تكابد بارا فرباناس
البالغة 75 عاما الطقس الجليدي في وسط كرواتيا حيث تمضي لياليها داخل سيارة تخييم
بعدما بات منزلها غير صالح للسكن، على غرار مئات العائلات المشرّدة منذ الزلزال
المدمّر نهاية الشهر الفائت.
فقد اضطر كثر إلى العيش
في مقطورات تخييم أو حاويات أو غيرها من المآوي الموقتة بعد الزلزال الذي أودى
بحياة سبعة أشخاص في 29 ديسمبر وأتى على منازل ومزارع ومدارس.
تُسجل أصلا مواسم شتاء
قاسية في منطقة سيساك في قلب الريف الكرواتي حيث لا تزال ندوب حرب الاستقلال في
تسعينات القرن الماضي ظاهرة للعيان.
ويأبى سكان كثر في هذه
المنطقة الزراعية الفقيرة المغادرة لاضطرارهم إلى الاعتناء بحيواناتهم، على غرار
بارا فرباناس التي لا تزال تشعر بالرعب بسبب الارتدادات الزلزالية التي تضرب
المنطقة باستمرار. لكنها لا تستطيع ترك قطيعها الصغير من ستة أغنام ورأسي ماعز
تستعين بها لصنع الجبن الذي يوفّر لها مردودا للبقاء... من دون ذكر قططها وكلبها.
وتقول المرأة المسنّة
"أشعر بالخوف الدائم. هذه أسوأ تجربة أمرّ بها رغم أنني قاسيت الكثير للأسف
من حرب وعمليات جراحية".
وتتكئ بارا على خشبة تقوم
مقام عكاز، لتعاين أحيانا منزلها الحجري الذي يعاني تشققات ظاهرة. وفي الليل، تنام
في مقطورة تخييم يعلوها غطاء بلاستيكي ليقيها من الثلج. كما تستعين بجهاز تدفئة
كهربائي صغير قرب سريرها لكسر حدّة الصقيع.
وفي قرية بترينيا
الزراعية المجاورة، غطى الثلج أطلال المباني فيما ينتشر الركام في الطرق الموحلة.
ووضعت شموع وباقة زهر في موقع شهد مقتل فتاة في الثالثة عشرة من العمر بسبب سقوط
حجار عليها، في الزلزال الذي قضى أيضا على خمسة سكان آخرين في القرية عينها وعازف
أرغن في كنيسة.
وفي كل يوم، يصطف السكان
في طوابير حول الشاحنات حيث يقدم متطوعون أطباقا ساخنة محضرة من طهاة، بعضهم
حائزون نجوما في دليل ميشلان الشهير.
ويقول مارين ميداك رئيس
الاتحاد الدولي لخدمات المطاعم القائمة على المشروع، إن أكثر من 150 ألف وجبة طعام
جرى توزيعها في إطار المبادرة من جانب حوالى مئة مطعم كرواتي.
وبعد أربع ساعات فقط من
الزلزال، كان قد جرى توزيع 800 وجبة على المتضررين. ويوضح ميداك وهو صاحب مطعم في
زغرب "ذهبت فورا إلى المكان. الحرارة تقل عن درجتين مئويتين وهؤلاء الناس في
حاجة إلى تناول طعام ساخن".
تكبّد حوالى خمسين ألف شخص
أضرارا في المنازل والمزارع المحيطة بمركز الزلزال، وفق السلطات المحلية.
وقد أثار هذا الوضع شكوك
البعض إزاء عمليات اختلاس محتملة وثغرات شابت عملية إعادة الإعمار ما بعد الحرب.
وأعلن المدعون العامون في
قضايا مكافحة الفساد فتح تحقيق في هذا الشأن.
ويوضح يوزيب ليكيفيتش وهو
ميكانيكي في سن 41 عاما يقيم في سيبيتس التي تعد حوالى ستين نسمة، أن أكثرية منازل
القرية الزراعية الصغيرة باتت غير صالحة للسكن، بما في ذلك منزله الزهري. فهذا
المسكن يبدو في وضع طبيعي من الخارج، لكن داخله مليء بالتفسخات والركام.
ويتكدس الميكانيكي وزوجته
وأبناؤهما الثلاثة داخل مسكن نقال مجاور قُدّم لهم.
ويروي يوزيب "ليست
لدينا مراحيض ولا حمام". وتضطر العائلة للاستحمام باستخدام محارم مبللة.
وأقيمت مئات الحاويات
أخيرا للعائلات المقيمة في ثكنات أو مدارس أو لدى أقارب لهم.
وتوضح كاتا ليكيفيتش
والدة يوزيب البالغة 63 عاما أن "المنازل يجب أن تخضع للترميم أو إعادة
البناء الفوري كي لا يغادرها السكان من غير رجعة".
وتدفع المنطقة المتضررة
بشدة جراء الحرب والتي تسجل نسبة بطالة تقرب من ضعفي المعدّل الوطني، فاتورة باهظة
جراء النزوح القسري على غرار بقية مناطق البلاد.
وتعيش كاتا في مقطورة
تخييم مع زوجها، بعدما نقلا الدواب التي يملكانها إلى مزرعة على مسافة حوالى خمسين
كيلومترا تقصدها يوميا لحلب الأبقار والاعتناء ببقية الحيوانات.
ورغم كل شيء، تبدي كاتا
امتنانها لأنها وعائلتها لم يصابوا بأذى. وتقول "لا نزال على قيد الحياة، أما
المادّيات فيمكن تعويضها بشكل أو بآخر".