«تايم لاين».. قصة جديدة من «فسحة بويكا»
تنشر بوابة "الهلال اليوم"، قصة "تايم لاين"، للكاتبة أسماء حسين، من مجموعتها القصصية "فسحة بويكا" الصادرة عن دار "فصلة" للنشر والتوزيع في طبعتها الأولى يناير 2018.
تايم-لاين
يحثّ الخطى تجاه مكتبه في الطابق الرابع في
الشركة، يختم بصورة سريعة على لوحة الختم الإلكترونية، يدخل باب غرفة مكتبه حيث
يشاركه زملاء وزميلات العمل، يسلم عليهم في سره بكلمات متمتمة، بينما يضغط على زر
حاسوبه متلهفًا إلى تلك اللحظات الفيسبوكيَّة.
يتطلع
نحو الشاشة الزرقاء، يكتب اسم المستخدم والكلمة السرية بتمرس واضح، يركض بعينيه
نحو الصفحة الرئيسية، يقرأ ما كتب أصدقاؤه من عبارات صباحية على جدارياتهم:
فلان يُصبِّح على كل الأصدقاء في الفيس بوك،
فلانة تتمنى للجميع يومًا سعيدًا، علَّان يذكر أنه اليوم ذاهب إلى حفلة ابن ابن
عمه وقد نجح بالتوجيهية.
وكثير من العبارات والتعليقات من هنا وهناك، هذا
غير الصور والروابط الإلكترونية المختلفة: من أخبار، مقالات، ألعاب، صور، وأغنيات
من كل الأشكال والألوان، وبحسب مزاج الأصدقاء هذا اليوم على قائمته الفيسبوكية.
يبدأ
بالتعليق، يسلم أولًا على زملائه في العمل الجالسين بقربه في الغرفة ولم يلتفت
نحوهم عند دخوله، ولكن على صفحاتهم الشخصية على الفيس بوك!
ثم
يصبِّح على بعض الأصدقاء الذين صار يلتقيهم يوميًّا، ويعيشون معه يومه الوظيفي
ولكن عبر الفيس بوك.
يكون
قد نسي أن يشرب قهوته الصباحية، لكنه يتذكرها حينما يدخل المدير العام فجأة عليهم
في الغرفة، فيتظاهر الجميع بالعمل والانغماس في الحواسيب.
يعود
إلى صفحته بمجرد خروج المدير، يكمل ما بدأه من أحاديث صباحية وزيارة لبعض حوائط
الأصدقاء والصديقات، ويضع تعليقًا تحت صورة إحداهن مبديًا إعجابه بها، يبدأ في
الانتباه فجأة لإحساسها الظاهر في حالات الحائط الخاصة بها، ويتعجب كيف لم يلحظ
إبداعها الأدبي المنثور في تدويناتها الفيسبوكية من قبل، بل ويكاد يقسم أنه يعتنق
نفس أفكارها كلما مرر عينيه على خانة "الانفورميشن" الخاصة بها، وراقت
له مقتبساتها.
ولعله لم يلحظ ذلك كله سوى وقت أن لاحظ ملامحها
الجميلة، عندما احتلت في ثقة إطار البروفايل الخاص بها، أو ربما لاحظ ولكن لم تبدُ
لكل تلك الأشياء قيمة قبل أن تضفي صورتها قيمة سحرية لكل ما في حسابها.
كتب
ذاك الصباح تحت أطروحتها القصيرة:
"صلواتي
في محراب إبداعك لم تنته بعد".
بينما
يضع تعليقًا ساخرًا تحت صورة صديق له بدت مضحكة، ويواصل نهاره فيما بعد، متنقلًا
ما بين إنجاز ما عليه من عمل، وبين موقعه الإلكتروني الإجتماعي التواصلي الجديد،
الذي صار يكنُّ له امتنانًا واضحًا للتسلية الكبيرة التي بدأت تصبره على طول نهار
العمل وتكسبه صداقات عدة.
في نهاية يومه، يدخل للمرة الأخيرة على الموقع،
يودِّع الأصدقاء والصديقات الفيسبوكيين، بأسلوب رحب يوحي لهم كم هو منخرط
اجتماعيًا.
ويتوجه
إلى بيته متعبًا متوجع الظهر، يسلم على أهله ببرود مقتضب منهك، يتضايق من
تعليقاتهم حول عمله وتأخره، يأكل طعامه البارد بدون استمتاع.
ويسير
نحو سريره راميًا الجسد المنهك.
بانتظار
يوم فيسبوكي جديد، ينثر فيه الحياة!