشتهرت بغزارة الإنتاج، وهي كاتبة بريطانية خرجت في مرحلة عاصفة من تاريخ الأمة الإنجليزية، مرحلة يمكن اعتبارها عصر الاستمتاع بإنجازات العصر العلمي السابق. ولذلك فقد كانت قصصها زاخرة بكافة تفاصيل المجتمع الإنجليزي المتقدم، وتأثرت بمعطياته فتنقلت في أحداث السرد في عدة دول ومدن في العالم. كما أنها تميزت بابتكار الحبكة المسيطرة على كافة أحداث النص. كهذه الحبكة والتي تسردها المؤلفة في رواية جريمة في قطار الشرق السریع.

 

تسببت الثلوج المتراكمة في تعطيل القطار بعد منتصف الليل بقليل، لقد كان "قطار الشرق السريع" مزدحما بالركاب، وهو أمر غريب في هذا الوقت من العام. لكن الركاب نقصوا واحد عند الصباح؛ فقد وُجد أحدهم مقتول في مقصورته وفي جسمه اثنتا عشرة طعنة، وكان باب المقصورة مقفلا من الداخل! التوتر يتزايد والحيرة تبلغ غايتها، ولكن بوارو يفاجئ الجميع؛ إنه لا يقدم حلا واحداً لهذه الجريمة الغريبة، بل حلين؛ ولهذه الأسباب التشويقية فقد كان أبرز قرائها هم من فئة الشباب المتعلم من أكثر رواياتها جدلا هي قصة مقتل روجر أكرويد فقد أثرت بسبب صيغتها على معظم الآداب البوليسية.

 

وعن أدب أجاثا كريستي قالت عنان السماء في مقالة أدبية بعنوان "ماذا نتعلم من أدب أجاثا كريستي" نجد العديد يظن مِن القراء أنّ أدب أجاثا لا يتعدى كونه للمتعة والترفيه، وإشباع حس التحري وكشف المستور، ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فأجاثا تكشف لك النفس البشرية وما يقبع بداخلها مِن تشابك وتعقيد لا يفصح الإنسان عنه في العادة ، لا تبعد شخصيات أجاثا في رواياتها عَن هؤلاء البشر الذين تجلس معهم يوميًا، ستَجِد هؤلاء الشّخصيات تتجرّد مما تَحمِل بداخِلها شيئًا فشيئًا حتّى تُصعَق مِن قُدرة الإنسان على فِعل أي شيء في الحَياة، أي شيء ظَننتَ ألا يَطوفَ بخيالِك أبدًا!