بقلم : عاطف بشاي
بقولك إيه يا "سناء" .. لما تيجي تتدلعي على جوزك .. بتتطلبي إيه منه؟!
كان صاحب السؤال هو الشاعر الكبير "صلاح جاهين" وكانت الساعة الثانية صباحاً .. أثناء اندماجه في كتابة سيناريو وحوار إحدى حلقات "هو وهي" .. اتصل بها فاستيقظت منزعجة .. نظرت في ساعتها .. وتمالكت نفسها قائلة : عادي .. باطلب منه يجيبلي شوكولاته .. فقال لها "جاهين" : شوكولاته؟! .. طيب لو الشوكولاته ساحت ؟! هنا فقدت أعصابها فقالت له : لو الشوكولاته ساحت تبقى راحت مطرح ما راحت يا "صلاح" .. ضحك جاهين فضحكت "سناء البيسي" فغنت "سعاد حسني"
و "سناء البيسي" هي مؤلفة تلك القصص القصيرة الجميلة التي تحولت إلى المسلسل الشهير الذي كتب السيناريو والحوار له "صلاح جاهين" وقام ببطولته "أحمد زكي" و "سعاد حسني" وأخرجه "يحيي العلمي"
ذكر تلك الأطروفة الكاتب الصحفي الساخر "عمر طاهر" في كتابه المهم والممتع الذي صدر حديثاً "صنايعية مصر" (مشاهد من حياة بعض بناة مصر في العصر الحديث) الذي يقدم ما تيسر من سيرة بعض النوابغ الذين ساهموا في رسم ملامح مصر وتاريخ حياة سكانها دون أن يحصلوا على نصيبهم من الضوء والمحبة والشهرة والاهتمام والذيوع والتقدير والاعتراف بالفضل العميم (32 شخصية منهم أندريه رايدر ، سعد لبيب ، بديع خيري ، أبلة نظيرة ، جمال الليثي ، نجيب المستكاوي ، فطين عبد الوهاب ، الضيف أحمد ، صفية المهندس ، حكمت أبو زيد، سيد النقشبندي ، سناء البيسي ... ألخ) .. والأطروفة السابقة يوردها "عمر" في سياق الدلالة على أن سناء البيسي ألهمت كثيرين من الذين عملوا معها وتخرجوا من تحت يدها ويشكلون الآن قوام مهنة الصحافة في مصر .. وهو أحد هؤلاء التلاميذ والذي يقول : علمتنا أن الانفراد الحقيقي في احترام القارئ .. وأن الصحفي الفذ يجب أن يكون واعياً بالسياسة والثقافة والرياضة والطب والتاريخ والأدب والشعر وعلم النفس والتصوير والطباعة وأن يعرف شيئاً عن كل شئ .. وكانت تؤكد أن هناك فرقاً بين الكِّتاب (بضم الكاف) والكتبة .. الأول قلمه متصل بضميره والثاني قلمه متصل بالتليفون يملي عليه ما يكتبه ومالا يكتبه.. و "سناء البيسي" هي صاحبة القلم المميز بالعبارة الرشيقة ذات الجرس الموسيقي الخاص والألمعية الواضحة في استخدام مفردات تحتوي على كل فنون البلاغة من جناس وطباق وتشبيه واستعارة وكناية .. ومفردات متنوعة .. ومعان براقة عميقة الغور .. شيقة المحتوى .. جيدة السبك .. والحبك .. ترسمها بريشة ساحرة فهي فنانة تشكيلية رقيقة .. تلون أسلوبها في الكتابة بزخارف بديعة في الحكي وكثير من فنون السخرية المحببة إلى النفس والتي تنزع الأقنعة من على الوجوه لكنها لا تدمي ولا تجرح .. تداعب ولا تؤذي .. ويؤكد "عمر طاهر" أن "سناء" لم تتعال يوماً على فكرة الصحافة النسائية بل أعلت من شأنها واستطاعت عبر تجربة "نصف الدنيا" التي رأست تحريرها سنوات طويلة أن تحول المجلة النسائية من مجرد أداة تسلية إلى مرجع مهم يحرص الجميع على اقتنائه بل إن أرشيف الصحافة العربية الذى أنشئ في الخمسة عشر عاماً الأخيرة هو أرشيف "سناء البيسي" الذي صنعته من مجلتها.. إنه أرشيف الحوار النادر والملفات الثقيلة .. واعترف أنني قد استفدت استفادة كبيرة من تلك الملفات في الكثير من موضوعات مسلسلات وسجلت بامتنان ذلك في مقالات اطلعت عليها ولفرط تواضعها فرحت بها جداً وأطلعت عليها كتيبة المحررين والمحررات بالمجلة .. هذا وقد اختصها "نجيب محفوظ" بنشر أحلام فترة النقاهة وأصداء السيرة الذاتية وبدأ النشر برسالة صغيرة لها قائلاً : هيهات أن أبلغ ذروة البلاغة التي تتمتعين بها".
جدير بالذكر أنه قد شدني الكتاب والتهمته في جلسة واحدة بأسلوبه الرشيق وقدرة مؤلفه "عمر طاهر" الرائعة في استخلاص العبرة والحكمة والمغزى الذي تنطوي عليه قيمه كل نابغة تصدي للكتابة عنه .