رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


لوقف "ختان الإناث".. التشريع وحده لا يكفي

21-1-2021 | 16:09


أحمد محمد توفيق

في عصور الجاهلية الأولى، قبل ظهور السُونار، كان الأب يصطدم بنوع المولود، فيصدمه كونها بنتاً ليصبح قراره "الوأد" والدفن حية، في الوقت الذي يتباهى بالذكور بمنطقٍ عصبي بحت، ورغم مرور أزمان طويلة، مازالت "البنت" ضحية جرائم تجعلها تموت وهي حية، من بينها "التحرش" و"الاغتصاب" وكذلك "الختان"، وهو الجريمة التي أقرت الحكومة أمس تشريعاً في مرتكبيها لوقف هذا الانتهاك الصارخ ضد "الأنثى".

التشريع الأخير سنّ عقوبات أشد وأكثر ردعاً لوقف "ختان الإناث" وهذا شيء رائع، ولكن الأروع أنه لم يترك طرفاً يشارك في هذه الجريمة إلا وأوقع عليه العقاب، فالحبس أصبح يطال من طلب "الختان" لفتاة، وهو ولي الأمر أو الوصي، وكذلك من أجرى عملية "الختان"، وهو الطبيب أو الممرض أو شخص آخر، كما لم ينس المشرّع معاقبة من يروّج ليشجع على هذا الانتهاك، ليطال ذلك في غالب الأمر أئمة جوامع ورجال مؤثرين في محيطهم، خاصة في المناطق الريفية والبدوية ذات الطابع القبلي والعائلي.

أغلق التشريع الجديد كل الأبواب أمام مبررات "ختان الإناث"، حيث ألغى عبارة "بدون مبرر طبي" والتي كانت الباب الخلفي لهذا الفعل، بزعم أن هناك حاجة طبية تحتم ذلك، كما أفرد التشريعُ الجديد خصوصية لموقع ارتكاب فعل "الختان"، والصفة الطبية لمن يقوم بإجرائه، لكونه يُمارس بشكل خفي باعتباره جريمة في القانون قبل سنوات طويلة، وبالتالي فهو يتم بطريق غير مشروع وبالمخالفة لقواعد وقيم ممارسة مهنة الطب، لذا تضاعفت عقوبة السجن إذا كان طبيباً لتصل إلى ٢٠ عاماً من السجن المشدد، إذا تسببت الجريمة في عاهة مستديمة أو أفضت للوفاة، بالإضافة إلى عزله من وظيفته الأميرية، وحرمانه من ممارسة المهنة، وغلق العيادة أو المنشأة الطبية الخاصة لمدة ٥ سنوات. 

"ختانُ الإناث" فعل أصبح جريمة منذ عام 2008، حين أضيفت مادة لأول مرة إلى قانون العقوبات تنص صراحة على تجريمه وتعتبره جُنحة، وفي عام 2016 تحولت الجنحة إلى جناية وتضاعفت عقوبة ارتكابها لتصبح الحبس ٧ سنوات لمن قام بالختان، و٣ سنوات لمن طلب إجراءها، بدلاً من العقوبة الأيسر التي كانت تقتصر على الحبس عامين وغرامة ٥ آلاف جنيه في التجريم الأول، وهي عقوبات هينة لم تكن تحقق الردع لوقف هذه الانتهاك، بل كانت لا تراعي تغليظ العقوبات حال التسبب في عاهة مستديمة أو الموت، وهي الجوانب التي تنبه لها المشرّع في التعديل الأخير الذي أقرته الحكومة.

التشريع الجديد كان ثمرة تنسيق كامل بدأ من إطلاق الدولة المصرية "اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث" عام ٢٠١٩، كأول لجنة وطنية في هذا الخصوص ربما على مستوى العالم، حيث حققت اجتماعات اللجنة الوطنية التي لم تتوقف خلال عام ٢٠٢٠ رغم جائحة فيروس كورونا، تناغم جهود المجلسين القومي للمرأة والقومي للأمومة والطفولة، ليرى هذا التشريع العادل النور، فيعيد القصة إلى الأذهان بكل آلامها وجراحاتها وتأثيراتها النفسية والاجتماعية شديدة القسوة على من تعرضن لهذا الانتهاك الصارخ.

تُؤكد منظمة الصحة العالمية أن "ختان الإناث" لا يحقق فائدة طبية، بل على العكس ينتج عنه أضرار تلاحق الفتاة حتى النضوج وتهدد حياتها وطفلها خلال عملية الحمل والولادة، ودار الإفتاء المصرية انتهت من زمن إلى رأي جازم مُعلن بأن "ختان الإناث" ليس من الشعائر، كما هو الحال بالنسبة للذكور، فلا يوجد نص شرعي يجعل الآباء الذين يعيشون بعقول وقلوب الجاهلية يتركون كل أبواب التعبد لله والتقرب منه، ليطرقون باباً خبيثاً لم يرد به نص، أو يثبت في السنة النبوية، لذا كان لزاماً وجود تشريع مغلّظ لتقليل هذه الفعلة الشنيعة حتى القضاء عليها نهائياً حماية لبناتنا من هذا الجرم.

التشريع وحده لا يكفي، بل التطبيق الحاسم والصارم الذي لا يتهاون مع مرتكبي هذا الجرم، إلى جانب نشر الوعي الذي ثبت أنه أحد الوسائل المهمة لمُجابهة هذا الانتهاك، والتقارير الحكومية تعكس انخفاض نسب معدلات انتشار "ختان الإناث" في المناطق الحضرية، وبين الأمهات ذواتي التعليم العالي وكذلك الفئات العمرية الأصغر، بنسبة ملحوظة، بما يؤكد أن الأمر قضية "وعي" وأن الزوجات الجُدد والأكثر تعلماً ليس لديهن رغبة في تعريض بناتهن للأذى الذي عاشوه وعانوا من آثاره النفسية نتيجة جهل الآباء، وهذه بارقة أمل في اختفاء هذه الجريمة عما قريب لصون جسد بناتنا من هذا الانتهاك.

نتيجة للتشريع الأخير، ربما تضمُ زنزانة واحدة أباً جاهلاً، وطبيباً فاسداً، وشيخاً مضللاً، بتهمة قتل "فتاة" تحت غطاء العفة الزائف وإن عاشت، فالقتل ليس إزهاق الروح بل وانتهاكها، تماماً كما يبدو ضحايا "ختان الإناث".. موتى وإن بدت عليهن علامات الحياة.