رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سوريا مناطق آمنة وأمة نائمة

10-5-2017 | 12:37


بقلم – لواء د. نصر سالم

فى أقصى الشمال الشرقى وبعيداً عن قلب الجامعة العربية «النائم» بآلاف الأميال وتحديداً فى مدينة الأستانة عاصمة دولة كازاخستان حيث درجات الحرارة أقرب إلى صفر- تنفض الجولة الرابعة من المفاوضات بشأن الأزمة السورية الملتهبة- معلنة توقيع كل من روسيا وإيران وتركيا على اتفاق ينص على إقامة أربع مناطق منخفضة التوتر فى سوريا.. بناء على خطة قدمها الكرملين لتعزيز الوقف الهش لإطلاق النيران.

ويعلن «الكسندر لافرينتييف» رئيس الوفد الروسى لمفاوضات أستانة، وقف كافة الأعمال القتالية فى مناطق «وقف التصعيد» الأربع ابتداء من السادس من مايو الجارى، ويسرى وضع هذه المناطق لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد وطبقاً لرواية «لافرينتييف» فإن الاتفاقيات التى تم التواصل إليها خلال الجولة الرابعة من محادثات أستانة- ستسمح بتعزيز نظام الهدنة القائم، مبديا ثقة موسكو فى أن دمشق ستعلق عمل سلاح الجو فوق تلك المناطق.

ومن الجانب الكازخستانى، يصرح وزير خارجيتها «خيرت عبدالرحمنوف» أن الدول الضامنة ستتولى اتخاذ التدابير اللازمة لاستكمال تعريف خرائط مناطق تخفيف التصعيد والمناطق الآمنة بحلول ٢٢ مايو الجارى.

ويوضح بيان للخارجية التركية أن هذه المناطق يفترض إنشاؤها على كامل محافظة إدلب، وأجزاء من محافظات اللاذقية وحلب وحماه وحمص ودمشق والغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة.

وتتسابق الأطراف الدولية بين مرحب ومتحفظ وحذر.

فهذا الأمين العام للأمم المتحدة فى أقصى الغرب من الكرة الأرضية- التى شهد نصفها الشرقى توقيع الاتفاق- يعلن ترحيبه بالاتفاق، ويعلن على لسان متحدثه الرسمى «أن الأمم المتحدة تقف إلى جانب أى اتفاق هدفه وضع حد لاستخدام كل الأسلحة، وخصوصاً الوسائل الجوية، والتعهد بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة»، معرباً عن الأمل فى مساهمة الاتفاق بين موسكو وطهران وأنقرة فى وقف العنف، مشيراً إلى ضرورة التزام جميع الأطراف فى تنفيذ الاتفاق.

أما المبعوث الدولى إلى سوريا «ستيفان دى مستورا» فقد تكرم ووصف الاتفاق بأنه «خطوة مهمة وفرصة قوية» لتوفير تأثيرات إيجابية بشأن تخفيف تصعيد الأزمة معرباً عن أمله فى أن يعطى التوقيع على اتفاق «أستانة٤ « دفعة إيجابية لمحادثات جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة.

وفى برلين، ترحب الحكومة الألمانية بالاتفاق معربة عن رأيها الذى أعلنه شتيفن زايبرت المتحدث الرسمى باسم الحكومة بأن إقامة مناطق تهدئة من الممكن أن تكون خطوة على الطريق السليم، الأمر الذى يتوقف على ما إذا كان سيتم تطبيق هذا الاتفاق فعلياً، -مضيفاً- أنه يتعين على روسيا على وجه الخصوص ضمان التزام الحكومة السورية بالاتفاق وكأنه يعلن عدم ثقته فى الحكومة السورية وعدم رغبتها فى الالتزام بهذا الاتفاق محملاً المسئولية للجانب الروسى الداعم الأكبر والأساسى للحكومة السورية والقادر على حمل سوريا على التنفيذ الجاد على الأرض.

وفى باريس تعلن وزارة الخارجية الفرنسية أنها أخذت علماً بالاتفاق الذى تم التوصل إليه فى أستانة، وأنها تنتظر أن تترجم هذه الالتزامات إلى واقع وتسمح بإيصال المساعدات بدون عائق إلى كل الأراضى السورية بما فى ذلك المناطق المحاصرة، ويضيف المتحدث الرسمى باسم الخارجية الفرنسية «أن الانتقال السياسى الفعلى وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية ودحر الإرهاب.

أما الخارجية الأمريكية فقد كان لها تناول آخر رغم أنه لا يخرج عن السياق السابق، فقد أبدت تحفظ إدارة الرئيس دونالد ترامب على الدور الإيرانى كضامن لاتفاق الأستانة، مؤكدة فى بيان لها أن الدور الإيرانى فى الأزمة السورية ساهم فى تصاعد أعمال العنف، وليس تهدئة الأوضاع وحل الأزمة ومشيرة إلى أن مساندة طهران للرئيس السورى بشار الأسد ساهم فى تعميق مأساة الشعب.

وموضحاً أن فشل كل الجهود السابقة فى حل الأزمة السورية يزيد تحفظ واشنطن على الدور الإيرانى، ومعربة فى الوقت نفسه عن أملها فى نجاح تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع.

والجدير بالذكر أن المناطق الآمنة ليس من بينها المناطق التى تسيطر عليها «داعش» أو جبهة النصرة، والمعنى بها هم المدنيون الواقعون تحت الحصار والذين لم يستفيدوا من الهدنة الهشة ومازالت المساعدات الإنسانية لم تصل إليهم، الأمر الذى يضع علامة استفهام وعلامة تعجب على موقف المعارضة السورية المسلحة التى انسحبت من المفاوضات معلنة أنها لا تستطيع قبول الخطة الروسية لإقامة مناطق آمنة فى سوريا، لأن ذلك يهدد وحدة الأراضى السورية، مشيرة إلى رفضها الاعتراف بإيران كدولة ضامنة لأى خطة لوقف إطلاق النار، وأن المعارضة تريد أن تحافظ سوريا على وحدتها، وأنهم ضد تقسيم سوريا.

فهل هذا الموقف من جانب المعارضة المسلحة قد ضمن عدم تقسيم سوريا أو يساعد على ذلك، وهل حقا هم يشعرون بالمعاناة التى يعانيها السوريون الذين يمثلونهم؟.

أم أن هناك جهات خارجية تضغط عليهم لاتخاذ هذا الموقف؟

واللافت للنظر إعلان رئيس الوفد الروسى لمفاوضات الأستانة أنه «يحظر على طيران التحالف الدولى بقيادة واشنطن العمل فى أجواء المناطق التى تم تحديدها فى سوريا منذ التوقيع على المذكرة الخاصة بإنشائها».

موضحاً أن هذا الحظر ليس مسجلاً فى الاتفاق، ولكن هذه المناطق مغلقة منذ الآن أمام طلعات التحالف الدولى، مضيفاً أن الدول الضامنة ستتابع عن كثب عمليات التحالف فيها، مشيراً إلى أن الأهداف التى سيسمح للتحالف الدولى بضربها فى سوريا هى مواقع «داعش» فى منطقة الرقة وفى عدد من البلدان قرب الفرات وفى دير الزور.

وعن نظام الرقابة على وقف إطلاق النار، كشف رئيس الوفد الروسى «لافرينتييف» أن العمل على صياغته لم يكتمل بعد؛ حيث إنه لم يتم تحديد الدول التى سترسل مراقبيها إلى مناطق وقف التصعيد.

والمتفحص لهذا الإعلان من جانب رئيس الوفد الروسى، يفهم منه معنى لا يغيب عن أى متخصص فى هذا المجال.. وهو أن كل العمليات التى تتم فى الأجواء السورية وفوق أرضها.. نتم إدارتها من مركز عمليات مشترك لكل الأطراف الأمريكية والسورية والإيرانية والتركية بقيادة روسية وبتنسيق دائم مع إسرائيل أو على أقل تقدير وجود شبكة اتصال دائمة بين هذه الأطراف للتنسيق المستمر لأى أعمال فى الجو أو على الأرض.

ترى أين الدول العربية، بل أين جامعة الدول العربية من كل ما يحدث على هذه الأراضى السورية؟

ألم يكن من المناسب حضور ولو مندوباً عن جامعة الدول العربية بهذه الاجتماعات والمفاوضات التى يتقرر فيها مصير شعب عربى على أرض غير عربية وخارج أى منظمة دولية وفى غياب كامل لأى دولة عربية.

لقد انتفض مجلس الشيوخ الأمريكى مطالباً السكرتير العام للأمم المتحدة بعدم الانحياز ضد إسرائيل تحسباً لعدم تكرار أى قرار لا يخدم مصلحة إسرائيل.

وحرصت أمريكا على استعادة دورها فى تسوية الأزمة السورية حين وجهت ضربتها الصاروخية ضد قاعدة الشعيرات الجوية السورية فى الشهر الماضى وطرحت خطة من أربع مراحل للتسوية تتمثل فى:

١- القضاء على تنظيم داعش.

٢- عقد هدنة بين النظام والمعارضة وفرض مناطق آمنة.

٣- فترة انتقالية تشمل تخلى «الأسد» عن السلطة.

٤- عودة الاستقرار إلى سوريا بالتعاون مع روسيا.

مع استمرار تكثيف الضغوط على النظام السورى وحلفائه لدفعهم للتجاوب مع جهود تسوية الأزمة وفقاً للرؤية الغربية -الأمريكية.

كل ذلك فى الوقت الذى تستمر فيه روسيا فى دعمها السياسى والعسكرى للنظام السورى لتحقيق مكاسب ميدانية استراتيجية تعزز من الموقف التفاوضى لوفد النظام فى مباحثات التسوية فى اجتماعات أستانة وجنيف مثل: قيام المقاتلات الروسية بضرب مواقع المعارضة وتنظيم داعش.

ومباحثات وزير الخارجية الروسى مع نظيره السعودى فى العاصمة الروسية موسكو التى تناولت تطورات الأزمة السورية- ومباحثات نائب وزير الخارجية الروسى مع المبعوث الأممى إلى سوريا لتعزيز وقف إطلاق النار.

إن الحركة لا تتم إلا فى فراغ.

وفراغنا العربى هو الذى يغرى كل الأطراف وفى مقدمتها إيران وتركيا وإسرائيل.

فمتى تملأ أمتنا هذا الفراغ؟.