رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الله مصدر السعادة

21-5-2021 | 16:47


بطرس دانيال

بطرس دانيال

يدعونا بولس الرسول للحصول على السعادة الحقيقية، قائلاً: "إن ملكوتَ الله ليس أكْلاً وشُرْباً، بل بِرٌّ وسلامٌ وفَرَحٌ في الرُّوحِ القُدس" (رومية 17:14).

جميعنا يبحثُ عن السعادة الدائمة؛ ومعظمنا ينتظر الحصول عليها من الأشياء المادية فقط، بينما السعادة الحقيقية حيث التدين المستقيم والثقة الكاملة بأبوّة الله وحنانه.

وخلاف ذلك، هناك الحزن والكآبة، يُحكى أن أحد الرجال الأثرياء من أصحاب المصانع والشركات الكبرى، رأى صياداً بسيطاً مستلقياً بجوار المركب الصغير الذي يمتلكه، وكان يُدخّن السيجار، فسأله: "لماذا لا تستمر داخل البحر لتصطاد؟" أجاب الصياد: "لأنني حصلتُ على القدر الكافي من السمك الذي يُشبع أسرتي"، فسأله مرةً ثانية: "لماذا لا تطمح في الحصول على كمية أكبر من التي تحتاج إليها كل يوم؟".

فرد عليه: "وماذا أفعل بها؟"

- "تستطيع أن تربح مالاُ كثيراً، ثم تضع موتوراً للمركب للدخول به إلى مسافات أعمق في البحر، وتحصل على كمية أكبر من السمك، ثم تبيعها لتوفر لك أموالاً كثيرة، وبعد ذلك تشتري أجود الشِباك لتصطاد بها مئة ضعف الذي تحصل عليه كل يوم وتزداد ثروتك، ومِنْ ثَمَّ تشتري أسطولاً من المراكب، وبناءً على ذلك تصبح ثرياً مثلي".

فقاطعه الصياد قائلاً: "وماذا أفعل بعد ذلك بكل هذا الثراء؟"، أجابه: "تستطيع أن تستريح وتتمتع بالحياة لتعيش في سعادة وهناء".

فاضطر الصياد صاحب السعادة أن يسأله: "كيف تراني الآن، وماذا كنتُ أفعل قبل مجيئك؟!" مما لا شك فيه أن الشخص العاقل، يستطيع الحفاظ على لحظات السعادة الموجودة في متناول يديه، كما أنه يفضّلها عن امتلاك كنوز الدنيا؛ لأن سعادة الإنسان الحقيقية هي في الله وحده الذي يهبه كل شيء، وإذا فتش عنها بعيداً عن الله، فيكون كمن يحاول الإمساك بظله، ولا ينجح في ذلك.

فإذا اعتقد الإنسان أن سعادته في الغنى أو المجد أو اللذات؛ يضلّ الطريق ويقع في الفشل الذريع، لنتعلّم من الطفل الذي يصبح في غاية السعادة وقمّة الفرح بأبسط وأرخص الأشياء، يمكنه أن يتمتع ببعض الورق الذي يصنع منه مركباً أو طيارة ليلهو بهما؛ أو يمسك عصا ويركب عليها كأنها حصان يجري به داخل المنزل، بينما الإنسان البالغ وكامل الرشد، يسعى للحصول على كل شيء ليمتلكه، ومع ذلك لا يحصل على السعادة التي يفتش عنها في الماديات فقط، لأن ممالك العالم لا تمنحنا السعادة، كم من الأشخاص الذين يسكنون القصور، ومع ذلك نراهم تُعساء؟ والذين يمتلكون الثروات التي تضمن لهم حياة رغدة ولأبنائهم ولأحفادهم لمئات السنين؛ ومع ذلك لا يشعرون بالسعادة الدائمة، أو يعيشون في حزنٍ ومرارةٍ تنغّص حياتهم؟ لأن ملذات الدنيا لا تولينا إلا سروراً ضئيلا ووقتياً يعقبه الألم والشقاء.

يقول الكاتب الشهير Pierre Loti: "لقد شبعتُ من الحفلات والملذات، ومع ذلك لست سعيداً"؛ لأن الشهرة والمجد والغنى لا سعادة فيهما بدون الله. كم من الأشخاص الذين يفتشون عن السعادة، بالرغم من أنها بين أيديهم وفي داخلهم، وهم لا يدرون؟ ما أكثر الذين ينفقون أموالاً طائلة للحصول عليها، في حين أنها لا تكلفهم شيئاً؟ لذلك يعلّمنا السيد المسيح قائلاً: "السعادةُ في العَطاء أعظمُ منها في الأخذ" (أعمال الرسل35:20).

إن قلب الإنسان أكبر من أن يملأه العالم، لأن الله خلقه ليملأه هو، لا أحد ولا شيء سواه من المخلوقات.

فإذا كان القلب نبيلاً، بعيد الطموح، روحاني النزعة، مُحبّاً للخير والعطاء؛ لأنه مخلوق على صورة الله ومثاله؛ عندئذٍ لا يجد سعادته إلا في الحق الكامل، وعمل الخير الدائم، والجمال الخالص، وكما نعلم أن الله وحده هو ينبوع كل حق وخير وجمال، إذاً يجد الإنسان سعادته الكاملة في الله وحده، دون سواه. نستطيع أن نعيش في سعادةٍ دائمة، عندما نسعى لمساعدة الآخرين وإسعادهم، وهنا نكتشف إمكانية الحصول عليها بكل بساطة ومن دون مشقة، كما يجب أن نعلم جيداً أن السعادة لا تأتي من الأشياء التي نمتلكها، ولكنها تنبع من داخلنا سواء كنّا نعيش في قصرٍ ملكي، أو في كوخٍ مظلم، أيضاً السعادة هي أن نعيش في قناعةٍ حتى بالقليل الذي نمتلكه.

إذاً أين توجد السعادة، وكيف يمكننا الحصول عليها؟ إنها حالة القلب المطمئن، والنفس الراضية، والضمير الصالح، وكل هذا عبثاً نطلبه بعيداً عن الله. ونختم بكلمات نابغة البشرية القديس أغسطينوس الفيلسوف: "خلقت قلبنا لك يا الله، ولن يذوق طعم السعادة حتى يجدك ويستقرّ فيك".