تقرير: شيرين صبحى
عدسة: مصطفى سمك
ست سنوات كاملة قضاها الفنان عادل السيوى فى دراسة وتأمل الحيوان، تتبع خلالها خصائصه وأبعاده الجسدية وعوالمه الداخلية، ثم انتقل لكشف شخصيته وخصوصيته ككائن، ليطرح علينا أسئلة حول طبيعة علاقتنا به، وإلى أى مدى يسكننا الحيوان؟
نوافذ جديدة يحاول أن يفتحها فى معرضه الأخير الذى يحتضنه جاليرى المشربية، عن علاقة الإنسان بالحيوان، يفضح خشيتنا الاقتراب من الحيوان، يعتبرها خشية من افتضاح أسرارنا، لأننا ندرك أن هناك «حيوانية» كامنة داخلنا..!
يطرح علينا فى المعرض الذى يحمل عنوان «فى حضرة الحيوان»، فكرة «أنسنة الحيوان» ومحاولات إفقاده طبيعته ليتناسب مع ذائقتنا، فيبتكر لنا شخصية عبارة عن مزيج من بين الحيوان والإنسان، ففى لوحاته ثمة تداخل بين الكائنات يصل إلى حد الغواية، حيث يثير هواجسنا حول طبيعة تلك «الحيوانات المؤنسنة» كما فى لوحة «الغيرة تأكل الروح».
من جهة أخرى يظهر الإنسان فى بعض الأعمال وقد اكتسى بملامح الحيوان، كما فى بورتريه «الرجل الفيل»، لكن تبقى العلاقة بين ما هو إنسانى وما هو حيوانى مستترة ومفتوحة على كافة الاحتمالات وكأننا نتابع حلما..!
كان الفنان بول كليه يعلم تلاميذه كيف أن الطبيعة تعطينا أشكالًا لا نهائية من البنى، وأن علينا مراقبة الكائنات الحية والتعرف على تكوين وخصوصية كل منها وشخصيتها المستقلة. لذلك تعلم السيوى مع الوقت أن يتوقف أمام بعض الحيوانات ويجد داخله رغبة فى تحويلها إلى لوحات.
قامت ثورة يناير، ليجد الفنان نفسه مدفوعا للمشاركة فيها مثل الآلاف غيره، ولأن اللوحة الفنية لا يمكنها أن تكون ترجمة لحظية للأحداث، فقد قرر أن ينفصل بفنه عن الثورة التى يشارك فيها بجسده، ومن هنا جاءت فكرة إبداع لوحات عن الحيوان.
يضم المعرض ٢٨٠ عملا ما بين لوحات مفردة وأخرى تجميعية وطبعات وحيدة ورسومات، تكشف أبعاد وملامح السيرة التى قطعها الفنان مع تيمة الحيوان فى الأعوام الستة الماضية.
تميل الكثير من الأعمال إلى فكرة السرد، مثل تلك التى تدور حول تيمة العائلة، وتتناول العلاقات البدائية الأولية، ولكن حتى فى هذه الأعمال لا يظهر الحيوان بوصفه رمزا، بل يظل محتفظا بكامل غموضه، كحضور يصعب اختراق ما هو كامن بداخله.
لم يكن السيوى مغرمًا بالحيوان فى حد ذاته، لكنه يعتبر حضوره ملهمًا لتوسيع فكرة الحياة، فالمجتمع ليس ما هو إنسانى فقط، بل كل ما يحيط بنا من مخلوقات، لذلك يكشف لنا المعرض بعدا عميقًا للحيوانات، حيث تتجلى العوامل المختزنة بداخله، والمؤثرات التى قد لا يلتفت إليها أحد، حيث تتبدى علامات التوجس والريبة عليه فى بعض اللوحات، وأخرى تبرز قدراته التى تفوق الإنسان، فى محاولة لإبراز أهمية وجود التكامل المنشود.
فى البداية كان الفنان يركز انتباهه على مناطق الغرابة فى الحيوان، سواء فى الحجم أو الأصوات أو الفراء أو الحركة للنفاذ إلى الروح الكامنة داخل الحيوان، لكنه بعد ذلك حاول فك لغز شخصيته ومشاعره الغامضة، وأحاسيس تلك الكائنات الخفيفة التى تنظر إلينا من علو، لكنها المحاولة التى يصفها بأنها «لم تنجح قط»..!