نيفين أبو المجد أول محضر امرأة بمحكمة الجيزة : أحلم بأن أكون معاونا قضائيا لتنفيذ الأحكام
حوار: أمانى ربيع - تصوير: مسعد سيف
ارتبطت صورة محضر المحكمة لدى الكثير بالرجل حاد الطباع الذى لا يبشر وجهه بالخير، يطرق على الأبواب بعنف معلنا الخصوم أو طرفا القضية بمواعيد الجلسات، لذا ظلت تلك الوظيفة حكرا على الرجال لسنوات عديدة، إلى أن لعبت الصدفة دورها فى تعيين أول سيدة محضر محكمة بعد أن رشحها رؤساؤها لكفاءتها وتفانيها فى أداء عملها. نيفين أبو المجد بنت إمبابة التى شهد لها أهلها بأنها «ست بمائة رجل » والتى شهدت محاكم الجيزة على عملها الدءوب منذ تعيينها فى 11 / 7/ 1987 ، التقطها «حواء » لنتعرف منها عن كيفية تعيينها أول محضر محكمة بمحافظة الجيزة، وما الصعوبات التى تواجهها أثناء تأديتها تلك الوظيفة الشاقة.
كيف تم تعيينك أول محضر بمحكمة الجيزة؟
عملت بمحاكم الجيزة لمدة 30 سنة، تعلمت خلالها الكثير وتعاملت مع العديد من القضاة والمحامين ما أكسبني خبرة كبيرة في عالم التقاضى، وتعلمت كيفية التعامل مع الناس بشكل مباشر، أما عن ملابسات تعيينى في الوظيفة، فالصدفة جعلت الزميل الذي كان سيحصل على الوظيفة يمر بوعكة صحية فبحثوا عن الشخص الذي لديه خبرة للنزول إلى الشارع والتعامل مع الناس فوجدوا أنى أكثر زملائى خبرة فاختاروني.
ومن الذي رشحك لهذه الوظيفة؟
ما يشعرني بالفخر أن الاختيار وقع علي من قبل رئيس محكمة الجيزة، وكبير المحضرين إيمانا منهما بقدرتي على أداء واجبات الوظيفة بكفاءة.
وما متطلبات تلك الوظيفة، وهل لها مواصفات خاصة يجب أن تتوافر فى من يؤديها؟
تتطلب وظيفة محضر الإعلان المهارة في التعامل مع الناس بجميع فئاتهم، واللباقة والقدرة على التحكم بالنفس وتقبل انفعال الآخر بصدر رحب، والمرونة واختيار رد الفعل المناسب في اللحظة المناسبة.
وهل تتولين إعلان جهات بعينها؟
أتولي إعلان جميع المصالح الحكومية بمنطقة الجيزة، مثل جامعة القاهرة ومركز البحوث الزراعية، وهيئة المساحة المصرية، إلى جانب البنوك المختلفة، والحمد لله استطعت أن أؤدي بالمهمة بكفاءة مثل زملائي الرجال كما يشهد لي رؤسائي، وكنت أول محضر يعلن مديرية أمن الجيزة بالأحكام، ولم يؤدِ تلك المهمة أي رجل قبلي.
هل كنتِ بانتظار هذه الوظيفة، أم كان الأمر مفاجئا لكِ؟
طلبتها من رؤسائي لإيماني بقدرتي على أدائها بكفاءة، لكن لم يلق طلبي قبولا، وكانت هناك تخوفات من حدوث مشاكل وعدم تمكنى من أداء المهمة بشكل جيد، فهي مهنة غريبة على المرأة، ولم يتوقع أحد أن يتقبل الناس وجود امرأة تعلنهم بالأحكام بسهولة.
وكيف تقبل المحيطون خبر تعيينك محضر؟
لا أنكر أنه كان هناك استغراب من الجميع، لكن الحمد لله بحكم سمعتي في المحكمة أقر الجميع بأنى على قدر المهمة، وبصراحة لمست الفرحة في عيون كل من حولي من زملائى وأهلى، وأنا بدوري سعيت للعمل بجد وإثبات جدارتي منذ اليوم الأول.
نرى قدمك في الجبس، هل هذه إصابة عمل؟
نعم .. فهذه الوظيفة تتطلب النزول إلى الشارع باستمرار والذهاب إلى عناوين مختلفة وأثناء قيامي بإحدى المأموريات كسرت قدمي وأنا الآن في اشتياق للعودة إلى عملي من جديد.
وعند نزولك الشارع، هل كان هناك استخفاف بكِ لأنك امرأة؟
بالعكس، كان الجميع متعاونا، المجتمع تغير كثيرا الآن وأصبح يتقبل فكرة أن المرأة يمكن أن تؤدي أي وظيفة مهما كانت صعوبتها، وكنت ألمس تشجيعا من الناس أثناء تأدية وظيفتي، وحاولت أن أكون على قدر المسئولية منذ أول يوم، وطبيعتي في العمل صارمة، أتعامل باللين عندما يتطلب الأمر المعاملة بالحسنى، وأقسو عندما يحتاج الأمر إلى قسوة وحزم، ومصلحة الناس فوق كل اعتبار.
كيف تقبل زوجك انتقالك من وظيفة مكتبية إلى أخرى تتطلب النزول إلى الشارع والاحتكاك بالناس باستمرار؟
في مجتمعنا الزوج إما أن يكون عائقا فى طريقك نجاح زوجته أو عونا ومشجعا لها لتحقيق ما تريد، ومنذ اليوم الأول من زواجى كان زوجي د. رمضان الغندور المحامي وأستاذ القانون ورائي في كل خطوة ناجحة أقوم بها، وإذا كانت الحكمة تقول "وراء كل رجل عظيم امرأة، فأنا أقول: "إن وراء كل امرأة ناجحة رجل سوي يثق بقدراتها".
وكيف دعمك زوجك؟
هو ليس زوجي فحسب، بل هو معلمي كذلك، ورغم أنه تزوجني بعد حصولى على دبلوم تجارة إلا أنه لم يجعلني أقف عند هذا الحد وحول حلمي في استكمال تعليمي إلى حقيقة، وبفضل تشجيعه أنا الآن طالبة بالفرقة الثالثة بكلية إعلام بالجامعة المفتوحة، وليس لدى زوجي مشكلة على الإطلاق في أن يراني ناجحة أحقق ذاتي.
ويلتقط الزوج د. رمضان طرف الكلام قائلا:
المرأة قدرتها أكبر من الرجل في الإدارة وتحمل الأعباء والتعامل مع المشكلات، هي فقط تحتاج إلى الثقة ومن يدفعها فهي في النهاية ليست أقل من الرجل في شيء، وأنا شعرت بأن زوجتي لديها القدرة على الإنجاز وآمنت بقدراتها، فلديها طاقة كبيرة لكنها كانت بحاجة إلى تنمية هذه القدرات، وشعرت بسعادة كبيرة وفخر عندما رأيت اسمها وسط قائمة الرجال كأول امرأة في هذه الوظيفة، ومن جهتها لم تدخر جهدا فى تنمية قدراتها حتى وصلت لهذه النتيجة.
وكيف توفقين بين عملك ودورك كأم؟
لم يعد التوفيق بين الدورين أمرا صعبا، فهو يحتاج إلى تنظيم وقت وبعض الجهد، وزوجي يساعدني في كل شيء، والحمد لله لدي ولدان وبنتان في كليات حقوق وتجارة وسياحة وفنادق، وأحاول بقدر الإمكان توزيع جدول العمل على مدار أيام الأسبوع، علما بأنني أشترك فى إعمال تطوعية لخدمة مجتمعى، فأنا عضو مجلس إدارة جمعية شموع مصر الخيرية، ورئيس لجنة المرأة بنادي ائتلاف إمبابة، ورئيس العلاقات العامة بمؤسسة "مش لوحدك الخيرية".
عند قدومنا إلى المنطقة وبمجرد السؤال عنك أرشدنا الجميع إلى المنزل واستشعرنا حب الجميع للأسرة، فما سبب ذلك؟
كان والدي كمال أبو المجد - رحمة الله عليه - عضوا بالمجلس المحلي في المنطقة، وأخذ على عاتقه دائما مساعدة الناس وتلبية احتياجاتهم، ومن جهتي أحاول أن أسير على دربه وأكمل مسيرته في مساعدة أهل منطقتي وجيراني وتقديم الخدمات لهم.
لو كان والدك لا يزال موجودا، هل كان ليشجعك على هذه الوظيفة؟
والدي كان أول من دعمنى للنجاح وتحقيق أهدافى، لم يقل يوما أن الفتاة مكانها المنزل، بل كان يصطحبني معه للمؤتمرات واجتماعات المجلس، حتى أصبحت لدي خبرة طويلة في هذا العمل، وبعد وفاته تعاملت مع الناس باعتبار "اللي خلف مماتش"، حتى يظل اسم والدي موجودا.
وهل تقتصر أعمالك الخيرية على تلبية خدمات الجيرانك ومعارفك؟
بالطبع لا، فالأعمال الخيرية التي أشارك فيها لها طابع مؤسسي، ومؤخرا أطلقنا مبادرة "ولد وبنت ضد التحرش" نظمنا خلالها زيارات لمدارس المنطقة بالتعاون مع وزير التربية والتعليم لنشر الوعي لدى الأطفال بكيفية التصدى للتحرش.
وكيف تقيمين مشاركة المرأة للرجل في أعمال اعتبرت دوما حكرا على الرجال؟
المرأة ليست جسدا فقط، ولا تقل عن الرجل في شيء، وقوة تحملها في بعض الأحيان تكون أكبر من الرجال، المرأة التي تدير منزلها سهل جدا أن تدير مجتمع باعتباره بيتا أكبر، المرأة قادرة على تقلد أى وظيفة مهما كانت صعوبتها، والحمد لله المجتمع الآن أصبح أكثر وعيا وتنويرا بحقوق المرأة وقدرتها على المشاركة فى الحياة العامة.
ما حلمك القادم؟
على مستوى الوظيفة، أحلم أن أكون معاونا قضائيا لتنفيذ الأحكام، وهو عمل صعب لأنى أشارك القوة الأمنية فى تنفيذ الحكم وأرى أنى قادرة على القيام بتلك المهمة، أما على مستوى العمل الخيرى فسأقدم المساعدة إلى أهل منطقتى الحبيبة إمبابة عندما أصبح عضوة بالمجلس المحلى أو نائبة برلمانية كما كان والدى يحلم.