رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


درهم وقاية خير من قنطار علاج

5-4-2021 | 16:56


أحمد سلام

أحمد سلام

كغيرها من دول العالم التي تبدي أولوية قصوى للتصدي لجائحة فيروس كورونا (كوفيد -19)، لكون العنصر البشري هو أغلى ما تملك، وبهدف حماية الصحة العامة، وفي ظل اتجاه دول العالم في الآونة الأخيرة لتلقيح مواطنيها بلقاحات (كوفيد -19)، أطلقت مصر في 28 فبراير الماضي موقعا إلكترونيا خاصا  (www.egcovac.mohp.gov.eg)، يتيح للفئات المستحقة من المواطنين الحصول على لقاحات فيروس كورونا المستجد.

هناك ثلاثة فئات تحظى بأولوية تسجيل بياناتها للحصول على لقاح (كوفيد -19)، من ضمنها أصحاب الأمراض المزمنة، وبناء عليه فقد قمت بتسجيل بياناتي الشخصية للحصول على اللقاح من خلال المنصة الإلكترونية التي أطلقتها وزارة الصحة والسكان لهذا الغرض.. وتتمثل هذه الفئات الثلاثة، وفقا للموقع الإلكتروني للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، في:

- أصحاب المهن الأكثر عُرضة للعدوى (العاملون بالقطاع الصحي وخاصة في مستشفيات العزل)، والمواطنون والمقيمون ممن هم فوق الـ 65 سنة، إضافة إلى الأشخاص الذين لديهم سمنة مفرطة وتتجاوز كتلة الجسم لديهم 40 كجم / م2، ومن لديهم نقص في المناعة، ومن لديهم اثنين أو أكثر من الأمراض المزمنة (الربو، السكري، أمراض الكلى المزمنة، أمراض القلب المزمنة، مرض الانسداد الرئوي المزمن، من لديهم تاريخ جلطة دماغية سابقة).

- المواطنون والمقيمون ممن هم فوق الـ 50 سنة، وباقي الممارسين للمهن الصحية، إضافة إلى من لديهم أحد الأمراض المزمنة السابقة، وأصحاب السرطان النشط، ومن لديهم سمنة وكتلة الجسم لديهم تتراوح ما بين 30 لـ 40 كجم / م2، علاوة على العاملين الأساسيين في الخطوط الأمامية، مثل المسعفين والمدرسين وموظفي قطاع النقل ومحلات البقالة.

- جميع المواطنين والمقيمين الراغبين في أخذ اللقاح.

وبالتوازي مع الخطوة المشار إليها، بذلت الحكومة المصرية – ولا تزال - جهودا كبيرة في إطار مساعيها الجادة لمواجهة جائحة كورونا، حيث وضعت الخطط والاستراتيجيات الشاملة التي مكنتها من التعامل السريع والفعال مع الأزمة على مختلف الأصعدة، وذلك منذ بداية ظهور (كوفيد -19) في نهاية ديسمبر 2019، وصولا إلى جهودها في مجال توفير اللقاحات، وهي الجهود التي كانت محل تقدير وتثمين من جانب المؤسسات الدولية، فأكدت (الإيكونوميست) على أن مصر ستتمتع بإمكانية كافية للحصول على اللقاحات وبدء طرحها للمواطنين ضد فيروس كورونا على نطاق واسع اعتبارا من الربع الثاني من 2021.. وذكرت مؤسسة (فيتش) أن مصر تُعد واحدة من أسرع الدول في الحصول على اللقاح، وهو ما يعزز من الأداء القوى لمعدل النمو الاقتصادي.

في سياق هذه الجهود، سارعت الحكومة المصرية الخطى من أجل توفير 100 مليون جرعة من اللقاح.. وتُعد مصر أول دولة أفريقية تحصل على لقاح فيروس كورونا، وبدأت حملات التطعيم للأطقم الطبية مجانا بمستشفيات العزل والصدر والحميات منذ 24 يناير 2021.

وقد تم بالفعل الحصول بداية على 650 ألف جرعة من لقاح سينوفارم الصيني على ثلاث دفعات، منها 50 ألف جرعة هدية من دولة الإمارات العربية المتحدة، و600 ألف جرعة من جمهورية الصين الشعبية في إطار العلاقات التاريخية الطويلة بين مصر والصين، وردا للجميل حيث كانت مصر أول دولة تقدم مساعدات للصين عند ظهور الوباء.

 وبجانب الجرعات التي حصلت عليها مصر من لقاح سينوفارم الصيني، فقد تم الاتفاق على توريد 40 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا من منظمة جافي (التحالف العالمي للقاحات والتحصين)، وبصدد استلام 8.6 مليون جرعة منها.. كما تم الاتفاق على توفير 20 مليون جرعة من شركة R-PHARM الروسية، وتوفير 50 ألف جرعة أخرى من المعهد الهندي SERUM INSTITUTE بنهاية يناير 2021، وجار العمل على توفير لقاح "سبوتنيك في" الروسي.. حيث وافقت روسيا على إمداد مصر بـ 25 مليون جرعة من اللقاح في المستقبل القريب. علاوة على بدء مصر في فبراير 2020 إجراء أبحاث لتصنيع لقاح "كوفي فاكس" المصري.

ولم تقتصر جهود مصر على مجرد توفير جرعات اللقاح بكميات مناسبة للمواطنين، وإنما امتدت أيضا لتشمل الجانب التوعوي لكي يتجنب من يحصل على اللقاح أي أعراض جانبية قد تصاحب ذلك.. وذلك من خلال توضيح التدابير والإرشادات التي يتوجب على المواطنين والمقيمين القيام بها قبل وبعد تلقي اللقاح.

من المعلوم أن هناك العديد من أنواع اللقاحات التي تم التوصل إليها بعد أبحاث وتجارب سريرية في العديد من دول العالم، ولكل نوع منها مزاياه وكذلك عيوبه، بالإضافة إلى وجود العديد من المبادرات الدولية المهمة والمصطلحات الجديدة ذات الصلة بلقاحات (كوفيد -19).

أولا: مبادرة كوفاكس: تشير إلى ركيزة اللقاحات لمسرّع الإتاحة ACT، وهدفها تسريع إتاحة أدوات مكافحة (كوفيد -19). ومسرّع الإتاحة هو إطار عالمي رائد للتعاون يهدف إلى تسريع استحداث اختبارات كوفيد -19 وعلاجاته ولقاحاته وإنتاجها وإتاحتها بشكل منصف.

 ويشترك في قيادة مبادرة كوفاكس كل من التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتحصين (جافي)، والائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة، ومنظمة الصحة العالمية.. وترمي المبادرة إلى تسريع استحداث وتصنيع لقاحات مضادة لمرض كوفيد -19، وضمان إتاحتها بشكل عادل ومنصف لكل بلدٍ من بلدان العالم.

وفي الوقت نفسه، دعم بناء قدرات التصنيع وشراء الإمدادات مسبقا حتى يتسنى توزيع ملياريْ جرعة بشكل عادل بحلول نهاية عام 2021.

 وقد تلقت مصر ما يقرب من 855 ألف جرعة من لقاح (كوفيد -19) تم شحنها عن طريق منظومة كوفاكس.

ثانيا: دبلوماسية اللقاح: يُعد العالم العربي شريكاً هاماً لجمهورية الصين الشعبية، وينظر الجانب الصيني إلى العلاقات العربية - الصينية من الناحية الاستراتيجية، ويلتزم دائماً بالعمل على تعميق الصداقة التقليدية. وفي ضوء التزام الصين بالفهم الواضح للمسئولية الأخلاقية والعمل الجاد من أجل الكسب المشترك والتنمية المشتركة، والتزاما منها بتعهداتها بجعل لقاحاتها منفعة عامة عالمية، قدمت الصين وستقدم مساعدات من لقاحات مضادة لـ (كوفيد -19) إلى 80 دولة وثلاث منظمات دولية، كما صدرت لقاحات إلى الكثير من دول العالم. وبالنسبة للدول العربية، فقد تلقت عدة دول من بينها مصر والعراق والجزائر شحنات لقاحات مهداة من الصين، واستوردت الإمارات والبحرين والمغرب وغيرها من الدول العربية، اللقاحات الصينية، ما يعكس عمق علاقات الصداقة التي تجمع بين الصين والدول العربية ويعزز التضامن الصيني - العربي في مواجهة (كوفيد -19).

وثمة تعاون إيجابي بين مصر والصين في مجال تصنيع لقاحات فيروس كورونا، تجلت أبرز ملامحه في إعلان الجانب الصيني اعتزامه إرسال وفد من الخبراء الصينين إلى مصر لمعاينة خطوط إنتاج الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات "فاكسيرا"، بعد إشادة منظمة الصحة العالمية بجاهزيتها، وذلك تمهيدا لتوقيع اتفاقية مع شركة (سينوفاك) الصينية لتصنيع لقاحات فيروس كورونا في مصر.

وقد قامت الحكومة الصينية بالدعم المستمر لمصر خلال التصدي لجائحة فيروس كورونا وحرصت على إمداد القاهرة بدفعات من اللقاحات لمواجهة جائحة فيروس كورونا، والتي ساهمت في بدء تطعيم الفئات المستحقة من الأطقم الطبية والمواطنين من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

على النقيض من ذلك، فإنه على الرغم من توصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى لقاحين هما فايزر وموديرنا، علاوة على لقاح ثالث في الطريق وهو جونسون آند جونسون، إلا أن واشنطن لم تسع إلى مساعدة الدول العربية أو غيرها مثلما فعلت الصين، بل ومنعت إرسال اللقاحات الأمريكية إلى الدول الأخرى.

يطرح تعدد اللقاحات التي توصلت إليها العديد من دول العالم بعض التساؤلات عن مدى فعالية هذه اللقاحات في علاج مرض (كوفيد -19)، ومن ضمنها بالطبع لقاحي "سينوفارم" و"سينوفاك" الصينيين، ولقاح فايزر بيونتيك الأمريكي؟.

تشير الحقائق إلى أن شركتي "سينوفارم" و"سينوفاك" الصينيتين اللتان تنتجان لقاحي فيروس كورونا الصينيين، تُعدان من أوائل الشركات في العالم التي بدأت التجارب السريرية العام الماضي في محاولة للقضاء على الوباء.. ومن الناحية اللوجيستية يمكن حفظ  اللقاحين في ثلاجات عادية، بجانب سعرهما الاقتصادي، كما تصل نسبة نجاحهما إلى 86%، فيما تصل مدة الحفظ إلى 6 أشهر.

وعلى الجانب المقابل، فإن لقاح فايزر بيونتيك الأمريكي يحتاج لمتطلبات لوجيستية عالية، إذ يجب أن يُحفظ في درجة حرارة شديدة البرودة (من 70 إلى 80 درجة مئوية تحت الصفر)، وهو ما يحتاج إلى إجراءات وبنية تحتية مختلفة نسبيا، علاوة على ما يمثله من صعوبة بالغة في النقل والحفظ. ومن هنا، لن تلجأ بعض الدول إليه من أجل الجدوى اللوجيستية والاقتصادية، وبالتالي قد تلجأ هذه الدول للقاح آخر لا يتطلب مثل هذه اللوجيستيات، (اللقاح الصيني يتميز بهذه الخاصية)، كما أن هناك أسباب تتعلق أيضا بسلوكيات الدول الأغنى التي سارع بعضها لاعتماد وشراء كميات كبيرة من لقاح فايزر، بل والعمل على احتكاره وعدم السماح بتصديره إلى دول أخرى.

ولعل من الجوانب التي تبعث على الشعور بالفخر والاعتزاز، هو دخول مصر ضمن قائمة الدول التي تعمل على التوصل إلى علاج ناجع لمرض (كوفيد -19)، عبر محاولة التوصل إلى لقاح مصري مائة بالمائة له.. وهو ما تجلى في بدء مصر في فبراير عام 2020 الأبحاث لتحضير لقاح "كوفي فاكس" المصري، الذي يعمل بالتقنية التقليدية وهي تقنية “اللقاح المعطل” المستخدمة في عدة لقاحات، مثل لقاح “سينوفارم الصيني” وسيكون على جرعتين، وينتج اللقاح المصري أجساماً مضادة بعد 3 أسابيع من الحصول عليه وتظل نشطة حتى الأسبوع الـ 13، وقد وصل اللقاح الآن إلى المرحلة التالية من التجارب، لكنه لن يكون متاحاً قبل 6 أشهر على الأقل. وكانت هيئة الدواء المصرية قد منحت ترخيصاً لمصنع لإنتاج العينات الأولى التجريبية بعدما تم نشر بحث عن اللقاح المصري في دوريات علمية عالمية وبعد نجاح التجارب على الحيوانات.. وبذلك ستكون مصر أول دولة في الشرق الأوسط تتوصل إلى لقاح مضاد لفيروس كورونا بأيادي مصرية 100%.

وفي الختام، فإن الاهتمام بالصحة العامة للمورد البشري يُعد أحد المسائل المهمة التي تحرص مختلف الدول سواء الغنية أو الفقيرة أو الناشئة منها على إيلاءها أولوية كبرى، وهو ما عملت مصر جاهدة – ولا تزال - على تحقيقه في مواجهة مرض (كوفيد -19) عبر توفير اللقاحات الفعالة والآمنة وإتاحتها بسهولة ويسر عبر علاقاتها التاريخية مع الدول التي نجحت في الاستجابة لتحدي (كوفيد -19) بفعالية ونجاح منقطعي النظير، ما جعل تجربتها في هذا المجال نموذجا يحتذى به، سواء في مجال القضاء على المرض أو طرح العلاج الفعال له، ودائما درهم وقاية خير من قنطار علاج.

* المستشار الإعلامي الأسبق لمصر ببكين والخبير في الشأن الصيني