يعد استقلال الشهر العقاري ضرورة حتمية من أجل تنظيم وضبط وتوفير الحماية القانونية الكاملة للملكيات العقارية والمنقولة ومنع اغتصابها باعتبارها وظيفة اجتماعية وعنصراً من عناصر الثروة القومية في المجتمع ، بهدف استقرار المعاملات بين الأفراد والدولة في المجتمع عن طريق البحث والتحقيق في أساس الملكية العامة والخاصة ، وقيد الحقوق العينية سواء كانت أصلية أم تبعية من واقع المستندات المعروضة للبحث ، وهو القلعة الحصينة لحماية الملكية ، وخط الدفاع الحقيقي في مواجهة مافيا الأراضي و ملاذ المواطنين لصون ممتلكاتهم
وبعد مرور أكثر من عام بتولي المستشار عمر مروان حقيبة وزارة العدل ، وبالرغم من التكليفات الرئاسية والاهتمام الكبير من الرئيس عبدالفتاح السيسي وتوجيهاته لرئاسة مجلس الوزراء وزارة الاتصالات بالتعاون مع وزارة العدل من أجل ميكنة وتطوير الشهر العقاري والعمل على الاستفادة منه كما ينبغي، إلا أن ما حدث من تقدم ملحوظ يتمثل في افتتاح فروع توثيق بمكاتب البريد والمراكز التكنولوجية ، وتعديل مادة من القانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٤٦ والتي أصبحت تمثل عقبة ومشكلة كبيرة بعد إقرار اللائحة التنفيذية للقانون.. ومن جديد تعود الأصوات بمطالبات باستقلال الشهر العقاري والتوثيق وإسناد إداراته لمجلس إدارة مستقل يشمل جميع الجهات المتعلقة بهذه القطاع المهم و حتي تستفيد الدولة منه وتقدم خدمة للمواطن كما ينبغي وتليق به وتساهم بشكل كبير في دعم الاستثمار الاقتصاد القومى للدولة المصرية، ويري المختصين والمهتمين بهذا الملف أن الشهر العقاري والتوثيق بدلا من أن يدر لخزينة الدولة ما يقرب من ٢ مليار حاليا فقط، بعد استقلاله ستصل إيرادات الشهر العقاري والتوثيق الي ما يقرب من ٥٠ مليار جنيه بجانب تذليل العقبات التي تواجه المواطن سواء في خدمة تسجيل الملكية العقارية والسجل العيني أو في التوثيق ، ومواكبة للتحول والتطور الرقمي في كافة المجالات التي يرعاه الرئيس عبدالفتاح السيسي .
اهتمام الدولة المصرية بقطاع الشهر العقاري والتوثيق ليس وليد اللحظة بل منذ قرن من الزمان ، بداية من عهد الخديوي إسماعيل مرورا بالملك فؤاد وخروج القانون رقم 114 لسنه 1946 م، وهو العام الذي أنشئ فيه الشهر العقاري جنبا إلى جنب مع إنشاء أعرق المؤسسات القضائية، ألا وهو مجلس الدولة المصري في عهد الملك فاروق وحكومة التكنوقراط إسماعيل صدقي باشا و تحت رعاية واهتمام وإصرار وزير العدل المصري في ذلك الوقت المستشار محمد كامل مرسي باشا.
وأعطت ثورة يوليو 1952 اهتماماً بالغ الأهمية في قانون الإصلاح الزراعي ، وفي عام ١٩٥٣ كان الدكتور عبدالرزاق السنهوري حكما في إحدي القضايا المعروضة أمام الدائرة الأولى بمجلس الدولة يعد تشريعا وصف الأعضاء القانونيين بالشهر العقاري والتوثيق قضاة ملكية، وألزم في حكمه بالاعتراف بالطبيعة القضائية لهم، وفي عهد الرئيس جمال عبدالناصر كانت على وشك استقلال الشهر العقاري والتوثيق واعتباره هيئة قضائية مستقلة وحال تحقيق ذلك وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ،و في عهد الرئيس أنور السادات اتجهت الأنظار لتعديل احكام قانون الشهر العقاري والتوثيق في بعض المواد، وفي آخر عهده إبان تولي المستشار أنور أبوسحلي وزارة العدل كانت رؤية الوزير آنذاك للشهر العقاري بزاوية أخري من خلال الاستفادة منه عبر عدة تشريعات لصالح جهات وهيئات قضائية وقطاعات أخرى تتبع وزارة العدل، متمثلة في تشريعات لتخصيص رسوم لصالح أبنية المحاكم ، وصندوق رعاية الهيئات القضائية ، بجانب الحاق عدد من أعضاء الشهر العقاري والتوثيق للقضاء.
وجاءت فترة مبارك ليكون الشهر العقاري والتوثيق في عهد الوزير الأسبق المستشار فاروق سيف النصر أفضل فترة ترى اهتماماً بالغ الأهمية للمصلحة، سواء من خلال تعديلات مختلفة على أحكام القانون لصالح المواطنين وعمل السجل العيني و ميكنة وإنشاء مكاتب نموذجيه، واهتمام كبير بالعاملين بالشهر العقاري والتوثيق ، واستكمل المستشار محمود أبوالليل المكاتب النموذجية وعقد برتوكول مع وزارة الاتصالات، وكان مكتب عكاشه بالدقي علامة بارزة من الإنجازات، ولم تشهد هذه الفترات أي نوع من الاضرابات أو الاضطرابات سواء للمواطنين أو العاملين بالشهر العقاري والتوثيق حتى تولى المستشار ممدوح مرعي وزارة العدل وبدأت الأزمات والمشاكل وتعالت الأصوات في فترته التي شهدت اضرابات واعتراضات عديدة، بسبب قرارات لمساعده آنذاك المستشار محمد حسني ، وبالرغم أن الرئيس الراحل محمد حسني مبارك طالب آنذاك بإنشاء هيئة مستقلة للشهر العقاري والتوثيق إلا أن وزير العدل رفض بحجة أن هناك عدم توافق بين أعضاء الشهر العقاري والتوثيق سواء (القانونين والماليين والإداريين ) ، بالرغم أن مجلس الشعب ناقش في اللجنة العامة مشروع القانون وتحويله لهيئة قضائية مستقلة وعند انتهاء مناقشة القانون ، فوجئ أعضاء المجلس بعدم إمكانية إنشاء هيئة قضائية لرفض وزير المالية يوسف بطرس غالي ، واستمرت اضرابات الشهر العقاري والتوثيق قبيل أحداث ٢٥ يناير فترة طويلة، حتى عقب ثورة يناير، ولأهمية هذا القطاع كان ينظر لمساعد الوزير للشهر العقاري والتوثيق بوزارة العدل نظرة خاصة في فترة مبارك مع كل تغيير وزاري وحركة محافظين ، العديد من القضاة الذين تولوا هذه الإدارة أسند إليهم محافظات مختلفة مثل المستشار عدلي حسين والمستشار حسين مصطفى والمستشار نبيل بديني، والمستشار فاروق عوض الذي رفض تولي محافظ كفر الشيخ، وأُسندت وقتها للواء صلاح سلامة .
وعقب أحداث ٢٥ يناير تولى المستشار عمر مروان مساعدا لوزير العدل للشهر العقاري والتوثيق خلفا للمستشار محمد حسني الذي تولي محافظة الشرقية، وعقب ثورة ٣٠ يونيو كان الشهر العقاري والتوثيق البوابة الشرعية لانتخابات رئاسة الجمهورية، وكان ومازال اهتمام الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي بهذا القطاع الأهم لما له من أهمية قومية واقتصادية وقانونية ودستورية.
فمنذ ثلاثة أعوام تقريبا تولي المستشار عمر مروان وزارة الشئون القانونية والمجالس النيابية ، وتولي حقيبة وزارة العدل العام الماضي ، على أثر ما حدث من ارتفاع أصوات مجلس النواب تدعو لاستقلال الشهر العقاري والتوثيق وتفعيل الدستور بسن قانون خاص به ، والاستفادة منه وتحسين أوضاعه لتقديم خدمة تليق بالمواطن وتواكب التطور والتحول الرقمى الذى يعد المشروع القومى الأول في العصر الحديث ويتبناه الرئيس عبدالفتاح السيسي .
وبعد هذا الاهتمام وتكرار نفس الدعوة وفي ظل الفصل التشريعي الثانى الذي يجلس على مقعد رئاسته لأول مرة رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق المستشار حنفي الجبالي، وكذلك الغرفة الثانية التي يرأسها المستشار عبدالوهاب عبدالرزاق رئيس مجلس الشيوخ، هل سيتم غلق ملف استقلال الشهر العقاري والتوثيق قريبا أام سيبقي الحال كما هو عليه بسيطرة وزارة العدل على مصلحة الشهر العقاري والتوثيق .