رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


انتهاء الحضانة

3-5-2017 | 12:32


بقلم: د عباس شومان

الحضانة عمل مؤقت اقتضته حاجة الصغير إلى الرعاية والكفاية، لأنه عاجز عن ذلك بنفسه، فإذا زال سببها انتهت بزواله، واستعد هو ليكون حاضنا بعد أن كان محضونا. وانتهاء الحضانة قد يكون انتهاء كليا، وذلك لقدرة من كان محضونا على الاستقلال بنفسه رعاية وحفظا، وقد تكون إنهاء لحضانة الحاضن الذي انتهت صلاحيته لحضانة المحضون في مرحلته القادمة، مع بقاء المحضون في الحضانة ولكن مع حاضن آخر، كما ينتقل من حضانة الأم أو غيرها من النساء في سن معينة، فتنتهي حضانتها بذلك، وينتقل المحضون إلى أبيه أو غيره من الرجال من أهل الحضانة، ويتعلق بانتهاء الحضانة كليا أو بالنسبة للحاضن دون المحضون جملة من الأحكام منها: انتهاء حضانة الأبوين أثناء قيام الزوجية. فمن البديهي أن الزوجية إن كانت قائمة فالولد بين أبويه حتى يبلغ ويستقل بأمر نفسه ويصبح قادرا على تولي أمر نفسه إن كان ذكرا، فإن كانت أنثى فهي محضونة بين أبويها وفي ولايتهما حتى تتزوج فتنتقل إلى ولاية زوجها،

 

ولا تنتهي ولاية الأبوين عليها ببلوغها كالذكر لضعفها وحاجتها إلى الصيانة والرعاية، ويُعد هذا من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة وليس تمييزا للرجال عليها أو انتقاص حقها كما يظنه المغرضون من دعاة الحضارة والمدنية، فمما لا يختلف عليه أحد أن الولد بعد بلوغه يستطيع أن يقوم بأمر نفسه حفظا وتدبيرا لأمور حياته ومعيشته خلافا للمرأة  فحاجتها إلى الحماية والرعاية بعد بلوغها ليست بأقل من حاجتها قبل البلوغ، فطمع الطامعين فيها بعد بلوغها أشد منه قبل بلوغها، كما أن طلبها للرزق لا يخلو من الابتذال والتعرض لمجامع الرجال، وهو إن ناسب الذكور لا يناسبها، ولذا أراد الإسلام تكريمها فهي تنتقل من كفالة إلى كفالة حتى تلقى ربها، وفي جميع أحوالها يوجد من يسأل أمام الله وفي القضاء عنها، وتلك مزية في تشريعنا يغفل الكثيرون حتى من النساء المسلمات عنها، بل ربما عدت من مآخذ الجهلاء والأعداء على شريعتنا الغراء.

فإذا انتهت الزوجية فالحضانة كما سبقت الإشارة يقدم فيها النساء على الرجال لشفقتهن، وحاجة المحضون لرعايتهن أكثر من حاجته إلى الرجال، وتبدأ حضانة الطفل من لحظة ولادته وتستمر إلى بلوغ الذكر وتزوج الأنثى، ولا خلاف بين الفقهاء حول أحقية الإناث بها، وتقدمهن على الرجال سواء أكان المحضون ذكرا أم أنثى إلى مرحلة التمييز، ويكون التمييز في حدود السابعة أو الثامنة من عمره وقيل التاسعة، لأن الطفل قبل تمييزه أكثر حاجة إلى الرعاية والحفظ، حيث لا يستقل بشيء من أمر نفسه، ولما كانت الحضانة تعني ضمه إلى من يكفيه ذلك وأقدر على تحقيقه له، كان من البديهي استمرارها خلال تلك المدة لمن أثبتت له حضانته من غير منازعة وهن الإناث، ثم يختلفون في بقاء الحضانة الواجبة على المحضون أو المستحقة له بعد سن التمييز: ومن خلال آراء الفقهاء التي لا يتسع المقام لذكرها في المسألة، فالحنفية والمالكية لا يقولون بتخيير المحضون الذكر وكذا الأنثى، وإنما تنتهي حضانة الأنثى أما أو غيرها بالسن عندهم وإن اختلفوا فيه، حيث يرى الحنفية أن الحضانة تنتقل إلى الأب عند السابعة بالنسبة للمحضون الذكر والأنثى إن كانت عند غير الأم أو الجدة، فإن كانت المحضونة عند الأم أو الجدة استمرت إلى بلوغها، بينما رأى المالكية أن حضانة الحاضنة تستمر في الذكر والأنثى إلى انتهاء حضانة الوالدين، حيث ينهون حضانة الأم للذكر ببلوغه والأنثى بزواجها، بينما قال الشافعية والحنابلة بالتخيير وإن اختلفوا فيه أيضًا، حيث خير الشافعية المحضون الذكر وكذا الأنثى عند تميزهما، بينما خير الحنابلة الذكر ولم يخيروا الأنثى بل أوجبوا تسليمها إلى الأب عند التمييز.

وأرى أن العمل في هذه المسألة يمكن الجمع فيه بين ما ذهب إليه الفقهاء جميعا في هذه المسألة، وذلك بترك الأمر إلى اختيار القاضي يعمل رأيه في اختيار أي من هذه الآراء بما يحقق مصلحة المحضون، فإن رأي المصلحة في العمل برأي الحنفية أو المالكية وهو عدم الاعتداد برأي المحضون لعلم القاضي بصلاح الأب دون الأم لغلبة ظنه أنها تترك تعليمه وتهذيبه وتدليله فتفسد أخلاقه وقد يكون ذلك بغير قصد منها لغلبة شفقتها عليه، ترك التخيير وقضى به للأب لمصلحة المحضون. وإن رأى أن كليهما كالآخر ولا خوف على المحضون مع أيهما عمل بالتخيير فخير المحضون ذكرا كان أو أنثى كما ذهب الشافعية، وإن رأى الأحوط والحظ للأنثى أن تنشأ في كنف الأب عمل برأي الحنابلة بدون تخيير، أو أبقاها عند الأم بدون تخيير أيضا إلى البلوغ كما ذهب الحنفية أو الزواج والدخول كما ذهب المالكية إن رأى غير ذلك وهكذا.

أما نفي التخيير كلية كما ذهب الحنفية والمالكية فهو معارض بالنصوص الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يناسب الواقع في بعض الأحيان، كما أن تفريق الحنفية بين الأم والجدات في حضانة الأنثى حيث تمتد حضانتهن للأنثى إلى البلوغ وبين الأخوات والعمات والخالات ونحوهن حيث ينهون حضانتهن للأنثى عند التمييز كالولد لا دليل عليه، كما أن الاستخدام للتعلم لا ينبغي إنكاره وتحريمه على المستخدم ولو كان من غير الأرحام إذ كيف يتعلم المرء ذكرا كان أو أنثى من غير أن يُستخدم؟!.

وكذلك فإن القول بالتخيير المطلق الذي قال به الشافعية قد يترتب عليه إضرار بالمحضون إن كان مع تمييزه لا يقدر مصلحته فيختار الأسوأ له من الأبوين، ومع أن التخيير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن القول بترك الأمر إلى القاضي لا يتنافى مع هديه صلى الله عليه وسلم لأنه وإن خير الولد بين والديه أو غيرهما إلا أنه ليس في الخبر ما يدل على لزوم ذلك فربما خير صلى الله عليه وسلم لعلمه بأن الولد يحسن الاختيار وربما كان كلاهما كالآخر في حق الولد، وهذا لا يقتضي أن يكون الحال والشأن في كل محضون وحاضنين كذلك، وربما لو عرض عليه صلى الله عليه وسلم حالة أخرى لقضى فيها بالولد لأحدهما من دون تخيير لو علم أن الولد لا يختار الأفضل منهما.

كما أن تفريق الحنابلة بين الذكر والأنثى في التخيير لا تنهض به الأدلة، فالأحكام الثابتة شرعا للذكر تثبت للأنثى إلا إن وجد الدليل على غير ذلك، ولا دليل على التفريق بين المحضون والمحضونة إلا ما قالوه من المصلحة وهو كون البنت عند أبيها بعد تميزها وتلك مصلحة غير مؤكدة بدليل اختلاف الفقهاء حولها وقول أكثرهم بأن مصلحتها أن تبقي عند الأم إلى بلوغها أو زواجها. ولذلك كان من الأولى ترك الأمر إلى القاضي ليتخير من ببن أقوال الفقهاء ما يناسب الحالة المنظورة أمامه.

تبقي مسألة مهمة وهي اختيار المحضون لحاضنيه، أو رفضهما. فإذا خير المحضون بين والديه فاختارهما معا، أو رفض حضانة كل منهما، فإنه يقرع بينهما فمن خرجت قرعته سلم إليه، لأنه إن اختارهما معا تعذر تمكينه من اختياره حيث اختار حضانة أجنبيين عن بعضهما لا يمكن أن يقيما معا ليكون محضونًا لهما لانتهاء زوجيتهما، وإذا رفضهما معا فكذلك لا يعتد باختياره، لأنه لا يمكن أن يبقى بغير حضانة، فكانت القرعة ضرورية لتحديد الحاضن، ولأنه إن اختارهما أو رفضهما لا يكون لواحد منهما مزية على الآخر تقدمه في الحضانة، فإذا قدم أحد الحاضنين بالقرعة فعاد المحضون فاختار الآخر سلم لمن اختاره، لأنه إذا قدم من اختاره ثانيًا على من اختاره أولاً، فلأن يقدم من اختاره على من قدم بالقرعة أولى.