رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


فـِي اختلافهـم فِطــرَة

20-5-2021 | 12:03


د عمرو سكر

د عمرو سكر

قد تتساءل عن العنوان وعن تلك الكلمات التي طالما ترددت على مسامعك وبصيغة مختلفة وهي "في اختلافهم رحمة" فلن نبعد كثيرا عن ذلك المعنى.

دعنا نبدأ يا صديقي بالشق الأول من العنوان "في اختلافهم "

 كلمة خلاف.. بعضنا حينما يسمع تلك الكلمة يرد إلى ذهنه أن هناك مشكله أو نزاع أو ما يدل على أمر سلبي سوف يحدث، لذلك بعضنا في الدنيا يحيا بهذا المفهوم مما يترتب عليه أننا دائماً نقاوم الاختلاف في كل شيء في الرأي، في المظهر، في الثقافة.

ونضيع أعمارنا لنحاول أن نقنع الأخر بقناعتنا الخاصة حتى نتجنب الاختلاف ونبذل الكثيرً من الوقت والجهد للوصول إلى هذا الهدف، ولكن دون جدوى لأننا ببساطه نحارب سنة من سنن الله في أرضه وننازع فطرتنا التي فطرنا الله عليها وهي الاختلاف.

يقول الله تعالى:

﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ  َتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾        [الأنعام:35]

ففي بعض الأحيان نقرأ القرآن ولا نتدبر تلك المعاني والحكم العظيمة التي ترسم لنا مفاهيم للحياة تجعل الإنسان يحيا بفطرته السليمة فأقرأ معي قول الله عز وجل في سورة هود.

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [الأنعام ۞ 118 ]

فالاختلاف فطرة بشرية فكيف نطلب من الآخر أن يتوافق معنا في كل شيء على الرغم من أن كلاٍ ًمنا تربى في بيئة مختلفة عن الآخر، تعلم تعليم مختلف، له آراء وأهداف وقناعات مختلفة.

هذه من نعم المولى عز وجل علينا لأن بدون هذا الاختلاف لما استقامت لنا الحياة بل ربما اختفت الكثير من القيم التي تثري حياتنا كالأبداع - التكامل - الاستقلالية - بناء الشخصية ذات الكيان الخاص - التميز وغيرها من القيم التي ستندثر أو ربما نندثر نحن أيضا معها إذا قضينا إلى مفهوم الاختلاف بيننا وقبل كلا منا أن يكون مطابقاً للآخر.

يحكى أن قد حلت لعنة على قرية في أقصى الأرض هذه اللعنة جاءت بسبب محاولة الناس فيها تقليد بعضهم البعض حتى أصبح الوضع مملا للغاية فغضب أحد السحرة وألقى برماد على تراب البلدة وغادرها في اليوم الثاني لمغادرة الساحر اختفى رجلان وفي اليوم الذي يليه اختفى رجلان وامرأتان ثم بدأ العدد يزيد حتى خشيت القرية اندثارها من شدة الخوف بدأ الناس يجلسون في بيوتهم ولا يغادرونها منهمكين فى التفكير لعلهم يصلون إلى حل.

اتفق رجلان على زيارة الرجل الحكيم في القرية ليقترحوا عليه ما وجدوه من حلول قدمهُا أهل القرية.

 وصل الرجل الأول فاستقبله الحكيم وأجلسه في الغرفة وعندما وصل الرجل الثاني خرج الحكيم واستقبله وأدخله إلى الغرفة وعندما نظر القادم الجديد إلى الرجل الأول حدثت المفاجأة اختفيا فجأة كأنهما لم يكونا من قبل نظر الحكيم مندهشا مرعوبا لكن المواقف هذه تحتاج إلى رجال ولا تحتاج إلى مترددين جلس يفكر ويقرأ في الكتب وحاول الوصول بساحر القرية ولكن لم يجده الحكيم، أدرك أن الأمر لعنة من الساحر وضعها في القرية وهرب.

 قضى الحكيم أياما وهو يقرأ كتب قديمة عن اللعنات فوجد سبب المشكلة أنها لعنة المقلدين هي لعنة تجعل كل شخص يحاول أن يقلد شخصا أخر يختفي مباشرة عندما يراه وهذا سر اختفاء الناس لأنهم يقلدون بعضهم ولأن القرية تعيش على التقليد فهي قد تختفي نهائيا.

 الكارثة أن لا حل لهذه اللعنة ولا طرد لها سوى أن يغير الناس من أنفسهم فمشى الحكيم بين الناس في طرقات القرية كلما قابل أهلها أبلغهم الحل أنقسم الناس إلى فكرتين وبالتالي إلى مصيرين الذين رفضوا وواصلوا التقليد اختفوا ولم يعد لهم وجود والذين عاشوا شخصيتهم مازالوا على قيد الحياة الحكمة :

} أنت تختفي عندما تحاول أن تكون شخصا أخر كن أنت بدلاً من أن تكون لا شيء{.

لذا يجب أن ننظر إلى كلمة الاختلاف بمفهومها الإيجابي وهو أننا نختلف و يكمل بعضنا الأخر لنصل إلى الحق لا إلى النزاع.

 

يقول الإمام الغزالي :-

"يَجِبُ عَلَى المتحاورون أَنْ يَكُونَا كَطَالِبِ الضاله لَا يُهِمُّ أَنْ يَجِدَهَا علَى يَدِهِ أَمْ عَلَى يَدِ مِنْ مَعَه ."

تخيل لو أن المفتاح الخاص لمنزلك قد فقد ومعك صديق لك فبدأ كل منكما في البحث عنه فإذا بصديقك يجده هل كنت تفرح بذلك ؟ أم تصر على أنك أنت الذي يجب أن تجده ودون قبول أي مساعدة من أحد ؟ بالطبع لا.. لأن المستهدف الرئيسي هو أن تستطيع الدخول إلى منزلك لذلك يصف لنا الإمام الغزالي المختلفان في الأمر أن كل منهم يجب أن يرى رفيقه موعناً له لا خصماً للوصول إلى الحقيقة وقد ذهب إلى هذا المعنى الإمام الشافعي رحمة الله علية حينما قال:

" مَا نَاظَرَتْ أحَدٌ قَطُّ وَودَدَّتْ أَنْ يَظْهَرَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِيِ "

ولكننا كثيراً لا نتقبل الأخر ولا نعطي فرصة لمعارضينا في التعبير عن آرائهم وينبع ذلك من الشعور  بالذات أو الكبر أحياناً، على الرغم من أن الله عز وجل يعلمنا في الحوار القرآني الراقي إعطاء حق المعارضة أي أن كان من هو المعارض فقد أعطى الله عز وجل حق المعارضة حتى لإبليس قال تعالى :

﴿قَالَ لَم أَكُن لِّأَسجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقتَهُۥ مِن صَلصَٰل مِّن حَمَإ مَّسنُون﴾ (الحجر ۞ 33 )

 

﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾  ( الأعراف12 )

ويعلمنا الحوار القرآني أيضاً التواضع وكيف نصغى للأخر تاركين الكبر والعجب بالذات مهما كانت مكانتنا، كما ظهر في حديث الهدهد مع سيدنا سليمان الذي أعطاه الله أعظم ملك من تسخير الرياح والإنس والجن والطير والحيوان وعلى الرغم من ذلك كلة يتواضع سيدنا سليمان حينما يأته الهدهد ويقول له:-

 " أحَطْ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ عِلْمًا " فيسمع له بتواضع العظام للوصول إلى الحق.

فأحيا يا صديقي بالاختلاف بمفهومه الإيجابي وتذكر دائماٍ أن مخالفك يقول لك بصوت غير مسموع

        " إِذَا أَرَدْتِ أَنَّ تَرَانِي.. فَضَعْ نَفْسُكَ مَكَانَي "