رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


رئيس جديد للفرنسيين بلا ظهير سياسى .. ويدعوهم للعمل!

10-5-2017 | 12:52


بقلم –  عبدالقادر شهيب

كما توقعت استطلاعات الرأى الفرنسية، ورغبت كل الأحزاب والقوى السياسية، باستثناء حزب واحد ومعها معظم الدول الأوربية، وعلى عكس ما رغب الذين قاطعوا الانتخابات الفرنسية الرئاسية «١٢ مليون ناخب» أو الذين تركوا أوراق التصويت بيضاء «٤ ملايين بطاقة»، فقد فاز الشاب ماكرون «٣٩ عاما» بأغلبية أصوات الناخبين الفرنسيين «أكثر من ٦٥٪ من الأصوات»، وصار أصغر رئيس لفرنسا ويدخل قصر الإليزيه بدون قوة سياسية تدعمه فى البرلمان، وبدون حكومة جديدة تسانده لتحقيق برنامجه الانتخابى الذى تقدم به إلى الفرنسيين، بل إن بعض من أيدوه فى مواجهة لوبان خلال جولة انتخابات الإعادة سواء فى اليمين أو اليسار سوف يتحولون منذ اليوم إلى معارضين له!.

وهكذا فإن فرنسا مقبلة على تجربة رئاسية جديدة لم يسبق لها أن خاضتها من قبل .. حيث صار لها رئيس شاب بدون ظهير سياسى سواء فى الحكومة أو البرلمان، أكثر من ثلث الناخبين فى فرنسا تجاوبوا مع ممثلة اليمين المتطرف ومنافسته فى الانتخابات «لوبان» وسوف يناصبونه بالطبع العداء بينما سوف يعارضه الأغلب الأعم ممن منحوه أصواتهم فى انتخابات الإعادة «ثلثهم تقريبا»، لأنهم فعلوا ذلك مضطرين خوفا من وصول لوبان إلى قصر الإليزيه! .. وبهذا المعنى فإن الانتخابات الفرنسية الرئاسية الأخيرة تنطق بالكثير.

هى تنطق أولا بأن استطلاعات الرأى فى فرنسا أكثر مصداقية من استطلاعات الرأى الأمريكية التى روج من قاموا بها طوال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لفوز هيلارى كلينتون فيها، وجاءت نتائج الانتخابات على عكس ما روجوا، حيث فاز ترامب بهذه الانتخابات.. ولعل ذلك يؤكد أن استطلاعات الرأى فى فرنسا لم تكن موجهة كما كان الحال فى أمريكا.. فهى فى فرنسا كانت استطلاعات رأى حقيقية اتسمت بالموضوعية ولذلك صدقت نتائجها، سواء فى المرحلة الأولى للانتخابات أو فى المرحلة الثانية «مرحلة الإعادة» .. بل إن نتائج الانتخابات جاءت قريبة جدا من نتائج هذه الاستطلاعات .. بينما استطلاعات الرأى فى أمريكا كلها خابت وبدا للأمريكيين أنها كانت مفبركة، مثلها مثل الادعاءات الأمريكية الشهيرة الكاذبة بوجود أسلحة دمار شامل» نووية وكيماوية« فى العراق، وهى الادعاءات التى بررت بها الإدارة الأمريكية فى عهد بوش الابن غزو العراق، وهو الغزو الذى أفضى فى نهاية المطاف إلى تقويض دولته الوطنية وتسريح جيشه وتقسيمه عمليا وتسليم مقاليد أموره للإيرانيين وسيطرة تنظيم داعش الإرهابى على مساحات شاسعة من أراضيه، مازال العراقيون يقاتلون من أجل استردادها منه وطرد الإرهابيين منها.

كما تنطق أيضا الانتخابات الفرنسية الرئاسية بفشل عدوانية لوبان التى اعتمدت فى معركتها الانتخابية على سلاح الهجوم الشخصى الحاد على المنافسين سواء فى المرحلة الأولى للانتخابات أو المرحلة الثانية منها .. فإن هجومها السافر على ماكرون لم يجذب لها أصوات الناخبين الفرنسيين كما كانت تأمل، وعلى غرار ما حدث فى الولايات المتحدة، حيث جذب ذلك لترامب عددا من أصوات الناخبين الأمريكيين.. وهذا يعنى أن ما يصلح فى أمريكا ليس بالضرورة يكون صالحا فى فرنسا؛ بل إنه أضر بمرشحة اليمين المتطرف الفرنسى.. ولعل بعض من بدأوا يهتمون بالانتخابات الرئاسية فى مصر يتفهمون ذلك، خاصة أن بعضهم يتخيل إمكانية استنساخ تجربة ترامب فى مصر!

كذلك تنطق الانتخابات الفرنسية الرئاسية أيضا بارتفاع الوعى السياسى، سواء لدى الأحزاب والقوى السياسية الفرنسية أو لدى الناخبين الفرنسيين .. ففور ظـهور نتائج الجولة الأولى لهذه الانتخابات سارع معظم الذين تنافسوا فيها من المرشحين إلى مطالبة الناخبين الفرنسيين بمساندة ودعم ماكرون فى مواجهة مرشحة اليمين المتطرف فى فرنسا «لوبان»، وهو ذات ما فعله الرئيس الفرنسى المنتهية ولايته «هولاند» أيضا.. وذلك على عكس ما فعله سياسيون ونشطاء فى مصر سواء من الليبراليين أو اليساريين الذين دعموا مرشح الإخوان فى انتخابات الرئاسة المصرية وأسهموا فى تسليم الإخوان حكم مصر، وهو الحكم الذى اتسم بالفاشية والاستبداد ومازلنا نعانى آثاره وتداعياته وأضراره حتى الآن وندفع ثمنه باهظا، من أرواح أبنائنا الذين يسقطون كل يوم شهداء خلال الحرب التى نخوضها ضد الإرهاب، الذى مكن الإخوان تنظيماته من رقابنا.. ولذلك يمكننا القول بدون تجاوز إن هناك نسبة ليست بالقليلة من الناخبين الفرنسيين صوتوا فى جولة الإعادة للانتخابات الفرنسية أساسا ضد لوبان وليس مع ماكرون.. ويمكن تقدير هذه النسبة بمقارنة نسبة الأصوات التى حاز عليها ماكرون فى الجولة الأولى للانتخابات «أكثر قليلا من ٢٣٪» .. وبين النسبة التى حصل عليها فى الجولة الثانية «أكثر من ٦٥٪ » .. وهكذا نحن نتحدث هنا عن أكثر من ٤٠٪ من أصوات الناخبين منحوه أصواتهم ليس حبا فيه وإنما كرها فى لوبان وخوفا من اقتحام اليمين المتطرف لقصر الإليزيه، وما سوف يترتب عليه من تغييرات فى السياسات الداخلية لفرنسا «أبرزها معاملة المهاجرين والمسلمين والسياسات الداخلية أبرزها العلاقة مع أوربا» .. وهؤلاء منهم من سوف يتحول من اليوم وبعد فوزه بالمقعد الرئاسى إلى معارضين له، كما قال ذلك بعضهم صراحة.. وهنا يمكننا تبين الموقف الصعب الذى يجد نفسه فيه الرئيس الفرنسى الشاب الجديد، وهو ما سوف يتنبه بشكل أوضح بعد أن يستمتع بلحظات الفرح التى شعر بها هو ومؤيدوه لفوزه الكبير الذى حققه ونجاحه الضخم الذى أنجزه فى هذا العمر، وبعد فترة استعداد قصيرة لهذه الانتخابات لم تتجاوز العام منذ أن استقال من الحكومة وقرر أن يشكل حزبا أو حركة سياسية جديدة «إلى الأمام»، وهى الحركة التى أضفى عليها طابع العودة إلى «الوطنية الفرنسية»، وهى وطنية غير شوفينية على غرار لوبان، لأنها جعلته يتمسك بالوحدة الأوربية فى ذات الوقت، الذى يهتف تحيا أو عاشت فرنسا كما أنهى خطاب الفوز وسط مؤيديه الذين احتشدوا أمام متحف اللوفر.

ولعل ذلك يذكرنا بتجربة الرئيس السيسى فى مصر الذى انتخب بأغلبية كاسحة من أصوات الناخبين وبدأ يمارس مسئولياته كرئيس لمصر بدون ظهير سياسى، وأيضا تحول بعض من كانوا فى مقدمة مؤيديه إلى صفوف المعارضة، وإن كان ذلك احتاج ليحدث بعض الوقت انتظروا فيه أن يحصلوا على ثمن تأييدهم له لأنهم لم يصدقوا ما قاله مبكرا قبل الانتخابات إنه ليس مدينا لأحد بشيء، وليس لديه فواتير يتعين أن يسددها لأحد.. غير أن أمر الرئيس الفرنسى الجديد مختلف.. فهو مضطر لسداد فواتير من ساندوه فى الانتخابات حتى يشكل حكومة لا تسير فى خطى متناقضة لخطاه السياسية وتعطل له تنفيذ برنامجه الانتخابى، وحتى يضمن أن تحظى هذه الحكومة بدعم البرلمان الفرنسى الذى لا يوجد داخله نائب واحد ينتمى لحزبه أو حركته السياسية الجديدة، وهو الوضع الذى سوف يسعى بكل قوة أن يتغير فى الانتخابات البرلمانية المقبلة فى فرنسا .. وحتى يتحقق ذلك ليس أمام ماكرون سوى سداد فواتير فوزه للقوى السياسية المختلفة سواء فى اليمين أو اليسار. لكن لعل الذى لا يختلف فيه الرئيس الفرنسى الجديد عن الرئيس المصرى كثيرا هو الدعوة التى وجهها فى خطاب الفوز للفرنسيين بالتفاؤل والعمل.. التفاؤل بمستقبل أفضل لفرنسا وبغد أحسن للفرنسيين.. والعمل من أجل صنع هذا المستقبل وبلوغ هذا الغد.. وهذا ما سبق فيه الرئيس السيسى الرئيس ماكرون حينما طالب حتى أثناء الانتخابات الرئاسية. ومازال يطالب المصريين بالعمل الذى أضاف إليه أيضا الصبر على المكاره والصعاب وتحمل المشاق.. وفى ذات الوقت حمل للمصريين التفاؤل بالمستقبل.. وهكذا العمل والتفاؤل ليست وصفة مصرية فقط، ولكنها وصفة صالحة لكل الشعوب.