قطعة اللحم.. أم رغيف الخبز وطبق الفول؟!
بقلم – د .نادر نور الدين
حين تعلن وزارة الزراعة عن مشروع تربية مليون رأس بتلو، فهذا يعني أن وزارة الزراعة تمتلك وفرة من المياه تكفي لاستصلاح مليون فدان لأن تربية العجل الواحد تستهلك مياها طوال العام ما يكفي لري فدان كامل، وبالتالي يبدو الأمر أنه ليس هناك أزمة مياه لمشروع المليون ونصف المليون فدان قدر ما هناك أزمة تخبط وإدارة بين وزارتي الزراعة والري، بالإضافة إلى أزمة تحديد الأولويات المطلوبة للمرحلة القادمة من مشروع تربية المليون رأس، وهل استراتيجية وزارة الزراعة ترى أن توفير قطعة اللحم للمواطنين أهم من توفير رغيف القمح وطبق الفول وزيوت الطعام والعدس والسكر!، وهل العائد من المتر مكعب من المياه في تربية المواشي في مناخ مصر الجاف الحار الذي يرفع معدلات احتراق الدهون واللحوم داخل العجول ويقلل من معدلات البناء وتكوين اللحم والتي تكون على أشدها في المناخ البارد، سيكون أعلى من العائد من المتر المكعب من المياه المستخدم في زراعة الحاصلات الاستراتيجية؟! علميا وطبقا لجميع الإصدارات الخاصة بالأمم المتحدة ومنظمات الأغذية والزراعة والبنك الدولى وبرنامج الغذاء العالي ومنظمة الأمم المتحدة للمياه فإن العائد من استخدام المياه في الحاصلات الأساسية والاستراتيجية أعلى كثيرا من العائد من وحدة المياه المستخدمة في تربية العجول ولذلك لا تكون مشروعات تربية العجول إلا في البلدان وفيرة الأمطار وذات المراعي والمروج الطبيعية التي لا تكلف المربين زراعة أعلافا خضراء أو جافة (ذرة وصويا ....) وغيرها من التكاليف الثابتة في دولة جافة وحارة مثل مصر.
الأمر الثاني أن هناك مساحات ضمن مشروع المليون الفدان مخصص لها فعليا المياه اللازمة لها ومنذ عشرين عاما ممثل فى مشروع توشكى في مرحلته الأولى والتي تبدو أنها الأولى والأخيرة بمساحة ٥٤٠ ألف فدان حيث خصصت لها وزارة الري مقننا يبلغ ٥ مليارات متر مكعب، أي بمعدل عشرة آلاف متر مكعب للفدان الواحد، وهو مقنن يبلغ ضعف المقننات التي تخصصها الوزارة نفسها لأراضي الاستصلاح في الشمال لزراعة نفس المساحة في شمال الدلتا؛ لأن حرارة جنوب الوادي تجعل إنتاج الغذاء في محافظات صعيد مصر مكلفا للغاية ومستهلكا لضعف كمية المياه التي تستهلكها نفس الزراعات في الشمال؛ ولذلك نجد أن جميع مشروعات استصلاح الأراضي الناجحة في مصر تقع في الشمال وليس في الجنوب مثل النوبارية والصالحية ووادي الملاك ورمسيس ومديرية التحرير بقطاعيها الجنوبي والشمالي ثم مشروع وادي النطرون وبعض الزراعات القليلة في مدينة السادات وغيرها، هناك أيضا مشروع ترعة السلام أو مشروع تنمية شمال سيناء بمساحة ٦٢٠ ألف فدان منها ٤٠٠ ألف فدان في شمال سيناء ومخصص لها ٤.٤ مليار متر مكعب من المياه نصفها من مياه النيل من فرع دمياط (٢.١ مليار متر مكعب) بالإضافة إلى نصف آخر من مياه الصرف الزراعي لمصرفي بحر حادوس والسرو (بمقنن ٢,٣ مليار متر مكعب)، بما يعني أن هناك إفراطا في التقدير وأن الفدان من الأرض في شمال سيناء تم تقدير عشرة آلاف متر مكعب أيضا من المياه رغم المناخ البارد والأمطار الشتوية، ورغم أن الترعة الناقلة للمياه مبطنة وجزء منها سوف يعبر منطقة الكثبان الرملية عبر مواسير والأمر يحتاج إلى إعادة تقنين بحيث لا يزيد مقنن الفدان على خمسة آلاف متر مكعب سنويا أي نصف المقدر حاليا لتوفير المياه مع حتمية تخصيص وحدة لمعالجة المياه على مصرفي حادوس والسرو بسبب كم الصرف الصحي الذي يصب في المصرفين بما يعني تلوث التربة البكر في أراضي شمال سيناء وإنتاج حاصلات لا ينطبق عليها مواصفات سلامة الغذاء وبالتالي ستكون ممنوعة من التصدير بسبب استخدام مياه ملوثة في ريها.
وأعتقد أن الأمور لو سارت في اتجاه استخدام شبكات الري المقنن بالتنقيط والرش فإن الحصة المأخوذة من مياه النيل بفرع دمياط والسابق ذكرها ٢.١ مليار متر مكعب سنويا سوف تكون كافية ونظيفة لزراعة الزمام البالغ ٤٠٠ ألف فدان في شمال سيناء بمعدل ٥ آلاف متر مكعب للفدان وهو مقنن كافٍ تماما وبزيادة لهذه المنطقة الباردة الممطرة شتاء والمعتدلة صيفا.
الغريب في الأمر أن الذين يستثمرون في زراعة أراضي مدينة السادات وفي وادي النطرون محدودة المياه وأيضا غير المتجددة لمياه الآبار ولا يزيد عمر مخزون المياه بها عما يكفي للزراعة لأقل من ٥٠ سنة فقط هم أكثر من يعترضون على مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، فما هو حلال عليهم ويعتبرونه استثمارا زراعيا يستحق الإعجاب ويستحق دعم الدولة لهو حرام على الدولة؛ بل إن كلا منهم لقب نفسه بالخبير الزراعي بدلا من المستثمر الزراعي رغم أن المستثمرين الكبار في قطاع الزراعة في مصر مثل حامد الشيتي وعائلة دياب لا يطلقون على أنفسهم لقب خبير زراعي أبدا ويكتفون بحقيقة واقعهم كمستثمرين في القطاع الزراعي يستفيدون من خبراء الزراعة من مصر ومن خارجها في تطوير زراعاتهم وزيادة إنتاجهم.
القمح ومعارض سلع رمضان
يخطئ كثيرا الدكتور على مصيلحى وزير التموين حين يعلن أن المستلم من القمح هذا العام لن يقل عن ٤ ملايين طن؛ لأن هذا يفتح باب الفساد الذي حدث في العامين الماضيين ويكرر مأساة التوريد الوهمي؛ لأن وزير التموين يعتبر أن زيادة القمح المورد إنجاز للوزارة وهذا غير صحيح، فالأمر الصحيح أن يعلن الوزير أن الوزارة ستقبل استلام جميع كميات القمح المحلي المطابق للمواصفات ومن إنتاج هذا العام فقط من المزارعين مهما بلغت كميته ودون تقدير للكميات المتوقع توريدها للدولة حتى لا تكون عبارة المستهدف هي تحفيز لأصحاب الصوامع والشون لزيادة رصيدهم وهميا من القمح المورد من أجل سعادة وزير التموين وتحقيق ما يعتبره إنجازا باستلام كميات كبيرة من القمح المحلي حتى لو كانت وهمية أو دفترية فقط أو مخلوطة بأقماح مستوردة رخيصة خاصة أقماح الأعلاف.
هذا الأمر يعلنه وزير التموين بعد أن بالغ في تخفيض سعر القمح المحلي الذي تتسلم به الدولة القمح من المزارعين بمبلغ ٥٥٥ جنيها فقط للأردب بينما يبلغ سعره العالمي مابين ٦٥٠ إلى ٧١٥ جنيها للأردب من قمح الدرجة الثانية التي نستوردها بينما القمح المصري الحالي بدرجة نظافة ٢٢.٥ يصنف على كونه قمحا من الدرجة الأولى وهو ما دفع التجار إلى إرسال رجالهم لتجوب القرى المصرية لتشتري من الفلاحين قمحهم المصري الفاخر بسعر يتراوح بين ٦٢٠ إلى ٦٥٠ جنيها للأردب ليكون أرخص من سعر ما يستوردونه من القمح الأقل جودة مع توفير أعباء تدبير الدولارات اللازمة للاستيراد ومعها عمولة البنوك لفتح اعتمادات التصدير والتأمين على السفن، ثم تكاليف النقل البحري والتفريغ في المواني المصرية ثم النقل البري من المواني إلى جميع المحافظات، لأن القمح المصري موزع فعليا على جميع المحافظات ولا يتطلب النقل، فمصانع القطاع الخاص للمكرونة ومطاحنهم ومخابزهم للرغيف الحر ورغيف السوبر ماركت والدقيق منتشرة في جميع المحافظات، بالإضافة إلى ما سيستفيد به الفلاح من تسليم القمح على أرضه وتوفير نفقات سيارة النقل للذهاب إلى الصوامع أو الشونة للتوريد وما يصاحبها من طوابير انتظار طويلة قد تستمر ليومين ولثلاثة أيام يسدد عنها إيجار السيارة النقل بالكامل بالإضافة إلى إكراميات وشاي لجان الفرز والحمالين لتعتيق الحملة وغيرها، وفي النهاية ستكون الدولة هي الخاسرة؛ لأن ما سيذهب للتجار من القمح المحلي المخصص لرغيف الغلابة المدعم ستقوم الدولة باستيراد مثيله من الخارج أقل جودة وسيكبدها تدبير العملة الصعبة وما يصاحبها من إجراءات بنكية وتأمين ونقل بحري وبري وتفريغ بسبب تكرار وقوع الحكومة في الخطأ وعدم استيعابها تجربة استيلاء التجار (بالحلال وبالقانون) على محصول الأرز المصري بالكامل ثم قيام الحكومة بشرائه من التجار بضعف الثمن الذي رفضت دفعة للمزارعين لشراء الأرز.
الأمر الثاني أنه لا ينبغي مقارنة المتسلم أسبوعيا من القمح من المزارعين هذا العام بمثيله في العام الماضي الذي ثبت فسادده وعدم صحته واعتبار أن تفوق التوريد هذا العام عن مثيله في نفس الوقت من العام الماضي إنجاز كبير وهو خطأ حكومي متكرر، في حين أن الواقع الثابت يشير إلى أن المعدلات الطبيعية وبالمجاملة والثابتة لمدة خمس سنوات منذ عام ٢٠١٠ وحتى عام ٢٠١٥ كانت لا تتجاوز ٣.٥ مليون طن قمحا فقط وكانت قبلها مباشرة لا تتجاوز ٢.٥ مليون طن فقط، لذلك قلنا إن معدل ٣.٥ مليون طن بالمجاملة وباستغلال الظروف والانحلال المصاحب لثورة ٢٥ يناير، وتقديري الشخصي من خلال عملي بهيئة السلع التموينية وخبراتي الميدانية أن المحصول الحقيقي في الظروف الطبيعية المورد للدولة وبغير منافسة القطاع الخاص للدولة في تسلم القمح من المزارعين لا ينبغي أن يزيد على ٢.٥ – ٣ ملايين طن سنويا، وأي كميات تفوق هذه الكميات لهو توريد وهمي أو خلط للقمح المستورد الرديء مع القمح المصري وهو الأمر الذي ينبغي أن تنتبه إليه الجهات الرقابية في الدولة بالتعاون مع اللجان البرلمانية ومباحث التموين ومباحث الأقسام والبحث الجنائي.
وفي نفس السياق في متطلبات وزارة التموين وعنايتها بالمواطن هو إصرارها على قيام معارض سلع رمضان كل عام سوى، اعتبار أن هذه المعارض مصدر لتحصيل رسوم من المشاركين تحمل على أسعار السلع المعروضة ويتحملها المواطن، فللدولة نحو ٣٥٠٠ جمعية تعاونية بخلاف ٢٥ ألف بقال تمويني والأفضل أن تفعل وزارة التموين ما تفعله في الأوكازيون الشتوي للملابس والأجهزة بأن تعرض جميع مستلزمات رمضان في منافذها السابقة بتخفيضات يرضى عنها المستهلك مع الاتفاق مع جميع أصحاب السوبر والهايبر ماركت بإجراء تخفيضات مماثلة لما تفعله في الأوكازيون وأن تستمر هذه التخفيضات لمدة شهر بدءا من منتصف شهر شعبان وتنتهي في منتصف شهر رمضان مع السماح بامتداد فترة التخفيضات على السلع الغذائية حتى نهاية الشهر الفضيل لمن يرغب، وبالتالي فلا حاجة إلى معارض رمضان ولا غيره والتي لا يجني منها الغلابة سوى الزحام الخانق ووجود النشالين والسارقين والادعاء بوجود تخفيضات بالكذب، أما استفادة الدولة بالبقالين التموينيين المنتشرين في القرى والنجوع وأيضا لمشروع جمعية أسرتي في تموينهم بالسلع المخفضة، فهو كفيل بوصول هذه السلع إلى جميع المناطق الفقيرة والعشوائية في مصر.
الشيء الذي أود اختتام مقالنا به هو مناشدة وزارة الأوقاف ولجان الزكاة ومشروع مصر الخير بالتوسع هذا العام في إقامة موائد الرحمن في المناطق الشعبية والعشوائيات والقري والنجوع بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار هذا العام وانقراض الطبقة الوسطى ومعاناة بعض الأثرياء الذين اعتادوا إقامة موائد رمضان من الركود أو من تراجع دخلهم، وبالتالي فإن لجان الأزهر والأوقاف ومصر الخير ولجان الزكاة يمكن أن تسد هذا العجز لهذا العام إلى أن تعود الحياة إلى الرواج قريبا في مصر بمشيئة الله.