رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


فى مسألة الحرب على الفساد

3-5-2017 | 13:24


بقلم –   د. سلوى العنترى

أصبح من الظواهر المألوفة أن تطالعنا الصحف، بشكل شبه يومى، بأخبار وقائع الفساد التى تقوم بضبطها هيئة الرقابة الإدارية. على الصعيد الشعبى يتم تقبل هذه الأخبار بارتياح شديد. بالنسبة للمواطن المصرى البسيط هناك قناعة بأن البلد فقير لأنه منهوب، وبأنه لو توقفت عمليات النهب فسوف تنصلح أحوال المواطن وأحوال البلد ككل. تواتر الأخبار عن الحالات التى يتم ضبطها يؤكد بالفعل استشراء الفساد فى مختلف المواقع التنفيذية.

 

ومع كامل التقدير للجهد الضخم الذى تقوم به هيئة الرقابة الإدارية، فإنه لا بد من الاعتراف بأن هناك العديد من التشريعات التى تسهم فى تقنين الفساد وتكفل استمراره! لا بد من التذكير، على سبيل المثال، بأن الدولة قد قامت فى مارس ٢٠١٥ بتعديل قانون الإجراءات الجنائية كى تسمح المادة ١٨ مكرر (ب) بجواز التصالح مع المستثمرين ورجال الأعمال فى جرائم الإضرار بالمال العام، حتى بعد صدور حكم بات من القضاء وحتى لو كان المحكوم عليه محبوسا نفاذا لهذا الحكم، لينتهى الأمر بوقف تنفيذ العقوبة نهائيا!

تعديلات قانون الإجراءات الجنائية تمثل تكرارا لسنة استنها نظام مبارك. ففى عام ٢٠٠٥ ومن أجل عيون نواب القروض المسجونين آنذاك تم تعديل قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى كى ينص على جواز التصالح مع عملاء البنوك وإسقاط الدعاوى الجنائية فى أى مرحلة، حتى بعد صدور حكم بات وحتى لو كان المتهم يقضى العقوبة بالفعل (مادة ١٣٣). نواب القروض خرجوا من السجون بفضل تلك المادة والتى تكررت بنفس منطوقها تقريبا ضمن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية الصادر فى مارس ٢٠١٥. الكارثة أن نفس المادة تتكرر الآن للمرة الثالثة فى مشروع قانون الاستثمار الجديد الذى تجرى مناقشته فى مجلس النواب.

الرسالة التى تحملها هذه النصوص القانونية لمن يتعامل مع جهات الدولة هى «فلتسرق ما شئت».. وإذا حدث أن وقع المحظور وكشف أمرك، قم بسداد بعض المال المسروق فيتم التصالح معك وتمارس حياتك حرا طليقا تنعم بالغنيمة!

نفس المنطق فى استباحة سرقة المال العام نجده فى تقاعس الدولة عن تحريك الدعاوى الجنائية ضد المسئولين السابقين الذين أبرموا عقود بيع شركات القطاع العام، بعد أن صدرت أحكام قضاء نهائية تؤكد فساد تلك العقود وتقضى ببطلان البيع وإعادة الشركات إلى ملكية الدولة.

الأمثلة فى هذا الشأن عديدة ولعل من أهمها عمر أفندى والمراجل البخارية والنيل لحليج الأقطان وطنطا للكتان وغزل شبين وأسمنت أسيوط.

أحكام القضاء تحدثت عن المخالفات و إهدار ملكية الشعب، والغش ممن ولى إدارة هذا المال، وعن بيع الأصول العامة بأثمان بخسة. أطراف تلك العقود الفاسدة من رؤساء وزارات ووزراء ورؤساء شركات قابضة معروفون وأسماؤهم مثبتة فى أوراق القضايا، ومن المؤكد أنهم لم ينبروا لبيع أملاكنا بخسا من باب السذاجة والغفلة، بل تقاضوا المقابل من لحمنا الحى. والمفروض أن قاعدة البيانات المتوافرة لدى وحدة مكافحة غسل الأموال الموجودة فى مقر البنك المركزى المصرى تتضمن تفاصيل تحركات حسابات هؤلاء المسئولين وتحويلاتهم، كما أن لديها اتفاقيات لتبادل المعلومات مع وحدات التحريات المالية فى ١٦ دولة عربية وأجنبية.

المطلوب أيضا إلغاء قانون تحصين عقود الدولة، الشهير بقانون تحصين الفساد، الصادر فى أبريل ٢٠١٤. هيئة مفوضى المحكمة الدستورية العليا قضت بالفعل بعدم دستورية هذا القانون الذى ينتزع من المواطنين الحق فى الطعن على أية عقود تبرمها الحكومة أو مؤسساتها المختلفة، ويجعل ذلك الحق حكرا لطرفى التعاقد أى الحكومة والشخص أو الجهة التى تعاقدت معها. بل إنه وفقا للمادة الثانية من ذلك القانون يتعين أن تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالعقود التى تكون الدولة ومؤسساتها المختلفة طرفا فيها.

وفقا لهذا القانون لا يحق لنا الطعن على العقود التى تبرمها الحكومة إلا لو كنا من أصحاب الحقوق الشخصية أو العينية على الأموال محل التعاقد. فلو عاد الزمن إلى الوراء لما أمكن الطعن على عقد بيع عمر أفندى، أو على عقد تخصيص أراضى مدينتى أو بالم هيلز، ولا أمكن الطعن على عقود خصخصة الشركات التى قضت المحكمة بفسادها وبطلانها وأصدرت حكما نهائيا بإعادتها للدولة. ففى كل تلك الحالات كانت الطعون تأتى من مواطنين مصريين يمارسون حقهم الطبيعى فى حماية المال العام، أو من عمال الشركات التى تم بيعها بعقود فاسدة لرأس المال الخاص الأجنبى والمحلى. كل هؤلاء فى نظر قانون تحصين العقود الحكومية ليس لهم صفة. فلكى تدافع عن المال العام يجب أن يكون لك أسهم فى الشركة محل الخصخصة أو مالكا للأرض التى قامت الدولة ببيعها، ولكى تشكو من فساد الصفقة يجب أن تكون قد دخلت فى المناقصة أو المزايدة ثم أرست الحكومة العطاء دون وجه حق على شخص آخر!

يجب إلغاء قانون تحصين الفساد الذى يسرى حتى الآن على كل التعاقدات التى تبرمها الدولة مع الموردين والمستثمرين المحليين والأجانب وعلى كل عقود المشاركة فى مجال مشروعات الخدمات والمرافق التى يجرى طرحها على القطاع الخاص والتى تشمل مجالات بالغة الأهمية، مثل إعادة هيكلة المستشفيات الجامعية ومحطات معالجة مياه الصرف الصحى و مشروعات تحلية مياه البحر و خطوط السكك الحديدية والترام و إنشاء مدارس حكومية و خطوط الأوتوبيس النهرى و الموانى النيلية ومشروعات إنارة الشوارع.

وأخيرا فإن المواجهة الجذرية للفساد تتطلب الاستقلال الكامل لهيئة الرقابة الإدارية عن السلطة التنفيذية. الهيئة التى صارت تقع على رأس المنظومة المعنية بمكافحة الفساد فى مصر تتبع رئيس مجلس الوزراء. رئيس هيئة الرقابة الإدارية يرأس أيضا اللجنة الفرعية التنسيقية لمكافحة الفساد، التى تم إنشاؤها للتغلب على مشكلة تعدد الأجهزة الرقابية وما قد ينجم عن ذلك من تضارب. تشكيل اللجنة يصدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء، كما أن تقاريرها ترفع إليه.. المحصلة إذن أن المنظومة الرقابية بأكملها، والتى يفترض أنها معنية بالرقابة على السلطة التنفيذية، تقع فعليا تحت رئاسة تلك السلطة! المؤكد أن المواجهة الجذرية للفساد تتطلب تعديل هذا الوضع المعيب وغير الدستورى.