تنويعات سياسية داخلية وخارجية.. وتعود القاهرة قبلة للعالم
بقلم – د. السيد فليفل
يكاد المتابع لأداء السياسة الخارجية المصرية بقيادة الرئيس وفارس الدبلوماسية سامح شكرى من ناحية، والسياسة الداخلية للحكومة أن يصاب بصدمة من تبيان الفارق الشاسع بين أداء فريقين يفترض أنهما كيان واحد. فلدينا رئيس لا يهدأ فى الداخل ولا الخارج، ويتخذ من الإجراءات المبادرة والسريعة بما فى ذلك الزيارات الخارجية واللقاءات ما يمكن أن يشعرك برجل مسئول وقائد يجهد نفسه فى سد الفراغات الحادثة فى ثوب الحكومة.. بينما الطرف الآخر يتصرف كأن مصر ليست فى حرب وكأنها لا تعانى أزمة وكأنها لا تواجه حصاراً وكأن شعبها شعب مترف يملك من الأموال ما يساعده على تحمل الضغوط المستمرة للحكومة على مدخولاته المحدودة. بينما هى لا تتخذ الإجراءات الكافية فى اتجاه العدالة الاجتماعية، ولا تحاسب رجال الأعمال من الناحية الضريبية الحساب الذى يليق بمدخلات ضخمة بدأوها بمشروعات اقترضوا أموالها من حسابات الفقراء فى البنوك المصرية.
وتصدع الحكومة رؤوسنا بمبدأ أن يكون السوق حراً، وتطبقه بطريقة مفادها أن يكون المواطن عبداً، مع أن الدستور كفل له أن يكون حراً، وأن تراعى العدالة الاجتماعية، وأن يتوفر له القدر الكافى لحياة كريمة، وأن يتوفر لبنيه التعليم الملائم، وأن يتوفر لأبيه العلاج المناسب لعطائه الطويل فى خدمة الوطن. وتلك حالة تجعلنى أطلب مباشرة من السيد رئيس الوزراء ومجلس وزرائه أن يراجعوا أنفسهم، وأن يتقوا الله فى مواطنيهم، بل وأن يتقوا الله فى رئيسهم الذى اختارهم ووثق فيهم ودعاهم إلى القيام بمهامهم بأمانة وشرف، فإذا بهم يتصرفون على نحو لا يأكل من رصيدهم فقط، بل يأكل من رصيده هو أيضاً، مع ما له من شعبية جارفة باعتباره بطل المرحلة ورجل المهمة. ولأن المصريين هم شعب استثنائى؛ فإنهم تحملوا ما لم يتحمله شعب ثقة فى الرجل أولا، وإحساساً بأن عليهم واجباً فى الحفاظ على دولتهم التى أعيت الدهر، وجابهت الإمبراطوريات، بالسلاح حيناً وبالثقافة حيناً، فزال المعتدون وزالوا، وبقيت هى مصر المشعة المنيرة.
ولقد كان من تقاليد المصريين أن يبنوا أسطولاً فى البحر المتوسط لأن الخطر يأتيهم منه فلا شيء يأتى من الغرب يسر القلب، وأن يعدوا جيشاً برياً قادراً على الوصول إلى جنوب فلسطين لصد القادمين من غرب ووسط آسيا، أو من شمال شرق أوروبا، ولم يكن فى مخيلتهم يوماً أن شراً يأتيهم من الجنوب حتى وجدوا هذا الشر ماثلاً، بل ووجدوه مرتبطاً بذلك الذى يأتى من الشمال ومن الشرق، وتلك هى المرة الأولى فى تاريخ مصر عبر أزمانها الحضارية المتعددة التى يأتيها الخطر من الشرق والغرب والجنوب معاً.
وفيما يخص القارة الأفريقية فإن تجاهل الحكومة مع معطيات الدور المصرى المنشود لاستعادة المكان والمكانة، وللوصول مجددا إلى قلوب الأشقاء وللتواصل معهم وتأدية مصر لما يطالبونها به من دور فى المجالات كافة؛ فإن الحكومة المصرية تحتاج إلى مراجعة آليات التواصل مع القارة وشعوبها، ولا تكتفى بدور أسد الخارجية ومهندس الموارد المائية، فلا يمكن أن تمضى حكومة المهندس شريف إسماعيل على طريق عاطف عبيد أو أحمد نظيف، فقد كانا رمزا للتوهان والضياع لدور مصر الأفريقي، إن عليه أن يكون على خط الرئيس وأن يجتهد لإنفاذ ما يقوم الرئيس بالاتفاق عليه مع القيادات الأفريقية التى استقبلها الرئيس بالقاهرة أو زارها فى عواصم بلادها، وللمساعدة فى تأدية رئيس الوزراء لهذا الدور، والذى نلتمس له عذراً فى القصور فيه أنه لم يرث من الوزارات المصرية السابقة آلية لتفعيل الدور المصرى فى أفريقيا، ولقد كانت هناك محاولة لتأسيس مكتب متابعة للشئون الأفريقية للعمل بين الوزارات فى ملاحقة أدائها ودفعها للاهتمام بأفريقيا من ناحية وفى متابعة ما تنجزه فى الشئون الأفريقية.
ولقد اتسمت المرحلة المباركية بنقطة ضعف خطيرة نحذر منها رئيس الوزراء وهى أنه كان يتفق ويعد ثم لا يوفى ولا ينفذ، ومن أمثلة ذلك مسألة الاتفاق على خطوط نقل قارية أو على قناة فضائية أفريقية أو برامج صحة عملاقة. وكان القادة الأفارقة يتلقفون الوعود الشفوية وينتظرون ثم لا يرون شيئا منها يتحقق، ولهذا أصيبت مصر فى مصداقيتها حتى وصلنا إلى تجميد عضويتها فى الاتحاد الذى كانت مؤسسة له وصاحبة الريادة منذ عام ١٩٦٣، ولن تظل مصر إلى الأبد تحيا على تراث “بابا جمال” وبصفة خاصة فى هذه الأيام التى تمضى حالكات كليالٍ سود تحيط المخاطر بالبلد وتتعرض للتهديد بتعطيش شعبها من الشقيق قبل العدو. ولعل العدو يوظف هذا الشقيق فى غفلة من الحكومة.
وقد يكون من شأن مكتب المتابعة المنشود بمجلس الوزراء والذى قد يكون بديلا مؤقتا عن تأسيس وزارة للشئون الأفريقية أن يكون من مهامها ما يلى:
التحديد الدقيق للمخاطر التى تجابهها مصر والتوثق من مدى إدراك الوزارات المصرية المختلفة لها.
التحديد الدقيق للمصالح المصرية والتوثق من مدى سعى الوزارات المصرية إلى إنفاذها.
اقتراح البرامج والمشروعات الكفيلة بملاحقة المخاطر ومجابهة التحديات من ناحية، وتنفيذ المصالح المصرية من ناحية أخرى.
الملاحقة الدقيقة لإنفاذ ما يجرى الاتفاق عليه من مشروعات ومتابعة إحاطة الرئيس بها والاتصال المستمر مع فرق العمل بمكاتب الوزارات الأفريقية الشقيقة لتأكيد الاهتمام والحضور المصرى المستمر فى العواصم الأفريقية.
ولأننى أعرف أن الإيقاع عند رئيس الوزراء مشدود إلى الداخل والذى يجعله عاجزاً حتى عن إعطاء المصريين بسمة الأمل فى المستقبل فإننى أطالبه ألا يأخذ الأمر على محمل شخصى، بل إن يتفاهم فيه وبأسرع وقت سواء مع الرئاسة أو أن يعقد اجتماعا لمجلس الوزراء لمطالبة أعضائه بتقديم برامج عملهم إلى مكتبه قبل بدء العام المالى الجديد، على أن تؤشر الموازنة العامة القادمة على الاهتمام بأفريقيا، وعلى ربط هذا الاهتمام بالعمل الداخلى، بحيث تتحرك مصر حكومة بكافة وزاراتها وشركاتها بصحبة شركات القطاع الخاص ورجال الأعمال “الرجال”، والذين يجب أن يحفزهم مجلس الوزراء فى النواحى الضريبية مقابل الوجود فى أفريقيا، وعلى رئيس الوزراء أن يعقد اجتماعاً لمراجعة برامج العمل الأفريقى لخطة ٢٠١٣-٢٠٦٣ والنظر بدقة إلى المرحلة الأولى منها حتى ٢٠٢٠ على أن يقدم رؤية لكيفية النفاذ من خلالها إلى العمل الأفريقى، وأن يرتب لوجود مسئولين مصريين فى مفوضية الاتحاد الأفريقى وفى البرلمان الأفريقى وفى التجمعات الاقتصادية الأفريقية وعلى رأسها كوميسا وسين-صاد مع الانخراط فى كافة برامج العمل الفرعية.
كما أن على رئيس الوزراء أن يهتم بثلاثة قطاعات على وجه خاص، وهى قطاعات تمتلك مصر فيها قدرات خاصة، ومزايا نسبية لا يمكن إنكارها وهي: قطاع المقاولات، وقطاع الصحة، وقطاع الاتصالات. وهذه القطاعات كفيلة –لو جرى النجاح فى توظيفها- أن تكون القاطرة التى تجر الدور المصرى إلى الأمام.
بيد أن المكتب المقترح لرئيس الوزراء يحتاج منه إلى التفكير ملياً فى شخصية تنموية قادرة على المتابعة والإدارة من نماذج عرفناها فى الصادق مثل عزيز صدقى وصدقى سليمان، وعرفناها فى الحاضر مثل إبراهيم محلب أو السفير سامح فهمى الذى يدير الأمور بقروش قليلة لإبراز دور مصر فى أفريقيا، أو اللواء كامل الوزيرى، وغيرهم من القيادات المصرية التى أعرف أن رئيس الوزراء يتابعها ويعرفها.
ولأننا لا نملك ترف اليأس ولا إحباط الأمل؛ فإننا لو نظرنا إلى حركة الرئيس فى الأشهر الماضية لوجدنا أنه لم يكتف باستقبال قيادات أفريقية عديدة (منها رئيس الكونغو الديمقراطية ورئيس تشاد والرئيس السودانى والرئيس الزامبى إدجار لونجو ورئيس المحكمة الأفريقية الدستورية العليا سيلفان أوريه، ووزير الخارجية الإثيوبى وغيرهم)، كما أنه زار كلا من أديس أبابا وكمبالا ونيروبى وتفاعل مع عشرات الشخصيات الدولية التى زارت مصر من رؤساء دول (مثل ميركل) ورؤساء دول سابقين، فضلا عن زيارته للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية؛ حيث جرى إعادة ترتيب المواقف بما يمكن أن يوصف بأنه إثبات أن مصر هى القطب الإقليمى الأكبر فى نظر أكبر قوة دولية وأغنى قوة عربية. وأن هذه المكانة التى فرضها الرئيس السيسى على الجميع لا تأتى فقط من مبادرته الشخصية ورؤيته الاستراتيجية ونجاحه فى إنفاذها، ولكن تأتى أيضاً إقراراً بما لمصر من طاقة ثقافية هائلة لا ينازعها فيها منازع باعتبارها القطب الأكبر فى العالم الإسلامى والقطب الأكبر فى العالم العربى والركن الركين فى الاتحاد الأفريقي، وأنها هى التى قالت للإرهاب “لا”، وهى التى تقود مسيرة السلام على مستوى العالم، وتراجع مواقف الافتئات من القوى التى غرست الإرهاب فى الأرض العربية، وتلك التى أشرفت على إدخاله إلى عدة دول عربية فضلاً عن الصغار المحتقرين الذين يقومون بالتمويل.
ولا أعتقد أن هذه الرؤية التى أطرحها هنا قد وصلت بالفعل إلى مجلس الوزراء المصرى بهذا الوضوح الذى أتحدث به، ما يجعلنى أطالب كل عضو بالمجلس أن يقف ليسأل نفسه: هل أدائى يناسب هذه المكانة الكبرى التى أنجزها الرئيس السيسى فى ترفيع الدور المصرى وإعادة الدولة المصرية إلى المكانة التى تستحقها؟ وما هى الإضافة التى أملكها لضخ الدماء فى عروق هذا الدور؛ بحيث أستطيع أن أساند أو أظاهر أداء الرئيس من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة؟
ومرة أخرى نقول لوزير الصحة لديك أطباء بلا عمل فى قارة بغير أطباء، ولوزير الاتصالات لديك طاقات هائلة فى قارة تنتظر من يقود قطاع الاتصالات، وهكذا....
على أن قضية الدور المصرى ليست فقط فى مشكلة التمويل التى يتحجج بها البعض ويستخدمها للتعلل بضعف الأداء نتيجة لنقص لأموال، ذلك أن القارة الأفريقية صارت هدفاً للقوى الكبرى والإقليمية فى العالم باعتبارها السوق البكر والأرض الواعدة، وأيضاً باعتبار أن الفرص فيها أوفر من غيرها؛ حيث وصلت كثير من القارات إلى التشبع فى المشروعات والاستثمارات وضاقت فيها فرص المنافسة مع الآخرين. ودولة مثل مصر تستطيع أن تكون وكيلاً عن دول كبرى وشركات عظمى تريد الكوادر الفنية المدربة والعقول الذكية من قلب القارة بحيث يكون استثمار المال فيها أقل تكلفة وأكثر توفيراً للقدرات البشرية لهذه الدول والشركات وتلك ميزة لمصر قد لا تتوفر لغيرها، وبصفة خاصة أن كثيراً من الدول التى تحركت فى أفريقيا ووصف أداؤها بأنه ناجح تعرضت لمواقف شعبية رافضة وحدّث ولا حرج عما جرى للإيرانيين فى نيجيريا، وعما وقع للأتراك فى سوق حمراوين بمقديشو.
ويعد القبول الأفريقى للدور المصرى واحداً من أهم الركائز لهذا الدور، وهى ركيزة ملموسة فى كل الملتقيات المصرية بالأشقاء الأفارقة، ولكن الأدوار لا تبنى فقط على التعاطف ولا تستمر فقط بذكريات الآباء المؤسسين والقادة الخالدين، إنما لابد أن ينشأ فى إطار هذا القبول نمط جديد من العلاقة بين الأجيال المصرية، ونظرائها الأفارقة فى كافة الدول، ولن يكون هذا إلا بالتفاعل الخلاق والإيجابى وبالتواصل بين القيادات العمالية والنقابية والمهنية من مهندسين وأطباء، ويكفى أن تكون موجوداً لكى يتم بعث التاريخ حياً نابضاً، ولكن تكون ذكريات الزعماء الأولين ماثلة للعيان، ولكى تتدعم المصالح الراهنة وتملأ الفراغ الذى سبق أن وقع فيه نظام مبارك وتسترد الأرض التى شغلتها الذئاب والضباع والثعالب والكلاب.
وفيما يخص نهر النيل فإن القوى المعادية والمتربصة نشطت فى الآونة الأخيرة بادعاءات وأكاذيب، وفعلت أدوات التواصل الاجتماعي، ووظفت المقالات الصحفية والبرامج الإذاعية والتليفزيونية على نحو أقطع بأنه لن يؤثر على صلب العلاقة المصرية مع الأشقاء، بل إنه يدل فى رأيى دلالة واضحة على عظم ما يتحقق من إنجاز، الأمر الذى يجعلها تصاب بالذعر وتهرع إلى “الفيس بوك” تملؤه بالأكاذيب، وإلى المقالات تسودها كضمائر كتابها وإلى الشاشات تملؤها بالصخب والنهيق. إن هؤلاء لن يغيروا التاريخ ولا يستطيعون أن ينقلبوا على الوضع الذى يفرض نفسه، كما لم يستطيعوا أن يقنعوا أحداً بالأكاذيب. وبعد مئات الألوف من التويتات فإن خمسة ملايين مواطن سودانى وملايين من الليبيين واليمنيين والسوريين والعراقيين يعيشون على أرض مصر فى ذات البيوت بغير معسكرات ولا تمويل دولى ولا تجارة فى الأعضاء، إنما يعيشون بين أشقائهم يأكلون نفس الرغيف ويصلون فى ذات المساجد، ويعملون فى نفس الأعمال، ويتعلم أبناؤهم فى ذات المدارس ويذهبون إلى ذات المستشفيات، فإن عانوا من شيء فإن أشقاءهم المصريين أشد عناء منهم، ولكنهم لا يتوجعون، ويصبرون على الألم ولا يملون.
ومصر هذا الصدر الكبير الرحب استقبل البابا فرانسيس؛ حيث أسمعه الطيب شيخ الإسلام وداعية السلام ورمز أهل السنة والجماعة وعالم المسلمين الأول والداعية الحق لإنصاف المظلومين من المسلمين الذين جرى تدريب الكوادر على مستوى العالم وتسليحها بمعرفة القوى الغربية؛ لكى يقوموا بقتل إخوانهم لقاء دولارات معدودات، ولقد وقف الطيب بنفسه الزكية، وروحه الرضية، وسماحته الصوفية، يستشف من غضب العالم الإسلامى الحكمة التى يسمعها للبابا، ويحفز على أن يكون قوله عن السلام مشفوعاً بنصح يقدمه للدول التى يمثلها بأن تكف اليد عن ديارنا، وأن تسحب السلاح الموجه إلى صدورنا، وأن تكف عن تضليل أبنائنا، وأن تمتنع عن توجيههم لقتالنا. ولقد أكد الشيخ الجليل أن المكانة السامية للبابا تسمح للإمام الأكبر أن يحمله مسئولية ما يجرى على أرض فلسطين، كيف لا والغرب شريك فى وعد بلفور، ونحن نوشك أن نتم قرناً كاملاً منذ انطلق هذا الوعد لكى ينشئ كياناً للغرب على أرضنا من يهود شتات العالم بحيث صاروا قاعدة الغرب على أرضنا يقتلون دفاعاً عنه وفيما الدفاع ونحن لا نقاتل الغرب؟ مثلما يقتل الإرهابيون الذين يرعاهم الغرب وهم يسعون لتنفيذ مخططه فى تفكيك دولنا. وذلك لون من اللؤم الغربى والتوظيف الصهيونى تحمل البابا مسئوليته عندما أشار الإمام الطيب إلى شعب فلسطين الذى يحيا فى أقل القليل من أرضه، ودون مؤسسات لدولة مرعية على الرغم من كونه عضواً فى الأمم المتحدة.
وهنا فإن كل مصرى وعربى عليه أن يدرك الفارق الشاسع بين الموقف الأفريقى من القضية العربية المركزية، ونعنى بها القضية الفلسطينية، وبين الموقف الغربى أوروبياً كان أم أمريكياً، فالأفارقة مع الحق الفلسطينى والغربيون مع الاحتلال الصهيوني. ولقد شكل لقاء السيسى بالبابا نقطة هامة فى إثبات أن الإرهاب الذى اصطنعه الغرب لم يضر الشرق وحده وإنما أضر بالغرب أيضاً، وأن الغرب آخر الأمر قد أدرك استحالة أن يوظف الإرهابيين دون أن تلسعه نارهم. وكان ذلك بمثابة القمة التى وصل إليها الموقف المصرى فى تأكيد مجابهة الجيش المصرى للإرهاب نيابة عن العالم كله، وفى اعتراف رأس الكنيسة الغربية بجدارة هذا الدور. وأما مصر، وهى بلد إدريس وإبراهيم وموسى وهارون وعيسى عليهم السلام، وهى أيضاً منطلق المعراج المحمدي، وهى أيضاً موضع التجلى الإلهي، فقد نفحها البابا وصفاً جديداً إنها “زهرة الإنسانية والحضارة والثقافة”، ولقد سبق لأفريقيا أن أدركت مكانة مصر فى تأسيس الحضارة الأفريقية، ويكفى أن نسترجع ما قاله رئيس البرلمان الأفريقى فى شرم الشيخ المحترم روجيه نكودو دانج حول مكانة مصر فى الثقافة الأفريقية والتى قادت حركة الحضارة العالمية وخرج من شعلتها المنيرة فلاسفة الغرب. وأقول أخيراً إن مصر، ورغم كل المحن، لا تزال تملك الحكمة لقيادة العالم وتأدية دور فاعل فى المحيطات العربية والأفريقية والإسلامية والدولية. فهل يكون وزراؤنا على مستوى “زهرة الحضارة”؟