رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تقسيم سوريا وإعادة تعريف مصر لمصالحها والمستقبل

10-5-2017 | 12:41


بقلم – السفيرد.عزمى خليفة

فى إطار تكيف روسيا مع الضغوط الأمريكية فى سوريا والممثلة فى تواجد عسكرى فعلى على الأرض فى شمال سوريا وما يفرضه من تغيير المعادلة العسكرية واقعيا التى سيطرت وتحكمت فيها روسيا منذ عهد أوباما، وقيام هذه القوات الأمريكية بشن حملات على ما سمى بمواقع داعش بعد الضربة العسكرية الصاروخية الأمريكية لسوريا التى ذكرتنا بما حدث فى العراق عام ٢٠٠٣، قرر مؤتمر آستانة الأخذ بفكرة المناطق الآمنة بهدف تخفيف حدة التوتر فى سوريا، وذلك أسوة بما حدث فى العراق أيضا بعد الاحتلال الأمريكى لها، وهو ما يبشر بنجاح واشنطن فى تحقيق مآربها السياسية فى منطقة الشام، فإذا كانت إسرائيل قد عجزت عن التمدد الجغرافى فى الإقليم تحقيقا لتواجدها غير الشرعى خارج حدود قرار تقسيم فلسطين، فينبغى أن تتعرض الدول التى تهددها بصورة مباشرة بالانكماش الجغرافى، وهما سوريا والعراق من خلال تقسيمهما على أسس عرقية ومذهبية. 

وهنا ينبغى الإشارة إلى نقطتين هامتين لا ينبغى أن يغيبا عن أذهاننا فى هذه اللحظة: 

الأولى: إن مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الموسع الذى طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس منذ عام ١٩٩٦ كان واضحا لنا أهدافه، فقد استهدف بالدرجة الأولى نزع العروبة عن المنطقة العربية، لأن الإيمان بالعروبة يعنى تأخير تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، وبالتالى تأخير قبول العرب للتواجد الإسرائيلى خارج قرار التقسيم، ومن ثم فالهدف الأعلى للمشروع هو التسوية العربية الإسرائيلية وليس نشر الديمقراطية وتمكين الشعوب كما ادعى مقدمو المشروع وعرابيه من المنطقة العربية وهم كثر من مسئولين ومثقفين، وهو ما أوضحه شيمون بيريز فى كتابه «الشرق الأوسط الموسع».

الثانية: إن الوسيلة المثلى وفقا للرؤية الأمريكية لتحقيق هذه الغاية حددتها السياسة الخارجية الأمريكية فى المشروع فى ضرورة إذابة المنطقة العربية كخطوة أولى فى كيان جغرافى أوسع يتمتع بالتعدد العرقى والإثنى والدينى والمذهبى، فكان اختراع كيان يسمى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكأن شمال إفريقيا منفصلة عن الشرق الأوسط وكانت الخطوة الثانية هى تقسيم الدول العربية على أسس عرقية ومذهبية ودينية، وهو ما تم منذ عام ٢٠٠٣ فى العراق ويتم الآن فى سوريا. وهنا لابد من الإشارة إلى أن هاتين الخطوتين مقصود بهما جميع الدول العربية بلا أى استثناء وليس منطقة الشام فقط باعتبارها متاخمة جغرافيا لإسرائيل.

فإذا وضعنا ما تقدم فى الاعتبار فيمكن القول دون أى نسبة لاحتمال خطأ أن مفهومى خفض التوتر والمناطق الآمنة اللذين طرحا لأول مرة خلال اًلازمة البلقانية هما مجرد مقدمة للتقسيم الفعلى للدول، خاصة أن التجربة الواقعية فى البلقان وفى العراق تؤكد ذلك، بل إن عملية التقسيم ذاتها والإعلان عن المناطق الآمنة سبقتها خطوة ضرورية لتحقيق التقسيم الفعلى من خلال تهجير أعداد ضخمة من سكان هذه الدول مع بذل الجهود لتوطين أكبر قدر منهم فى بلاد جديدة بدلا من إعادتهم لوطنهم، كما أن من تبقى من السكان الأصليين فى بلدهم خضعوا إلى عملية هندسة اجتماعية لتكون المناطق الآمنة قائمة على التماثل السكانى من حيث منطقة كردية وأخرى شيعية وثالثة سنية، وهكذا ليسهل عليهم إعلان التقسيم الفعلى بمرور الوقت.

والغريب أن تكون أولويات المشروع بهذا القدر من الوضوح من أولى لحظاته إلا أن خبراءنا وسياسيينا فى الشرق الأوسط تناسوا كل هذا وشاركوا بهمة فى المشروع بإقامة مؤتمرات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى المنطقة، وبعض هذه المؤتمرات للأسف شهدت خلافات حادة من بعض المسئولين مثل المشادة التى حدثت بين السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصرى ووزيرة الخارجية الأمريكية عام ٢٠٠٥ خلال اجتماعات صندوق المستقبل فى البحرين، إلا أن المشادة لم تكن خلافا على المشروع نفسه ولكنها خلاف حول نوعية منظمات المجتمع المدنى التى يمكن لواشنطن تقديم الدعم لها هل هى مسجلة فى الدولة أم لا والدليل تدخل وزراء خارجية عرب لإصلاح الأمر بهدف إنقاذ المؤتمر كما ذكروا. 

كذلك من الغريب أن يكون المشروع بهذا القدر من الوضوح وأن نولى اهتماما خاصا لما سمى بأولويات التحرك السياسى العربى، والتأكيد على إعطاء أولوية لقوة كل دولة على حدة بدلا من التعاون، فإذا بالجامعة العربية بضغط من دول التمويل العربى تنزع الحكومة السورية من تمثيل بلادها فى المنظمة العربية وتسلم ليبيا للناتو لتحقيق السلام فيها، ولا أدرى أى دول كانوا ينقذون، وشعوب هذه الدول أمام أعيننا تتعرض للموت نتيجة الهجرة غير الشرعية وتتعرض للتشريد فى إطار نزوح جماعى داخلى تحقيقا للتماثل العرقى والدينى والمذهبى لكل منطقة على حدة تحقيقا لمبدأ الانكماش الجغرافى للدول العربية وخاصة فى الشام. 

ومع دخول سوريا مرحلة التقسيم الفعلى اتجهت دول كل إقليم عربى على حدة إلى ضمان أمنها الخاص دون أى اعتبارات قومية إلا إذا خدمت دول هذا الأقليم فاتجهت الدول العربية الخليجية إلى شراء الأمن من الخارج من الولايات المتحدة ومن بريطانيا القوة الاستعمارية السابقة، لدرجة أننا سمعنا رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماى تصرح بوضوح وفى ميكروفونات اجتماع بدول الخليج أن أمن الخليج جزء من الأمن البريطانى، وسمعنا رئيس أكبر دولة فى العالم يؤكد فى الإعلام أن على الدول التى تحميها أمريكا أن تدفع ثمن هذه الحماية وقد كان ودفعت. 

بناء على ما تقدم يمكن القطع بأن مستقبل الدول العربية ولا أقول أمتنا العربية لا علاقة له بما مضى من تاريخها، وأن هذا المستقبل سيؤسس على واقع هذه الدول وفقا لمبدأ أوباما الذى استخلصه لنا دافيد فريدمان من قبل، وأن هذا الواقع يشمل أن الخطوة القادمة بعد سوريا هى دول الخليج العربية، وأن هذه الدول تعانى من خفة سكانية ملموسة تتراوح بين تشكيل السكان الأصليين ١٠٪‏ فى الإمارات من مجمل عدد القاطنين فيها إلى ٦٠٪‏ من مجمل السكان فى الكويت فى أحسن الأحوال، لأن هذه الدول اتبعت سياسة سد الفراغ السكانى بفتح مجالات العمل فيها لسكان آسيويين، كما أن هذه الدول تعانى من خطايا الماضى، فثرواتها أسالت لعاب الغرب فصدر قانون جاستا فى أمريكا لتجريد هذه الدول من ثرواتها حينما يحين الوقت المناسب وبعد دفع فاتورة الحماية، خاصة أن الخليج بتقسيم سوريا قد انكشف استراتيجيا وأصبح جاهزا للالتهام، وهذا الانكشاف الاستراتيجى يرتب على مصر آثارا سلبية وأعباء استراتيجية فى منتهى الخطورة مستقبلا بنفس قدر ما يتعرض له الخليج من مخاطر. 

يزيد من المخاطر التى يتعرض لها الخليج من جراء تقسيم سوريا فراغ القوة الذى تعانى منه دوله، بالرغم من تكدس السلاح بمليارات الدولارات فيه، فالسلاح فى حاجة لمن يستخدمه، وقد أثبتت حرب اليمن أن أعداد القوات المسلحة الخليجية يتطلب التحديث، وبالرغم من إعلان واشنطون ترجيح اغتيال البغدادى زعيم التنظيم الإرهابى المعروف بتنظيم الدولة الإسلامية فى أفغانستان مما يرجح ذوبان باقى عناصر التنظيم عبر طرق عديدة فى العالم إلا أننى لن أفاجأ. إذا ما شهدت فى المستقبل تنظيما إرهابيا جديدا باسم الدولة الإسلامية فى الخليج أو مصر أو شمال إفريقيا ولكن البداية ستكون بالخليج. 

ويؤكد ذلك أن القوة فى الخليج تمثل مفهوما قديما يزيد من إضعافها وعجزها عن أداء مهامها اليوم، لأنها قوة تستند إلى أساسين فقط هما العنف ممثلا فى الجيش والشرطة والثروة ممثلة فى الاقتصاد والاقتصاد الخليجى ليس بالقوة التى تسمح له بمواجهات طويلة المدى فى ظل تدنى أسعار بيع النفط، فى حين أن القوة بمفهومها الحديث تقوم على ثلاثة مقومات أساسية هى العنف والثروة ثم المعلومة، وغياب أى عنصر منها يصيب الدولة بحالة من العرج فى الدفاع عن نفسها، فالمعلومة لم تعد رفاهية يمكن الاستناد إليها أو الاستغناء عنها، فقد أصبحت أساس التعليم والثقافة والحكم، أى أنها أساس الهوية والتعبير عن الذات، ويكفى أن نشير إلى أن دولة بحجم الاتحاد السوفيتى سقطت لأنها كانت دولة عرجاء اعتمدت فى حكمها على قوة ثنائية الجوهر استنادا إلى الجيش والمخابرات والشرطة وما تملكه من موارد، مِمَّا دعا أحد أبرز أساتذة العلوم المستقبلية عام ١٩٩٠ إلى التنبؤ بأن جميع هياكل السلطة والقوة فى العالم تتعرض للانهيار لافتقادها إلى المعلومة وقد صدقت نبؤته بالانهيار السوفيتى المدوى. 

أما الطرف الآخر من معادلة القوة فى المنطقة فهو الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا معا، فبريطانيا كما نعلم لم تستطع حماية استمرار تواجدها من قبل بالمنطقة كقوة استعمارية ولم يتغير شيئا للآن، أما أمريكا فقد شهدت تحولات يجدر بِنَا أن نتذكرها لاهميتها.

أول هذه التحولات هى إصدار الرئيس ترامب قرارا بتكليف وزارة الدفاع الأمريكية أو البنتاجون بتولى كافة الأمور المتعلقة بسوريا ومكافحة الاٍرهاب، وهذا يعنى تنصل الرئيس من أى مسئولية داخلية أمام الرأى العام بالقرارات المتعلقة بسوريا وجعل هذه المسئولية من اختصاص البنتاجون بما فى ذلك قرار التدخل العسكرى المباشر. وثانى هذه التحولات إعلان البنتاجون رسميا بعد ذلك أن الطيران الحربى الأمريكى ومعه قوات التحالف الدولى ضد داعش والقاعدة سيواصل توجيه ضربات جوية ضدهما فى كل مكان، حتى لا يبقى لهما ملاذا آمنا وأن مناطق التوتر فى غرب سوريا - وهى المناطق الآمنه - ستكون آمنه وباقى سوريا معرض للضرب، وثالث هذه التطورات أن واشنطون تبحث حاليا عن دور لا غنى عنه لقوات أفريكوم الموجودة فى ألمانيا لمكافحة الاٍرهاب فى إفريقيا وشمالها لمحاربة الجماعات الإسلامية على جانبى خط التماس العربى الإفريقى فى تشاد والنيجر ومالى ونيجيريا والجزائر ووليبيا وتونس والمغرب وقد تم مناقشة هذه الأفكار فى اجتماعات الشبكة الاستراتيجية لدول شمال إفريقيا لمعهدى جنوب آسيا وإفريقيا التابعين لوزارة الدفاع الأمريكية على مدار عام كامل. 

وفى النهاية تكمل واشنطون حصارها للمنطقة العربية باعلانها اليوم ٦ الجارى عن أكبر صفقة سلاح تركى للسعودية لتؤكد أن تركيا رغم كل مشاكلها مازالت تسعى إلى التغلغل فى البحر الأحمر وحصار مصر من الجنوب بدعم عربى خليجى، بينما إيران تعلن عن توقيع عقود جديدة للنفط بحوالى ٨٠ مليار دولار وهى عقود لا يمكن توقيعها إلا إذا كان الاتفاق النووى الأمريكى الإيرانى ساريا وهو ما يؤكد أن أى حديث عن إعادة التفكير الأمريكى فى الاتفاق مسألة لا تستحق مجرد التوقيع، لأن الاتفاق ليس هدفه عدم إنتاج إيران للسلاح النووى كما يتصور البعض، ولكنه يستهدف إعادة صياغة توجهات السياسة الخارجية الإيرانية ككل عامة وفى الإقليم خاصة، وهو هدف قابل للتحقيق بصورة أكثر فعالية إذا كانت كل دول الخليج مجموعة دويلات ليس من بينها منافس لإيران.

ومن ثم فالخلاف أن الشرق الأوسط يشمل نظامين إقليميين أحدهما النظام الإقليمى العربى الذى يتعرض لمزيد من الانهيار والثانى النظام الشرق أوسطى والذى يضم الدول العربية وإيران وإسرائيل وتركيا وإثيوبيا وهو نظام أخذ فى الصعود ويزداد قوة لحظة بعد أخرى مما يضع علامات استفهام عديدة حول اتفاق السراج وحفتر وجدواه وَمِمَّا يضع علامات استفهام حول مستقبل الخليج وشمال إفريقيا وَمِمَّا يضع علامات استفهام جديدة حوا انتخاب رياض سيف رئيساً جديدا لائتلاف المعارضة السورية الذى أعلن عنه وَمِمَّا يستدعى إعادة تعريف مصالح مصر فى الإقليم وأفضل السبل لتحقيقها من خلال إنشاء مركز للدراسات المستقبلية يسابق الزمن ويأخذ بزمام الحديث فى العلم الذى فرضته أكبر ثورة علمية فى تاريخ البشرية وهى الثورة الرقمية التى شملت الحاسبات الآلية والنانو تكنولوجى والبيوتكنولوجى فى تفاعلها معا وليس كل علم على حدة.