قهر المستحيل.. صنعة مصرية
ألهمتني صورة محمد عويس الضابط الخائن ببدلة الإعدام الحمراء إلى المسارعة في تقديم الشكر لكل أعضاء حزب المخلصين، ومنهم الشهيد محمد مبروك، فعلى الرغم من عدم إشهاره أو تعليق لافتات أو إقامة سرادقات الدعاية، إلا أنه أكبر حزب أغلبية تعرفه الدنيا، وهم هؤلاء الذين لا يستدعون أنفسهم بالظهور إلا في الملمات بالوطن ودون دعوة أو حتى تحريض.. إنهم حزب المخلصين الذين يسعون بيننا ولا نلحظهم إلا بين وقت أو آخر يوم أن يلقى أحدهم ربه شهيدا فنعرفه ونردد جميعا اسمه .
إن الشهيد محمد مبروك لم يكن نجما تلاحقه الكاميرات أو تسعى إليه وسائل الإعلام بل كان مرابطا في موقعه يفضح بلا ضجيج مؤامرات حزب المرشد الضال وأتباعه المخابيل، وشاءت الأقدار يكون رحيله أيضا فاضحا لخائن بيننا.
والمتأمل في مشهد الخائن محمد عويس بالبدلة الحمراء ملهم يجد أنه يحمل العديد من العبر، أولها أخذ الحيطة والحذر من أن هناك منا وبيننا كثيرين مثله يظهرون لنا الولاء ويبطنون لنا الخيانة والخيبة والفشل، إنهم تجار مهما تنوعت مواقعهم أو اختلفت وظائفهم فكل مجامل يمنح أمانة لمن لا يستحقها خائن، وكل من يهادن فاسدا أو يمرره خائن، وكل متقاعس مثبط هو أيضا خائن، فالخيانة أوسع من حصرها في وشاية أو تآمر فقط، بل هي مساحة واسعة قد ينضوى تحت حدودها كثيرون ولكن بأساليب مختلفة.
إننا اليوم ومصر تخوض تحديات شتى أقربها إلى الأذهان سد النهضة نجد بيننا مستنسخات من محمد عويس وهم هؤلاء الذين لا هم لهم إلا لبث الفرقة ونثر الشك وترويج الخذلان فنجدهم يقيمون سرادقات اللطم بل ويذرفون دموعا كدموع التماسيح على مياه النيل هؤلاء قتلة وإن كانوا لا يُخلفون وراءهم جثثا بل يُخلفون نفوسا يائسة شاكة محبطة منهزمة مهتزة في وقت العمل فيه على زيادة الصفوف تماسكا وترابطا فرض عين على الجميع.
إن هؤلاء المتغامزين المتنمرين بعظمة المصريين أتوا قبحا أتاه من قبلهم محمد عويس حين كان في مقدمة صفوف مشيعي الشهيد محمد مبروك الذي منحه فريسة لأعدائه ثم جاء يبكيه لكن بلا شك سيحصدون ما حصده من استحقار وازدراء.
إنه حري بنا ونحن نحتفل بذكرى تحرير سيناء أن نتذكر هؤلاء المخلصين ونترحم على الذين لن نحصيهم اسما اسما أو نعرفهم وجها وجها، متذكرين كيف ذابوا حبا في هذا الوطن حتى باتت الروح مع ذلك العشق الكامن في نفوسهم ثمنا بسيطا هينا في أعينهم لم يحسبوا معه حسابا لمفارقة قريب أو عزيز أو فوات مصلحة هنا أو هناك، بل سارعوا لتدوين أسمائهم في سجل الشهداء حتى يحيا الباقون منا مرفوعي الرأس شامخي الجبهة.
إن ذكرى تحرير سيناء تلهم كل منا أن طريق الصعب له نهاية مهما ظهر في العين متراميا عميقا ففي وقت ظن فيه أعداؤنا بل بعض أصدقائنا أن مصر انتهت ولن تقوم لها قائمة وهم يتغزلون في مدى تحصين دفاعات العدو الإسرائيلي انطلق المصريون يقهرون المستحيل يلطمون كل خائن وكل مثبط وكل مرجف اللطمات على وجوههم واحدة تلو الأخرى حتى خضع لنا الجميع وأدركوا أن المصريين لا يقبلون بفرض الأمر الواقع مهما بلغت التحديات.
وهكذا سيتعامل المصريون مع تحدي سد النهضة وهؤلاء المتغامزين المروجين، فكما لم يقبل المصريون فرض الأمر الواقع في الماضي وقدموا أعظم التضحيات للتأكيد على ذلك فإنهم بكل تأكيد سيكررون ذلك وبالتأكيد لن يحصد هؤلاء المثبطون بيننا إلا نظرة الحسرة التي رسمتها عيون الخائن محمد عويس في زي الإعدام الذي سيكون له خزي في الدنيا قبل الآخرة.