د. أيمن سلامة,
كثيرة هي مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تضبط سير العمليات العدائية العسكرية بين المتحاربين، ولكن الأهم في ذلك الصدد أن الباعث والغرض الرئيسيين من إرساء هذه المبادئ هو حماية المدنيين الأبرياء العزل غير المشتركين في النزاع المسلح، ولذلك يشير مبدأ "التقييد" – تدليلًا- إلى حقيقة أن أطراف النزاع ليس لديهم، ولا ينبغي لهم استخدام، وسائل وأساليب غير محددة أثناء النزاع المسلح، وهذا يعني أن سلطة المتحاربين في استخدام الأسلحة و استهداف الأعيان والأشخاص ليست طلقة من أي عقال.
وعلى الرغم من أن اتفاقيات جنيف عام 1949 تضع قيودًا مختلفة على أطراف النزاع فيما يتعلق بكيفية إدارة الأعمال العدائية، فإن مبدأ "التقييد" موجود بشكل أكبر في المعاهدات التي تشير إلى استخدام أسلحة وأساليب قتالية معينة، ومع ذلك، فإن البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف التي صدرت في عام 1977 هي بطريقة ما، معاهدات تشير إلى حماية الأشخاص وإلى وسائل وأساليب القتال، فقد ورد في المادة 35 من البروتوكول الإضافي الأول أن "حق أطراف النزاع في اختيار أساليب أو وسائل شن الحرب ليس حقًا غير محدود".
إن روح هذا المبدأ، الذي يتسق مع مبدأ آخر وهو مبدأ "التناسب"، يجد أماراته الأولى في إعلان سانت بطرسبرج لعام 1868، الذي طالب بتجنب استخدام الوسائل أو الأساليب التي قد تسبب ضررًا لا داعي له أو معاناة لا داعي لها للأشخاص المشاركين مباشرة في الأعمال العدائية، وفي هذا الصدد، تذكر القاعدة 70 في الدراسة العرفية عن القانون الدولي الإنساني التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر "يُحظر استخدام وسائل أو أساليب الحرب التي من شأنها إحداث أضرار لا داعي لها أو معاناة لا داعي لها ".
أما مبدأ الحيطة، فيجد جوهره الرئيسي، في اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين التي صدرت عام 1949، وذلك على الرغم من أن هناك بعضا من المواثيق الدولية الأخرى التي تشير أيضًا إلى بعض الإجراءات التي يجب على المقاتلين اتخاذها لتجنب إلحاق الأذى بالأشخاص المحميين، لا سيما في حالة أسرى الحرب بموجب اتفاقية جينيف الثالثة عام 1949، فإن الاتفاقية الرابعة لجينيف تشير إلى جميع الاحتياطات التي يجب اتخاذها الأعمال العدائية لحماية المدنيين من آثار الحرب، والتي تتشدق إسرائيل في خلال النزاع المسلح الحاصل في غزة بأهداب إنذاراتها للمدنيين بوقت وجيز قبل القصف المفرط للأعيان المدنية الفلسطينية والتي أفضت لخسائر بشرية ومادية ضخمة.
أما مبدأ "الضرورة العسكرية" فهو المبدأ الذي يسمح بفعل كل ما هو ضروري للحصول على ميزة مباشرة وملموسة على الخصم، طالما لم يتم انتهاك أي قاعدة منصوص عليها في معاهدات القانون الدولي الإنساني، ويشير مفهوم الميزة العسكرية إلى كل تلك الأعمال في مسرح العمليات التي تسمح لأحد أطراف النزاع بإضعاف الخصم أو الاستسلام، و لتحقيق ذلك وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، يجب دائمًا توجيه الهجمات نحو أهداف عسكرية.
ووفقًا للقاعدة 8 من القانون الدولي الإنساني العرفي، فإن الأهداف العسكرية هي تلك التي تساهم بشكل فعال بطبيعتها أو موقعها أو غرضها أو استخدامها في العمل العسكري والتي يوفر تدميرها الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تحييدها، في ظروف الحالة، أفضلية أي ميزة للمهاجم .
يمكن العثور على مثال مثير للاهتمام لهذه الاعتبارات في المادة 42 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والتي تنص على أن الأشخاص الذين ينزلون بالمظلات من الطائرات المنكوبة لا يجوز مهاجمتهم عند هبوطهم؛ ومع ذلك، لا تنطبق هذه الحماية على القوات المحمولة جواً، والتي بحكم طبيعتها، فإن الاستيلاء عليها أو تحييدها يساهم في تقليص قوات الخصم.
وفقا لما تقدم، فهل حقق قصف وتدمير برج الجلاء في غزة ميزة عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي على ميليشيات حماس، وهل كان أيضا إنذار مالك البرج بساعة واحدة قبل القصف للبرج كافيًا لحماية وإجلاء المدنيين وممتلكاتهم من البرج؟
لقد نص البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف عام 1977، على أن الهجمات العشوائية وفق المادة 51، هي الهجمات التي من المتوقع أن تتسبب في وفيات وإصابات عرضية بين المدنيين. السكان، أو الضرر الذي يلحق بالأعيان المدنية، أو كليهما، بشكل مفرط مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة.
بهذه الطريقة، تم تعريف التناسب على أنه العلاقة بين الميزة العسكرية والأضرار العرضية التي قد تحدث، وهي تلك الأضرار التي تلحق بالأشخاص والممتلكات المدنية في إطار العمليات العسكرية، وهنا لا ينبغي وضع الاعتبارات المتعلقة بالأسلحة وقوتها فيما يتعلق بمصالح أي المزايا العسكرية للخصم، بل فيما يتعلق بالآثار التي يجب أن تتخلف عن هذه العمليات والتي يتحتم أن تكون الأقل ضررًا للأشخاص والممتلكات المحمية، إعمالًا لمبدأ "التقييد" السابق الإشارة إليه.
والمثال الشائع جدًا هو أن أحد أطراف النزاع يمكنه استخدام عربة مصفحة ضد خصومه الذين لا يحملون سوى البنادق، وهنا فمعيار التناسب يمكن أن يكون متوافرًا، رغما من عدم تكافؤ أسلحة الخصمين، ولكن معيار التناسب الحاكم في هذه الحالة يتحدد تأسيسًا على ما إذا كانت الأضرار العرضية التي ستحدث تتجاوز الميزة العسكرية الملموسة والمباشرة.