نساء في الإسلام (16).. أسماء بنت أبي بكر «ذات النِّطاقَين»
يشهد تاريخ الإسلام شخصيات عاشت وخلدها إيمانها ومواقفها القوية دفاعًا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها فتركت هذه الشخصيات أثرًا كبيرًا محفوظًا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة لنا في الطريق ، ومع بوابة "دار الهلال" في أيام شهر رمضان الكريم، ننتقل من عالمنا إلى صفحات من التاريخ لنرصد بعض الخطوات والمحطات والمواقف في رحلة العديد من هذه الشخصيات ،واخترنا بهذا العام أن تتمثل في رحلة مع النساء الذي أسهموا في دعم الإسلام وانتشاره .
واللقاء اليوم مع السيدة " أسماء بنت أبي بكر" ذات النِّطاقَين .
ولدت السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قبل الهجرة بحوالي ثلاث وعشرين سنة، وهي أخت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وأمّها هي قُتيلة بنت عبد العزّى العامريّة، وزوجة سيدنا "الزبير بن العوام" رضي الله عنه، وأم عبد الله بن الزبير وعروة بن الزبير رضي الله عنهما، وكانت من أوائل الذين أسلموا، وآخر المهاجرات وفاةً.
عندما أمر رسول الله المسلمين بالهجرة إلى يثرب، كانت السيدة أسماء حامل في مولودها الأول، وعندما ذهبت إلى يثرب وضعت مولودها، فكانت أول امرأة تلد بعد الهجرة ، وقد فرح النبي بذلك كثيرًا وكذلك الصحابة، وكان ذلك من أجل القول الذي أشيع في ذلك الوقت، بأن اليهود قد سحروا المسلمين، فلا يولد لهم أي مولود ،وقد ذهبت السيدة أسماء إلى رسول الله بعبد الله، فقامت بوضعه في حجر رسول الله، وجاء ذلك في رواية أسماء حيث قالت عندما ذهبت إلى رسول الله “فوضَعْتُه في حَجرِه، ثمّ دعا بتمرةٍ فمَضَغَها، ثمّ تَفَل في فيهِ، فكان أولَ شيءٍ دخَل جوفَه رِيقُ رسولِ الله .
عرف عن السيدة أسماء أنها لقبت بذات النطاقين، وكان ذلك أثناء هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعندما أذن الله لنبيه وصاحبه أبي بكر بالهجرة، ذهبت السيدة أسماء لتعطي لهم الطعام والماء ، ولكنها عندما همت أن تضعه فوق الناقة، لم يكن معها أي شيء لتربطه بها، فقامت بنزع النطاق الذي كانت تشد به حول وسطها، بحيث يتم رفع الثياب حتى لا تقع على الأرض ،وقامت بتمزيقه إلى جزئيين، ثم قامت بربط الطعام والماء بكل جزء، وعندما رآها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال لها أبدلك الله بنطاقين في الجنة، ومنذ ذلك الوقت عرفت باسم ذات النطاقين .
كانت السيدة "أسماء بنت أبي بكر "امرأةً سخية كريمة، قال ابنها سيدنا عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه: "ما رأيتُ امرأة قط أجود من عائشة وأسماء رضي الله عنهما؛ وَجُودُهُمَا مختلف: أما عائشة، فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء، فكانت لا تدَّخِرُ شيئًا لغدٍ" ، كم عرف عن السيدة " أسماء بنت أبي بكر " أنها شُجاعةً كريمةَ النَّفس، فلما كثُرَ اللصوص بالمدينة زمن سعيد بن العاص رضي الله عنه، اتَّخَذَتْ خنجرًا، كانت تجعله تحت رأسها، وحين تعرَّض ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه للحصار بعدما دعا لنفسه بالخلافة، قالت له: "يا بنيّ، عِشْ كريمًا، ومُتْ كريمًا، لا يأخذك القوم أسيرًا"، وقد كانت في هذا الوقت في سنٍّ كبيرة جدًّا، حوالي 100 سنة، ولكنها ظلَّت محتفظة بطباعها القويَّة، وكرامتها الأبيَّة.
كانت السيدة أسماء بنت أبي بكر "من الصحابيات الجليلات التي كانت تتخذ من الرسول أسوة حسنة، وكانت تنفذ كل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وكانت السيدة "أسماء " من رواة الأحاديث النبوية، حيث روت عن النبي أكثر من 58 حديثًا، وكانت هناك بعض المواقف مع النبي التي كانت تتعلم منه وتسأله في الأمور التي تمر بها ، وقد أطلق على أسماء عدد من الصفات وهي الزوجة الصابرة ، الأديبة العالمة ، الأم المثالية ، المرأة الكريمة ، الورعة التقية .
توفت السيدة أسماء بنت أبي بكر في عام 73 من الهجرة، في عمر يتجاوز 100 عام، رحم الله السيدة أسماء وجميع نساء الجليلات من المسلمين .