تنشر بوابة "الهلال اليوم" الجزء الثامن من الفصل السابع لكتاب "أحجار على رقعة الأوراسيا"، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع:
هنا كوبا
في الخمسينات كانت كوبا ترزح تحت نظام حكم الديكتاتور الموالي لأمريكا (فولغنسيو باتيستا) وقد سمح لمجموعةٍ من الشركات الكوربوقراطية مثل (جنرال موتورز - ستاندرد أويل – شيراتون – هيلتون - جنرال إليكتريك) السيطرة على ثروات البلاد.
تأسست (حركة 26 يوليو) في كوبا يوم 26 يوليو من عام 1954، على يد كلٍّ من (فيدل كاسترو) وشقيقه (راؤول كاسترو).. ثم أُعيد تشكيل الحركة في المكسيك لتضم بين صفوفها الماركسي الأرجنتيني (ارنستو تشي جيفارا).. كانت المهمة تشكيل قوة مسلحة منضبطة للإطاحة بحكم باتيستا.
نجح (فيدل كاسترو) ورفاقه العسكريون، في قلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية عام 1959، بعد معارك قتالية عنيفة في مدن وريف كوبا، وعادت ثروات الجزيرة إلى أهلها، مما أثار مخاوف هذه الشركات الأمريكية، التي بدأت في الضغط على الرئيس الأمريكي (دوايت أيزنهاور) للتخلص من نظام الحكم الجديد في كوبا.
الخنازير تغتال كنيدي
وافق أيزنهاور على خطة غزو كوبا، بواسطة عملية إنزالٍ بحريٍّ في خليج الخنازير بجنوبي كوبا؛ عبر قوةٍ عسكرية مشكلة من قوات مرتزقة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، مع فريقٍ من الموالين لـ (باتيستا).. تم تدريبهم عسكريًّا في جواتيمالا.
مع وصول (جون آيف كنيدي) إلى البيت الأبيض، أشرفت وكالة الاستخبارات الأمريكية في أبريل من عام 1961، على عملية الإنزال البحري في خليج الخنازير.
لاقت هذه العصابات الإرهابية التابعة للوكالة، مقاومة شرسة من قبل العسكرية الكوبية، التي علمت مسبقًا بخطة الغزو من الاستخبارات الروسية (KG2) وبفضل التخطيط الاستراتيجي العسكري لكاسترو ورفاقه، تم إلحاق هزيمة مهينة بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد لعب (جيفارا) دور البطولة في هذه المعركة.
باءت المحاولة بالفشل بعد رفض كنيدي دعم عملية الإنزال البحري بالطيران الجوي، وقام بعزل (آلين دالاس) مدير ومؤسس وكالة الاستخبارات المركزية، ومساعده (تشارلزكابل).
آنذاك بدأت تحذيرات (أيزنهاور) تلوح بالأفق، حينما ألقى هذا الرئيس الأمريكي خطبة الوداع في نهاية ولايته، حذر فيها الشعب الأمريكي قائلًا:
«لقد تركت فيهم جماعة ضغط عسكرية صناعية قوية جدًّا، تستطيع الانقلاب على الديمقراطية الأميركية في أي وقت». وبالفعل أصبح هذا اللوبي العسكري بمرور الوقت، هو المسيطر على الولايات المتحدة الأمريكية، جنبًا إلى جنب مع الشركات متعددة الجنسيات، أي الكوربوقراطية كما أوردنا تفصيلًا في الجزء الأول من هذا المؤلف.
بدأت جماعات الضغط السياسي والعسكري، ممارسة الضغوط على الرئيس الأمريكي كنيدي، واتهموه بالجُبن، آنذاك تدخل الجنرال (ليمنيتزر) رئيس هيئة الأركان المشتركة، بعرض خطة (الغابات الشمالية) على كنيدي في 13مارس من عام 1962، والتي ستمنح الذريعة لأمريكا، وتقدم الحُجة للمجتمع الدولي من أجل التدخل العسكري الأمريكي في كوبا.
كان هدف العملية إقناع المجتمع الدولي بأن (فيدل كاسترو) يشكل خطرًا على العالم ويجب التخلص منه، مثلما فعلوها فيما بعد مع (صدام حسين) في العراق، ولتحقيق هذا الهدف كان لا بد من القيام بتمثيليةٍ حيث يتم إلحاق أضرارٍ كبيرة بمصالح أمريكية، وإلصاق التهمة بكوبا، ولهذا تضمنت العملية العديد من السيناريوهات المرعبة:
- مجموعة من المرتزقة الكوبيين ترتدي ملابس قوات كاسترو، تقوم بالهجوم على القاعدة الأمريكية في كوبا، تُحدث أكبر قدرٍ من التخريب والتفجيرات والتسبب بخسائر مادية وبشرية كبيرة.
- تفجير سفينة أمريكية في المياه الإقليمية لكوبا، وتكون هناك عمليات إنقاذ موسعة، ولائحة بأسماء الضحايا، ومراسم جنائزية، في الوقت التي تتواجد فيه سفن وطائرات كوبية في المنطقة لإلصاق التهمة بها.
- طائرة كوبية زائفة تقوم بقصفٍ ليلي لجمهورية الدومينيكان المجاورة.
- تفجير طائرة مدنية أمريكية، على متنها شخصيات أمريكية شهيرة، على أن ترسل الطائرة قبل انفجارها نداءات استغاثة، وإشارات تدل على قرصنة جوية بواسطة مختطفين كوبيين.
رفض كنيدي الخطة وقام بإقالة (ليمنيتزر) من منصبه، في نفس العام تم اغتيال الرئيس الأمريكي في (22 نوفمبر1963)!! ثم دارت الأيام دورتها وتم الكشف عن وثائق خطة (الغابات الشمالية) عام 1992، بعد أن اضطر الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) إلى فتح تحقيقٍ موسع حول مقتل (كنيدي) نتيجة ضغوط المجتمع الأمريكي، على خلفية عرض فيلمٍ سينمائيٍّ للمخرج الأمريكي الشهير (أوليفر ستون).. فند فيه الرواية الرسمية لمقتل كنيدي.
الوثائق قام بنشرها الكاتب الصحفي (جون أليستون) عام 1991، في كتابه (تاريخ الحملة الدعائية الأمريكية ضد كاسترو).. أيضًا نشرها الكاتب (جيمس بامفورد) في كتابه (مجموعة الأسرار- تحليل لوكالة الأمن الوطني).