بقلم: فوزي إبراهيم

كان الكاتب الصحفي حلمي النمنم وزير الثقافة قد أعلن عقب وفاة الشاعر الكبير سيد حجاب أن الوزارة سوف تقيم حفل تأبين لسيد حجاب وليلة تليق به علي المسرح القومي أو المسرح الكبير بدار الأوبرا، وجاء وفاء الوزارة ودار الأوبرا المصرية جميلا،وفي المسرح الكبير انطلقت ليلة كبيرة ونجح منظموها في استيعاب عمق البساطة وبساطة العمق في شعر سيد حجاب وفي شخصيته،فكانت الليلة تشبهه حيث بساطة الشكل وعمق المضمون ونجحت في استحضار روحه بل نجحت في استحضار الهوية المصرية وردتنا لأصلنا بفعل وأثر مفرداته الضاربة في جذورنا وجذور العامية المصرية التي عشقها وأنتمي إليها وأعتبرها لغة في حد ذاتها بل رآها أغني وأقدم من الفصحي، وكان كثيرا يصرح بأن اللغة العربية عندما دخلت علي اللغة المصرية القديمة اندمجت بها وأنتجت العامية المصرية التي سماها في مدوناته اللغة المصرية الحديثة، ووصل بها في إبداعاته الي اللغة المصرية الفصيحة وألبسها حكمة المصري الفصيح بروحه وهويته وعمقه وبساطته وخلاصة تجاربه وفهمه للدنيا وللحياة،وعبقريته في ترويضها وفي تلخيصها في جمل قصيرة بليغة تنفذ إلي وجدانك ومسام روحك،وفي رحاب كل ذلك تجلي أداء مجموعة أصوات الفرقة القومية للموسيقي العربية بقيادة المايسترو حازم القصبجي قبل أن تتوج الليلة بأداء نجمي الحفل حنان ماضي وعلي الحجار.

وعلي ضفاف حناجرهم طافت أرواحنا مع أعماله بين عامية فصيحة ومصرية أصيلة في مفردات مثل:

بين ريح وأمواج متلاطمه.. وأسود غطيس وأصفر رنات

مين اللي مايحبش فاطمة.. لو فاطمة طاقة نور وحنان

من تتر مسلسل (من الذي لا يحب فاطمة) لحن ميشيل المصري أداء المجموعة،ثم يعيدنا لطفولتنا مع مفرداته للأطفال:- توت توت قطر زغنتوت..توت توت في الليل بيفوت..توت توت ويهل علينا..توت توت في معاد مظبوط- أغنية العظيم عبد المنعم مدبولي ولحن عمار الشريعي وأداها في هذا الحفل بإحساس جميل الطفلان روضة عصام وعبد الرحمن هشام، ويأخذنا تتر مسلسل أرابيسك لحن عمار أيضا:

وينفلت من بين إيدينا الزمان..كأن سحبة قوس في أوتار كمان

وتنفرط ليام عقود كهرمان..يتفرفط النور والحنان والأمان.

ويؤديها أداء جيدا الصوت الواعد أحمد سعيد،ثم تفاجئنا الطفلة المعجزة (حور تامر) بإحساس تجاوز إحساس عمار الشريعي ذاته في أداء أغنية (حبيبتي من ضفايرها طل القمر) حتي أن جمهور الحفل ظل يصفق لها دقائق طويلة،ثم هاهي مفردات:

وبتسأل ياحبيبي بحبك قد إيه..دا حبك ياحبيبي بالعالم واللي فيه-التي لحنها عمار الشريعي لعفاف راضي-تؤديها بإحساس ابنة الأوبرا حنان عصام، ومن بعدها تأتي ليالي الحلمية لحن ميشيل المصري:

ومنين بييجي الشجن.. من اختلاف الزمن.. ومنين بييجي الهوي.. من ائتلاف الهوي.. ومنين بييجي الرضا من الإيمان بالقضي.

ويؤديها بإتقان المطرب وليد حيدر الذي غنى أيضا تتر الشهد والدموع لحن الشريعي.

ثم جاءت المميزة حنان ماضي بفاصل من أغانيها التي حظيت بها من الشاعر الكبير أولها من ألحان عمر خيرت:

سرسب في ليل وحدتنا سرسب وسيل.. وسيب علي جبينا أثر خطوتك..وبعد شمس العصر ييجي الأصيل.. والليل طويل فين يا نهار وهواك.

وثانيها لحن ياسر عبد الرحمن وتتر مسلسل( البحار مندي):

إسكندرية الصبية بنية إمبارح..أموت في عودها السرح وف رمشها السارح.

ثم تركت المسرح مؤقتا لأصوات واعدة هي أميرة سعيد التي غنت أنا وانت ياقمر لحن عمار الشريعي، وأحمد عفت الذي غني بتمكن تتر مسلسل (الوسية) لحن ياسر عبد الرحمن:

مين اللي قال الدنيا دي وسية.. فيها عبيد مناكيد وفيها السيد

سوانا رب الناس سواسية.. لا حد فينا يزيد ولا يخس ايد.

ومي حسن التي غنت بإحساس مرهف تتر (العائلة) لحن الشريعي:

حلي ضفايرك ضليلة ولملمينا ياأصيلة.. عشاء ترابك أحبابك وكلنا أهل وعيلة.

وعادت مرة أخري حنان ماضي لتشارك نجم الحفل علي الحجار المطرب الأكثر حظا ورصيدا من أعمال وصلت 600 أغنية وتتر من كلمات سيد حجاب وتغني معه من ألحان عمر خيرت:

زي الهوي ساري وخيال الطيف..أحلي سنين العمر بيننا تمر

يانعيش هوانا حلم ليلة صيف..ياتتوه خطانا في ليل شتانا المر.

لنذوب معهما في حضن الرومانسية والتناغم، بعد أن أشعل علي الحجار المسرح مع تتر (المال والبنون) لحن ياسر عبد الرحمن:

قالوا زمان دنيا دنية غرورة.. وقولنا واللي تغره يخسر مصيره.. قالوا الشيطان قادر وله ألف صورة.. قولنا مايقدر ع اللي خيره لغيره.

وتأتي بوابة الحلواني لحن بليغ حمدي:

بدق ندق بوابة الحياة بالإيدين قومي..قومي افتحي لولادك الطيبين قومي..

اللي بني مصر كان في الأصل حلواني..وعشان كدا مصر يا ولاد حلوة الحلوات.

وادي وبوادي وبحور وقصور ومواني..توحيد وفكر وصلاة تراتيل غنا وابتهالات..وكل دا في مصر ياولاد حلوة الحلوات.

ويزداد الوهج والطرب ويطلب الجمهور من علي الحجار الإعادة والاستزادة فيغني (هنا القاهرة) ثم يضطره عطش الجمهور للعودة لبوابة الحلواني ليختم الليلة خير ختام.