رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ولأنه «إبراهيم عبد المجيد..»

11-5-2021 | 12:00


د شيرين الملواني

د شيرين الملواني

هو إبراهيم عبد المجيد؛ لذا خُلِق مُترفعاً عن أي جدل، مُنزّهاً عن أي مدح، مُبدعاً حتى النُخاع؛ نفتخر نحن والأجيال التي سبقتنا وستظل الأجيال اللاحقة تُبجْل تلك القامة الأدبية، ابن الإسكندرية الذي وطأت قدميه المدارس الحكومية عام 1952 وخطْ قلمه في أول كراس يحمل غلافه أهداف ثورة يوليو، هو الذي عاصر أنظمة سياسية مُتعاقبة وكانت له كلمة حق متجرْدة في كل نظام، راسل جمال عبد الناصر وهو في الصف الرابع الابتدائي وفاز بصورة شخصية للزعيم بالبدلة العسكرية، أبكته قصة (الصياد التائه) للراحل محمد سعيد العريان ووجد يد المدرس تربت كتفهِ قائلاً: هذا خيال.. ومن هنا علم أن خياله هو الذي سيقوده لتفرده الإبداعي .

شارك في نادي القصة لأول مرة عام 1969 بأول أعماله القصصية في مدينته الكوزموبوليتانية الإسكندرية والتي حملها معه وهمومه إلى القاهرة في أوائل السبعينيات.

 تُعَد ملحمته (لا أحد ينام في الإسكندرية) علامة مُسجلة باسمه دخلت لكل بيت ووصلت لكل قارئ كأعلى المبيعات لا تقِل عن ثلاثية نجيب محفوظ تلك الأخيرة التي صُنفْت رواية أجيال بينما رواية  عبد المجيد تفردت بكونها رواية المكان ؛فقد أرّخْت لمصر في حُقبة زمنية لم تتطلع عليها أغلب الأجيال، تلك الملحمة التي اجتمع علي مدحها ولأول مرة القراء والنقاد وكانت علامة فارقة له.

حصد هذا الرجل ثلاث أرباع الجوائز الأدبية فى الوطن العربى، جائزة الشيخ زايد تلك الجائزة العريقة من حيث القيمة الأدبية والمادية، وجائزة ساويرس وهى أكبر جائزة أدبية خاصة فى مصر بالإضافة إلى دخوله للقائمة الطويلة والقصيرة للبوكر العربية كما حصد العديد من جوائز وزارة الثقافة تقديرياً وتشجيعياً.

مما جعل المُترجِم الغربى يسعى لأعماله وهو الذى نادراً ما يقدم على ترجمة الأدب العربى؛ فرأينا ثلاثية الإسكندرية بالفرنسية والإنجليزية والإسبانية بالإضافة إلى روايات أخرى تُرجِمت لعدد أقل من اللغات وهذا أبلغ دليل لعالميته التى سعْت إليه ولم يسعها لها.

وصل إبراهيم عبد المجيد لأعلى درجات الشفافية والخبرة التى أهلته إلى التحكيم بين المتنافسين بتجرده المعهود وتشجيعه الدائم للمواهب الشابة؛ فحكْم فى جائزة ساويرس وفى جائزة الإبداع التى تُنظمها وزارة الشباب والرياضة 2017 والتى ساهمت فى إعلاء  اسم (جائزة المُبدع) واتساع شُهرتها بتباهى الشباب المُبدِع بوقوفه أمام هذا الرجل كمُحَكْم لهم مما وأد أكذوبة التضْاد فى التذوق بين الأجيال؛ لكونه استطاع الجمع بين أكثر من جيل من أجيال القُراء فيما يُعَد إعجاز لم يجتمع عليه الكل فى قلم  محفوظ ؛حيث تفاوتت الذائقة بين أعمار القراء واختلفت درجة التقييم عليه.

ولأنه إبراهيم عبد المجيد كان شغوفاً بالصور السينمائية فى كتاباته؛ بتأمل صور استحضرها من عوالم (ما وراء الكتابة ) عوالم تشبه الأساطير الإغريقية واليونانية حيث مساحة الفانتازيا زمانياً ومكانياً وهو ما ظهر فى إبداع ( قبل أن أنسى أننى كنت هنا ) الصادرة عام 2018 حيث استحضر شهداء ثورة يناير فى سياق يجمع الواقع بالفانتازيا وسبق نفسه بروايته (قطط العام الفائت) ومع ذلك لم ينفصل عن أدب رسم حياة الشعوب وسار بقلم مُتفرِد باسمه على درب أُدباء الواقعية، وكانت روايته (العابرة ) بمثابة اقتحام لجيل الألفية الجديدة وتخطى لمنطقة شائكة طرحاً وعرضاً تفوق بها على جرأة أدب الشباب.

لم يشتبك مع أحد من الأُدباء فى محياهم ولم يذّم فى أحدِ منهم فى مماتهم، بل ووثق تجربته الإنسانية والإبداعية بكتاب (الأيام الحلوة فقط) بتناول راقى وكوميدى؛ وثْق علاقته بأبناء جيله فى 55 ألف كلمة؛ حيث روى تجربته مع المبدعين  خيرى شلبى، وسعيد الكفراوى ومحمد كشك، وعبد الرحمن عوف وإبراهيم أصلان  وتناول بعثته الأدبية مع جمال الغيطانى وإيمان مرسال فى مرسيليا بسمو روحى لا يخرُج إلا منه .

هو من شارك فى الثورات كأيقونة فكرية، صاحب الفكر الحر الذى جعله يُعارض الرئيس السادات وتسبب  فى اعتقاله فى عهد الرئيس مُبارك، حارب الفكر السلفى المُتشدد برائعته (هنا القاهرة) مُعزياً ما آلت إليه الثقافة المصرية إلى الهجوم السلفى على المجتمع المصرى منذ بدايات السبعينيات ؛ مما يؤكد تغليب قلمه الهمّ الجمْعى على الذاتى.

هذا العملاق الذى جمع كل مُعطيات أُدباء نوبل ( لو توفر لتلك الجائزة المصداقية والشفافية الكاملة )؛ من غزارة إبداع  فى فن الرواية والنوڤيلا  والقصص القصيرة، كتب الشعر أيضاً فى واحدة من رواياته مما أحدث رجّة عند بعض الشعراء، لم يخرج إنتاجه من دور النشر فى مصر فقط بل أطْل من بيروت وتونس وإيطاليا، هو إبراهيم عبد المجيد الذى مهما كتبت عنه لن تقدره حق قدره ومهما استعرضت مسيرته لن تستوعبه ولعل مدينتنا الإسكندرية أولى به وبتكريمه في محياه ولو بإطلاق اسمه على أحد ميادينها أو شوارعها  أو قاعات جامعتها، داعين الله أن يمتعه بالصحة وطول العمر ودوام العطاء.