ياسر الغبيري يكتب: «ربيع الشتات».. حكايات المعاناة والحب
"ربيع الشتات"، عنوان رواية الكاتب سراج منير، التي جاءت مُحمّلة بالألم والأمل والكثير من الغُربة والفقد والشعور بالتحطم لأجل عدد من البلدان العربية وما حل بها أعقاب ثورات الربيع العربي. وبما أن العنوان هو العتبة الأولى التي يدلف القارئ منها إلى النص، نجد أن المؤلف اختار عنوانًا معبّرًا عن ما تحمله الرواية من معاناة لأبطالها خلال رحلتهم الطويلة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وما خلّفته في بُلدانهم من آثار دمار وفقد وقتل وسفك دماء، لا سيما أن آمال هؤلاء الشباب خابت بعد هذه الثورات، التي كانت بالنسبة لهم بمثابة طوق النجاة.
قبل أن يبدأ المؤلف في سرد أحداث روايته التي تقع في 322 صفحة من القطع المتوسط، كتب إهدائها لدماء الشهداء في كل مكان وزمان بقوله: "الى كل قطرة دم سالت من أجل حلم نبيل حتى وإن لم يتحقق"، وبمجرد أن تقرأ الرواية وتعود للإهداء، تجد أن المؤلف قصد تلك الدماء الذكية التي سالت في بلدانها لأجل ما خرجت من أجله لإعلاء قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
يبدأ سراج منير روايته بسرد حكاية هشام الشاب الليبي الذي فر من بلاده بعد أن قطّعت أوصالها نيران الحرب والقتل والدمار، ففر إلى عمّان، بعد أن سقطت قذيفة أودت بحياة زهراء حبيبته وزوجته، التي عزم أن لا يُغادر البلاد قبل أن يثأر لها ممن تسببوا في موتها، ونظرًا لسوء الأوضاع في الأردن، تحدث إلى "حسن" صديقه المصري الذي يعمل في الكويت ليجد له عملا هناك.
رغم أن أبطالها الرواية جميعًا يعيشون في الكويت إلا أن الراوي يعود بنا تارة إلى ليبيا ليحدثنا عن بعض الأحداث الجسام التي مر بها "هشام"، وأخرى يأتي الحديث على لسان حسن الذي زامل "هشام" في كلية دار العلوم بالقاهرة، قبل أن يعود الأخير لتدريس اللغة العربية والعمل بالصحافة في بني غازي، ويسافر حسن للعمل في شرم الشيخ، قبل أن تندلع أحداث ثورة يناير.
بدأ "هشام" عمله في الكويت، حارس أمام مصعد إحدى البنايات التي يقع بها مقر إحدى الصحف الكويتية، وبالصدفة تعرّف إلى رئيس تحرير الجريدة الذي طلبه حينما عرف أنه يجيد التدقيق اللغوي وإضافة إلى مهاراته في العمل الصحفي، وسمح له بالكتابة مع في الجريدة، وشاء القدر أن يتعرّف على "شيخة"، الفتاة الكويتية التي تعمل صحفية في ذات الجريدة، وتُدير مكتب رئيس التحرير.
على الجانب الآخر وفي ذات التوقيت كان "حسن" الذي يعمل سائق على سيارة خاصة "تاكسي"، يُعاني جراء قصة حب جمعته "بنهلة" مواطنته التي أحبها ولكنها لم تُبادره حب بحب، ورغم حبه لها إلا أنه كان دائم على المُغامرات النسائية أو ما يُسميه هو لحظات الترويح عن النفس، على عكس صديقه هشام المُتدين الذي عاش وفيا لزوجته "زهراء"، التي كانت حبه الأول والأوحد، علاوة على وازعه الديني الذي ينهاه عن طيش صديقه حسن ومغامراته، التي قادته في إحدى المرات للتعرف على "جانيس" الفلبينية التي تعمل في إحدى محلات المستحضرات النسائية، والتي تركت بلدها أيضًا لأجل بنتيها الصغيرتين التي ترغب في تأمين مستقبل جيد لهن، بعد أن انفصلت عن والدهن.
بدأت حكاية "حسن وجانيس"، بالتزامن مع بداية قصة "هشام وشيخة"، كانت "شيخة" ودودة لطيفة ترى في هشام شمم وعزة نفس وإباء، لذا كانت تُبادر دومًا بتقديم يد العون والمُساندة لتحسين أوضاعه، ولكن سرعان ما بدأ قلبها بالتحرك ناحيته وهو ما لاحظته "سحر" صديقتها وزميلتها، وفي المقابل منع حب "هشام" لزوجته الراحلة من تلمّس الحبيبة في "شيخة"، علاوة على علمه المُسبق بالعديد من الحواجز التي تفصل بينه وبينها وأولها أنها كويتية وهو ليبي وافد، إلى أن غلبته مشاعره، فأخبرها أنه حمل السلاح في بلده وقتل عن عمد ثأرًا لزوجته، الأمر الذي تسبب لها في صدمة كبيرة وهز صورته أمامها، إلا أن هذا الاعتراف لم يتسبب في القطيعة بينهما، رُغم أنه تسبب في البعد وإعادة حساباتها تجاهه، ولكن سرعان ما عاد الحب ليعصف بكلاهما من جديد. على الجانب الآخر كان حسن يتخذ من "جانيس" مجرد أداة للمُتعة تُهوّن عليه غربته، وتعوّضه جفاء "نهلة"، ولكن سرعان ما تغيرت مجريات الأمور وبدأ حسن يشعر بالحب تجاه "جانيس" ويُفكر فيها كحبيبة وزوجة رُغم كل المُعوقات التي تعترض زواجهما.
لم يكن "حسن وهشام وشيخة وجانيس، أبطال الحكاية الوحيدون، فكان هناك علاء الشاب المصري الأناني، الذي شارك حسن في متجر لبيع الأدوات الصحية، وعبدالعزيز الشاب السوري الذي عانى كثيرًا في بلاده أعقاب الثورة، وحكى كثيرًا لأصدقائه عن الصراعات والخراب الذي شهدته بلاده، والجرائم التي تقوم بها داعش، وغيرها من القوى المُتصارعة في بلاده، ما دفعه للعيش في الكويت، قبل أن يُقرر أخيرًا الهجرة على قوارب الموت إلى أوروبا.
تعرض الرواية عدد من القصص المأساوية لأبطالها، كلٌ في بلده التي حلم بأمنها وسلامها، إلا أنه استفاق من الكابوس على غربة لا يعلم لها نهاية، ومستقبل لا يعرف ملامحه، فبلادهم لا يستطيعون العودة إليها وفي الكويت مهددون بالترحيل في أي لحظة، وهو ما حدث بالفعل حينما ألقي القبض عليهم جميعًا في حفل شواء على إحدى الشواطيء، بسبب زجاجة خمر أحضرها صديقهم سميح.
ورغم مأساوية أحداث الرواية وما تُقدمه على لسان أبطالها من حكايات يندى لها الجبين، إلا أن أحداثها انتهت بسعادة غامرة بعد أن ظفر "حسن" بحبيبته "جانيس"، في حفل زفاف ضم جميع الأصدقاء، علاوة على حضور "شيخة وهشام" وأخته التي حضرت للكويت برفقة والدتها. انتهت الرواية على قرع الطبول لإعلان بداية حياة جديدة تجمع "حسن وجانيس"، وابتسامة عزبة ونظرة عاطفية تُعلن قُرب بداية حياة سعيدة قد تجمع "هشام وشيخة".