من لعبة بالطين إلى ورشة خزف.. جهاد تحلم بوصول خزفها إلى العالم أجمع(صور)
تتمسك أناملها الصغيرة بأصابع يد أبيها صباح كل يوم، لتذهب معه إلى مكان كل ما تعرفه عنه أنه مكان للعب بالألوان والخزف، دون أن تعي ما يكون ذلك، وما يفعل هؤلاء، ومن بين كل ذلك الازدحام، ومن داخل مؤسسة لتعليم الخزف تنشأ موهبة جهاد التي استطاعت بتلك الأنامل تحويل الطين الذي لا قيمة له إلى تحف فنية غاية في الإبداع والجمال، ومن مجرد طفلة تلعب بالطين كباقي فتيات سنها، إلى صاحبة "ورشة خزف" لصناعة الأدوات الفخارية وهى لم تتجاوز بعد سن الـ23 عامًا، قامت بتأسيس ورشتها في قرية تونس الواقعة على ضفاف بحيرة قارون بمحافظة الفيوم، تشتهر القرية بصناعة الفخار وتتميز بطبيعتها الخلابة التي تجذب السياح من كل مكان في العالم ولكنها قبل أي شئ من القرى الريفية يقال فيها أن البنت يجب أن تتخفى وتظل في بيتها إلى أن تذهب إلى بيت "عدلها".
جهاد هى ابنة محافظة الفيوم التى تبلغ من العمر اثنين وعشرين عامًا، والملتحقة بكلية الآداب جامعة الفيوم، والتي بدأت حكايتها مع الخزف في السابعة من عمرها، فكانت تذهب مع والدها الذي يعمل بالفخار، فتلعب كأي طفلة في سنها، وتقوم بإمساك قطعة من الطين في يديها وتعمل على تشكيلها وتلوينها، دون أن تدري أن ذلك سيكون شرارة موهبتها.
وقالت جهاد في هذا الصدد: "كنت لسه طفلة عندي سبع سنين، بروح مع بابا مدرسة الخزف اللي كان بيشتغل فيها وأشوف الناس هناك، وفي مرة أخدت معايا حتة طين ألعب بيها في البيت، ولونتها بألواني ومن هنا حسيت إني بدأت أتعلق بالمكان دا وبالألوان".
"ممارسة الخزف بتحسسني بالحرية.. روحي فيه" ..
بعدما شعرت جهاد أن قلبها بدأ يتعلق بذلك المكان، أخبرت والدها أنها تريد التعلم، فوافق ومن ثم بدأت جهاد في التردد على المدرسة من حين لآخر، تشاهد "مدام إيفيلين"، صاحبة المدرسة، وهى تعلم باقي الفتيات وتشجعهن على ذلك.
وأثناء حديثنا مع جهاد كان من البديهي أن نسألها "لمَ الخزف تحديدًا وماذا تشعرين أثناء ممارستك له؟" فقالت جهاد بصوت يملؤه الحب: "ممارسة الخزف بتحسسني بالحرية، حبيت كوني حرة في اختيار الألوان والرسومات، كمان حسيت إني مميزة بين كل اللي كانوا بيتعلموا معايا في المدرسة، بحبه علشان بلاقي نفسي فيه، ومش مجرد شغل أخد منه فلوس واللي بيميز شغلي إن روحي فيه عكس أي حد بيشتغل علشان فلوس وبس".
كبرت جهاد وبدأت أحلامها الوردية تكبر معها، إلى أن تحطمت أحلامها تلك وصارت ركامًا بعد كابوس الثانوية العامة ونتيجتها، فالتحقت رغمًا عنها بكلية الآداب، ولم تستطع الالتحاق بكلية الفنون التطبيقية التي كانت حلمًا يداعبها من حين لآخر، لكنها أصرت أن لا تستسلم فدخلت كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية لتستطيع التعامل مع الأجانب وبذلك تمتلك موهبة ولغة فتكون مميزة في عملها، ومن ثم أكملت وكأن شيئًا لم يكن، فشاركت في العديد من الندوات، منها ندوة جامعة المنصورة بمساعدة "مدام إيفيلين"، بالإضافة إلى مشاركتها في معرض الكتاب الدولي، ومن هنا أخذت دائرة معارفها تتسع.
" نفسي أعمل شغل يوصل للعالم كله"
عندما كانت جهاد تشارك في تلك المعارض، ووسط ثناء الجميع ومدحه، يأتي سؤال تكرر طرحه عدة مرات من الجميع: "ليه يا جهاد متعمليش ورشة خاصة بيكِ؟"، فيقع ذلك السؤال موضع تساؤل في نفسها لا تعرف له إجابة، وبعد فترة بدأت تفكر في الأمر بجدية، خاصة بعدما طرأ العديد من التغيرات التي قالت جهاد بشأنها: "مدام إيفيلين كبرت والبنات اتجوزوا، فكان لازم أفكر في حاجة خاصة بي".
وعن الصعوبات التي واجهتها وعدم قدرتها على امتلاك الأفران، قالت أنها تلقت العديد من الصعوبات التي تغلبت عليها بمساعدة مدرسها، وأوضحت امتنانها له فقالت بعيون ملؤها الفرحة: "مكنتش بعرف أعمل الفرن وهنا جه دور أعظم أستاذ في الدنيا، أستاذي ومستشاري الأول "إبراهيم سمير"، ساعدني كتير لحد ما بدأت شغل تاني بعد ما تغير حال المدرسة ومبقتش زي الأول".
ولأنه كما ذكرنا آنفًا أن عمل فتاة تنتمي لقرية ريفية كان من أعظم ما يواجه الفتيات في تلك القرى، فلا يجدر بها أن تؤسس مشروعها الخاص؛ لأنه في النهاية ستكون مسئولة وفي عنق رجل وذلك كما يقال، وبالتالي فلا يجدر بها أن تحلم أو حتى تفكر، وحتى لو حلمت أو سلمت من كلام الناس حولها فلن تجد الإمكانيات التي تساعدها، ولعل ذلك من أصعب الأمور، لكنها ظلت متمسكة بأحلام الطفولة إلى النهاية، ووسط كل ظلام الجهل أنارت هى كالشمعة منيرة لكل بنات جيلها وجيرانها، فعلى الرغم من صغر سنها إلا أنها استطاعت تأسيس ورشة خاصة بها من كَدِّها وتعبها، وأنهت جهاد كلامها قائلة: "أنا نفسي أعمل شغل يوصل للعالم كله، أنا عارفة إن دا محتاج وقت ومجهود، بس واثقة إني هوصل".