رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تجديد الفقه الإسلامي (10)

28-1-2021 | 22:33


الشيخ أحمد تركي

تحرير مفهوم الإيمان 

الإيمان مصدر آمن، معناه التصديق، قال تعالى حكاية لقول اخوة يوسف: "وما أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صادقين" يوسف 17، ومعناه في الشرع: تصديق القلب تصديقاً جازماً بكل ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما عُلِم مجيئه من الدين بالضرورة، ولم يشترط في التصديق أن يكون عن دليل وذلك ليدخل المقلد في عداد المؤمنين.
  

قال الإمام النووي - رحمه الله -: "مذهب المحققين وجماهير السلف والخلف أن العبد إذا اعتقد دين الإسلام اعتقاداً جازماً لا تردد فيه كفاه ذلك، ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين".
  

والإيمان بالله تعالى له أثره في النفس فهو يدفع إلى العمل ويساعد على الإتقان وهو دليل هداية من الضلال، قال تعالى: "ومن يؤمن بالله يهد قلبه" التغابن 11.

ولقد ذهب أهل السنة والجماعة إلى أن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، وهذا خلاف لما تعتقده الخوارج - ويلحق بالخوارج جماعات التكفير لأنهم يتبنون تصور الخوارج فيما يخص الإيمان، قالوا: إنه إذا انعدم أحد هذه الشروط انعدم الإيمان (يعني أصبح كافراً). 
 

قال الخوارج : إذا انعدمت الأعمال خرج الشخص من الإيمان إلى الكفر، وهذا أيضاً ما ذهب إليه الجماعات التكفيرية الذين يعتبرون المجتمع المسلم مرتداً!


أما أهل السنة والجماعة فقالوا: "إذا انعدمت الأعمال انعدم كمال الإيمان"، فالأعمال جزء من مكمل للإيمان كاليد بالنسبة للجسم الإنساني، فإنها وإن كانت جزءا منه لكنها لو انعدمت لاينعدم الجسم.
 

فالعاصي بغير الشرك يطلق عليه لفظ المؤمن كما في قوله تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلو فأصلحو بينهما" الحجرات 9، حيث وصفهم بالايمان رغم عصيانهم بالقتل!، وفي قوله تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله" فاطر 32، فسمي الجميع مصطفين وفيهم من ظلم نفسه بالمعاصي. 


وَمِمَّا يدل على هذا المعنى من السنة حديث أبي ذَر، قال أبوذر رضي الله عنه: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم عليه ثوب أبيض ثم أتيته فإذا هو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فجلست إليه فقال ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق ثلاثا ثم قال في الرابعة على رغم أنف أبي ذر قال فخرج أبو ذر وهو يقول وإن رغم أنف أبي ذر"،  رواه مسلم. 


فهذا الحديث يدل دلالة قاطعة على أن ارتكاب المعصية لا تخرج الإنسان من الإيمان، بل تخرجه من كمال الإيمان، والمجتمع الذي تقع فيه الكبائر ليس مجتمعاً كافراً بل هو مجتمع مسلم به معاصي.  


ومجتمع النبي صلي الله عليه وسلم كان فيه انتهاك للحدود من بعض الصحابة كزنا ماعز والغامدية، والبعض وقع في جريمة شرب الخمر، ومع ذلك لم يطلق عليه مجتمعاً كافراً.
 

فالإيمان عند أهل السنة والجماعة ثابت لكل أهل القبلة ممن شهد أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله، وقد قامت الجماعات المتطرفة بالتكفير استناداً للفهم الخاطئ لعقيدة الولاء والبراء، حيث انتشر التكفير بين أفراد تلك الجماعات.

ويمكن رصد عدد من المقولات المنسوبة لسيد قطب في عقيدة الولاء والبراء، حيث يقول في كتابه "في ظلال القرآن" (إنه لا يجتمع في قلبٍ واحد حقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه الذين يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيُتَوَلون ويُعرِضون -- يقصد بأعداء الله المجتمع -، ومن ثم جاء هذا التحذير الشديد، وهذا التقرير الحاسم بخروج المسلم من إسلامه، إذا هو والى من لا يرتضي أن يحكم كتاب الله في الحياة، سواء كانت الموالاة بمودة القلب، أو بنصره، أو باستنصاره).

كما فسر سيد قطب الآية القرآنية (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ) بقوله (ليس من الله في شيء لا في صلة ولا نسبة ولا دين ولا عقيدة ، ولا رابطة ولا ولاية ، فهو بعيد عن الله ، منقطع الصلة تماماً) . 

ومما تقدم يتضح أن سيد قطب يعد ممن أصل بقوة لعقيدة الولاء والبراء، إلى حد الانحراف في الفهم والتأويل، حيث قسّم البشر إلى قسمين حزب الله وحزب الشيطان، مما أدى إلى شيوع أفكاره لدى الجماعات المتشددة، وكان لأفكاره دور بارز في تشكيل الفكر الأيديولوجي لتلك الجماعات.

فترى الجماعات المتشددة أنه بسبب عدم تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي، فإنه لم يعد العالم إسلامياً، وعاد إلى الجاهلية، ولكي يعود الإسلام، فالمسلمون بحاجة لإقامة "دولة إسلامية حقيقية" مع تطبيق الشريعة الإسلامية، وتخليص العالم الإسلامي من أي تأثيرات لغير المسلمين، مثل مفاهيم "الديمقراطية - الاشتراكية - القومية".

ومما يثير العجب  أن بعض دور النشر العريقة قد طبعت كتاب (في ظلال القرآن) بضعاً وثلاثين مرة طباعةً فاخرة كلها نفدت وانتشرت هذه الطبعات في أرجاء المعمورة، دون أن يكون هناك مصنفٌ واحد لمراجعة أفكار سيد قطب في الظلال أو في بقية كتبه بنفس المستوى من الطباعة والتسويق.

وللحديث بقية.