رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مستقبل منطقة القناة أهم من أسباب مغادرة درويش

10-5-2017 | 12:28


 

الطبع غلاب وطبعنا كمصريين لن يتغير أبدا، نبحث دائما عن المعارك ونجتهد فى إطلاق الشائعات، التى ننسجها من خيالنا حتى نحولها إلى حقيقة ونصدقها ونعيش عليها، ووسط كل هذا ننسى الأهم فى الموضوع..

فى قرار الرئيس بتكليف الفريق مهاب مميش، برئاسة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لمدة عام انشغلنا جميعا بالسبب وراء مغادرة الدكتور أحمد درويش لمنصبه، واجتهد البعض فى اختلاق الأسباب واتجه آخرون إلى البحث عن فضيحة فى الموضوع، هل فساد أم وشاية، هل طمع أم تقصير، إقالة أم استقالة، بل وصل الأمر إلى محاولة إختراق خصوصية الرجل وإجباره على الكلام حتى ولو بالضغوط تحت شعار، إتكلم أحسن لك يادكتور درويش..

بالتأكيد بعض هذه الأسئلة مشروعة، ولا ننكر حق الرأى العام فى معرفتها، خاصة وأن الدكتور أحمد درويش من الشخصيات التى تحظى بالإحترام وتتمتع بعقلية مرتبة، لكن المشكلة أننا فى ظل الإصرار على البحث عن أزمة نسينا أو تجاهلنا عن عمد الفلسفة إلى يمكن أن تكون وراء هذا التغيير، وأنه ليس بالضرورة هناك أسباب شريرة وراء مغادرة الدكتور درويش، فلا جريمة ولا مصيبة، بل من الطبيعى جدا أن يخفق المسئول فى ملف، فالنجاح ليس دائم ولا مضمون فى كل الأوقات، ومن حق القيادة المسئولة أن تبحث دائما عن الشخص المناسب لكل مرحلة وأن تصحح أى خطأ أو تعدل عن اختيارها إذا ثبت لها أنه لم يكن موفق أو ليس فى محله، ولهذا فالدكتور أحمد درويش وإن كان واحدا من المشهود لهم بالكفاءة، لكنه ليس أهم من مشروع المنطقة الاقتصادية حتى نعتبر إقالته كارثة، هو فى النهاية مسئول يسرى عليه ما يسرى على غيره من المسئولين أيًا كان موقعهم، فإقالتهم أو استبدالهم بآخرين وارد فى كل لحظة..

الأمر لم يقتصر علي هذا فبجانب هذا ووسط الانشغال المبالغ فيه بما وراء هذا التغيير لم نلتفت إلى شخصية أضيفت للمشروع تم اختيارها بعناية لموقع نائب رئيس المنطقة الاقتصادية، وهو اللواء بحرى متقاعد محفوظ طه مرزوق، فرغم عدم معرفتى الشخصية به، لكن عندما اطلعت على سيرته الذاتية تفهمت أهمية اختياره لهذه المسئولية، بل ووضعت يدى بشكل كبير على ما تريده القيادة السياسية من المشروع خلال الفترة القادمة، وأن تغيير الدكتور درويش لم يكن سوى خطوة كانت مهمة وضرورية لتصحيح المسار وتصويب بعض الأخطاء، فالمطلوب الذى كانت تريده القيادة السياسية هو أن ترى انجاز حقيقيا على الأرض، استثمارات فعلية تترجم إلى مشروعات وتخلق فرص عمل وتزيد من دخل منطقة قناة السويس..

كان مطلوبا أن يرى المصريون تغييرا فعليا فى منطقة القناة ومشروعات ضخمة كما كانوا ينتظرون كى تصبح نموذجا من جبل على أو سنغافورة..

لكن خلال العامين الماضيين لم نسمع إلا كلاما ودراسات ولقاءات ووعود، وقد يكون كل هذا مهمًا فى حد ذاته ومطلوبًا، لكن المشكلة أن الوقت يمر وفترة الولاية الأولى للرئيس السيسى تدخل فى عامها الرابع والرجل يصر على أن ينجز كل ما وعد به الشعب فى موعده ليكون قد وفى بالتزاماته، لكن المشروع الذى يبنى عليه آمالا ضخمة، وينتظره المصريون يتعرض لبعض العثرات، التى تهدده ويسقط يوما بعد الآخر فى تفاصيل كفيلة لو تركت أن تغرقه فى قلب القناة..وهذا مالن يسمح به الرئيس أيا كان الثمن .

هنا كان لابد من التدخل السريع والحاسم، فالوقت لم يعد فى صالح مصر، ولم يكن هناك أفضل من أن يسلم المشروع لمن حقق نجاحا ومعروف عنه الإنجاز، وسجله شاهد له بذلك وهو الفريق مهاب مميش، الذى كان هو المرشح من البداية لتولى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لكن القيادة السياسية رأت أن وجود شخصية مثل الدكتور درويش قد يكون مفيدًا فى المنطقة الاقتصادية على أن يتفرغ الفريق مهاب لمهمة القناة، لكن طالما الغاية لم تتحقق فلا مانع من المراجعة ولا خطأ فى التصحيح، الذى يحقق المصلحة العامة.

ومع الفريق مهاب بفكره وحسمه وقدرته علي الانجاز تأتى شخصية أخرى تمثل إضافة حقيقية ويمكن أن تسهم فى مزيد من الإنجاز المطلوب وهو اللواء محفوظ، الذى يقف وراءه هو الآخر تاريخ طويل من الخبرة ليس فقط من خلال عمله بالقوات البحرية لأكثر من ٣٨ عاما، وإنما أيضا من خلال المواقع التى شغلها بعد ذلك سواء كرئيس سابق لواحدة من أكبر شركات الاستشارات والخدمات البحرية، أو رئاسة هيئة موانئ البحر الأحمر، التى تتبعها سبعة موانئ كبرى، أو كمستشار لوزير النقل وإشرافه على العديد من مشروعات التطوير بموانئ مصر، ودوره كمؤسس مركز إدارة الأزمات بوزارة النقل

وكفاءته فى هذا المجال ليست محل نقاش بل شهد بها الكثيرون والدليل الأوسمة، التى حصل عليها سواء من الرئيس جمال عبد الناصر أو السادات أو مبارك، بل وحصوله على وسام الملك فهد العاهل السعودى الراحل، وفوق كل هذا تستعين به مؤسسات وشركات دولية حتى الآن كمحاضر فى الاستشارات والخدمات البحرية..

فالواضح أن اختيار شخصية بهذه الكفاءة والخبرة يكشف تمامًا عن الهدف الذى تستهدف القيادة تحقيقه فى المرحلة القادمة فى المنطقة الاقتصادية، فالمطلوب تخطيط واقعى قادر على جذب الاستثمارات المختلفة، وخاصة فى مجال الخدمات البحرية واللوجستيات، وفى الوقت نفسه يراعى خصوصية المنطقة من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية أيضًا.

والمؤكد أيضا أن اختيار اللواء مرزوق بجانب الفريق مهاب مميش فيه رغبة فى تحقيق التكامل والانسجام لأنه لا المشروع ولا التوقيت يتحمل الخلافات أو حتى مجرد عدم التفاهم بين المسئولين عن هذه المنطقة.

أما وقد حدث التغيير وصدرت القرارات الرئاسية، فالمطلوب بدلا من الانسياق وراء شائعات واختلاق الأسباب والمبررات الوهمية أن نركز فى دعم المشروع ومساندة المسئولين عنه، فالقضية تتجاوز الأشخاص تمامًا وتخص بلدا يبحث عن طوق النجاة والأمل الوحيد لإنقاذه هى هذه النوعية من المشروعات، التى ستضخ فى شرايين الاقتصاد المصرى دماء تضمن له الحياة، وأظن أننا جميعا نرصد محاولات بعض القوى لحصار هذا المشروع والتضييق عليه كى لا يصل إلى المستهدف منه، وإذا لم نكن جميعا على قلب رجل واحد ونتصدى لهذه المحاولات، التى تستخدم الإعلام والشائعات سلاحا لها فسوف نكون الخاسر الأول، فالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تعنى عند اكتمالها أكثر من مليون فرصة عمل ونحو مائة مليار دولار دخلا إضافيا كل عام، فهل سنضحى بكل هذا، وننشغل بمن غادر حتى ولو كان محل احترام منا جميعا..

أعتقد أن النظر للمستقبل أفضل وأهم ألف مرة من نبش قبور الماضى ولو كان قريبًا.

المستقبل يقول بأن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لابد أن تكتمل وتزيد الاستثمارات فيها حتى تحقق المطلوب منها.. المستقبل يقول أيضا أن هذا المشروع تواجهه مخاطر كبيرة ومؤامرات من دول إقليمية هدفها الأساسى تعطيله أو إفشاله بالكامل لحرمان مصر من عوائده ليس فقط الاستثمارية، وإنما أيضا الإستراتيجية..

ومواجهة هذه المخاطر يتطلب تنسيق كامل وليس صراعا أو تضارب اختصاصات وقرارات، فإسرائيل تسارع الزمن من أجل القضاء تماما على قناة السويس، وتقدم التسهيلات الضخمة لدعم ميناء أشدود، الذى تروج له باعتباره البديل الأفضل، وللأسف بعض القرارات غير المدروسة، التى صدرت خلال الفترة الماضية كانت لصالح المخطط الإسرائيلى لأن من أصدرها لم يدرس تأثيراتها على المستوى العالمى وتقليلها من فرص الاستثمارات القادمة للمنطقة الاقتصادية.

كل هذا كان يتطلب تصحيح مسار المنطقة الاقتصادية، واختيار شخصيات بينهم توافق وقدرة على العمل والتنسيق. وهذا ما حدث بالقرار الجمهورى الأخير الذى سلم المهمة لمن يمتلك القدرة على انجازها