رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


نزار قباني يتمرد على التابوهات بجسد المرأة

6-5-2017 | 17:29


حرص الفنانون في العصور الوسطى وعصر النهضة على رسم جسد المرأة كنوع من التمرد على أشياء كثيرة، منها الضغوط الدينية الكنسية وقتها، وإظهار جمال الجسد الأنثوي وللترميز من خلاله إلى الخصوبة والشهوة، والكثير من الرؤى التي استخرجها النقاد والفنانين التشكيليين من خلال الرسوم.

كان الفنانون يرسمون الجميلات بثيمات معينة، قد تختلف الوجوه وتتغير ولكن يبقى الجسد وليونته هو الإطار العام للفنان.
كما عبر بعضهم ومنهم مايكل أنجلو عن الأحاسيس الداخلية للأنثى واستقى معظم رسوماته من القصص الإنجيلية وقصص من الأساطير الإغريقية وغيرها وكان عبقريا حد أن يرسم وهو ما دون السادسة عشرة.
لكن في المجمل فإن الرسم هنا كان لإظهار قراءة بعينها تمثل الواقع وتنقده أحيانا، بل وتحاول هدم سياقات ورؤى معينة.
تمام كما عبر نزار عن المرأة وجسد المرأة في شعره، هو كفر بكل الأقوال وصدر له وعنه رؤية جديدة كانت تظهر جلية في شعره، كان يرى المرأة من خلال المنظور الذي رآه بها فنانوا العصور الوسطى، كانوا يرسمون جسدها للتمرد وكان يذكر جسدها في القصيدة للتمرد، كانوا يصورونها أجمل ما يكون، وكان يكتبها كأبدع ما يكون، نزار كان فنانا يرسم بالكلمات جماليات جسد الأنثى، لكن المدهش حقا هو معرفة نزار واتكاءه على مشروع شعري حقيقي منذ ديوانه الأول " قالت لي السمراء" والذي أصدره وهو طالب بكلية الحقوق، قال نزار عن هذا الديوان، "قالت لي السمراء" حين صدوره أحدثت وجعًا عميقًا في جسد المدينة التي ترفض أن تعترف بجسدها أو بأحلامها ... لقد هاجموني بشراسة وحش مطعون، وكان لحمي يومئذ طريًا وبالفعل تجللى مشروعه الشعري جليا في وقت مبكر، وقصيدته أنا والنساء لخصت هذا الأمر..
يقول نزار في قصيدته أنا والنساء

"أريد الذهاب .. 
إلى زمنٍ سابقٍ لمجيء النساء.. 
إلى زمنٍ سابقٍ لقدوم البكاء"
هنا يرمز نزار ويقارن بين مجيئ الانثى وقدوم البكاء، وكأنهما خلقا معا، والتصق كل منهما بالآخر، أصبح أحدهما يشي للآخر عن وجوده، وكأن بكاء العالم كان لقهر الأنثى وما تعانيه في المجتمعات الشرقية من السلطة الذكورية. 
"فلا فيه ألمح وجه امرأة.. 
ولا فيه أسمع صوت امرأة" 
ام يكن نزار يقصد هنا الخروج من هذا العالم بكل ما فيه من مسببات البهجة، تماما كما ذكر في معظم قصائده، أنما البعد عن المرأة في المجتمع العربي هو بعد عن ذلك الحس الذي يجتاحه بدونية الأفعال السلطوية، ورفض الوصاية والكثير من الأشياء التي كان يريد إيصالها عبر آليات القصيدة.
كما يقول في مقطع آخر من ذات القصيدة. 
"كرهت الإقامة في جوف هذي الزجاجة.. 
كرهت الإقامة.. 
أيمكن أن أتولى 
حراسة نهدين.. 
حتى تقوم القيامة!!" 
هكذا يكون الهروب من الجسد ولصالح الجسد، الهروب بمعناه العام من كل المؤرقات التي يصنعها القمع الشرق أوسطي، هروبا منها وإليها، وإلى آخر القصيدة وجل قصائده كانت تستخدم الجسد للتمرد على السجن الكبير والذي تتكبل فيه حركة الأنثى من خلال قيود مجتمعية، كان يقاوم ويضرب كثيرا ويحاول النيل من المجتمع ويقتل أفعاله من خلال الأنثى، تماما مثل فناني العصور الوسطى، كلاهما استخدم المحظور وناقش المسكوت عنه للتعبير عن التمرد.