تشهد المنطقة العربية العديد من المؤامرات التي تحاول النَيل منها وتفتيتها، في ظل التمسك الذي تشهده بعض الدول العربية من قبل إدارة سياسية حكيمة تحاول على قدر الإمكان أن تجمع شمل تلك الدول مرة أخرى، وهو ما نجح فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ أن تولى الملف الخارجي والعمل عليه لسنوات عديدة، جاءت في مقدمات هذه المؤتمرات قضية سد النهضة والقضية الفلسطينية.
وفي حواره مع «دار الهلال»، أكد اللواء تامر الشهاوي، الضابط بالمخابرات الحربية وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري السابق، أن إثيوبيا لديها نوايا سيئة في التعامل مع مصر، وتسعى لكى تبيع مياه النيل، وما حدث في أزمة سد النهضة نوع من البلطجة الإثيوبية في فرض سياسة الأمر الواقع، وأن الرئيس السيسي أكد أن حصة مصر المائية خط أحمر وكل الخيارات متاحة لحماية حقوقنا المائية، لافتًا إلى أن القضية الفلسطينية في عهد الرئيس السيسي، مركزية بالنسبة لمصر لأنها حصن فلسطين القوي المتين، وإلى نص الحوار:
** في البداية.. طرحت سؤالا في مقال لكم عن القضية الفسطينية بعنوان لماذا ندعم فلسطين؟.. ماذا كنت تقصد؟
في الحقيقة كنت أقصد أن القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى منذ عام 1948، واحتلت الاهتمام الأكبر من جميع الزعماء المصريين خاصة بعد الجلاء البريطاني عن مصر، إلا أن كل رئيس تعامل معها بطريقة مختلفة، حيث كان جمال عبد الناصر يعتبرها جزءا من الأمن المصري، وليست مجرد قضية فلسطينية، لذا كان ينظر إليها وكأنها جزء من مصر، وعندما تولى الرئيس السادات تغيرت الأوضاع قليلا بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد التي اهتمت بتحقيق السلام مع مصر وفي نفس الوقت المطالبة بحصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقة وعندما تولى الرئيس مبارك سار على نفس نهج سلفه السادات، لكن ظل التعامل المصرى مع القضيه الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى والعربى.
** ماذا عن موقف مصر مع القضية الفلسطينية في عهد الرئيس السيسي؟
بعد تولي الرئيس السيسي ظلت القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لمصر، وبذلت مصر العديد من الجهود لوقف إطلاق النار لتجنب المزيد من العنف وحقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يدفعون ثمن مواجهات عسكرية لا ذنب لهم فيها، فضلا عن الجهود الإنسانية التي قدمتها مصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين والمساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطيني.
**حدثنا عن مساعي مصر وموقفها من القضية الفلسطينية في ظل الاعتداءات الصهيونية؟
مصر دائما رائدة وفي ظل حربها ضد الإرهاب ومواجهة المشاكل الاقصتادية وجدنا الرئيس عبد الفتاح السيسي يعلن خلال لقاءاته مع المسؤلين الفلسطنيين وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس، أن مصر موقفها الداعم للقضية الفلسطينية فى كل المحافل الدولية وحددتها فى محاور وهى:
- أن مصر ستواصل مساعيها الدؤوبة من أجل إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
- التوصل لتسوية عادلة وشاملة من شأنه أن يدعم استقرار المنطقة ويساهم في الحد من الاضطراب الذي يشهده الشرق الأوسط.
- ضرورة الحفاظ على الثوابت العربية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
- دعم الفلسطينيين في خطواتهم المقبلة سواء بالمشاركة في تنفيذ المبادرة الفرنسية، أو الذهاب لمجلس الأمن الدولي.
** ما أهمية غزة بالنسبة لمصر؟
كما قيل أن مصر هبة النيل لِما لهذا النهر من أهميةٍ قصوى في رفد مصر بشريان الحياة، فبدونه يبدو من الصعب أن تنبض الحياة فيها، وكما أن النيل مهم لأمن مصر الغذائي والاقتصادي؛ فإن فلسطين عموما ومدينة غزة على وجه الخصوص لهما أهمية حيوية لأمن مصر القومي، ومن خلالهما تعرّضت ولا زالت تتعرّض لخطر الغزو الخارجي.
أدرك حكّام مصر عبر التاريخ مبكّرا أهمية غزة؛ فعمدوا دوما لوضعها تحت سيطرتهم الفعلية المباشرة؛ لأن المسافة الجغرافية الفاصلة بين تجمّعات المصريين العمرانية في الدلتا ووادي النيل من جهة، وبين غزة من جهةٍ أخرى شاسعة للغاية، خصوصا مع وجود صحراء سيناء الخاوية تقريبا من التحصينات الأمنية، التي تُعتبر خاصرة مصر الضعيفة؛ لذلك ارتبطت غزة تاريخيا وجيوستراتيجيا بمصر منذ القدم؛ فلا تخلو حقبة تاريخية إلا واهتم حكام مصر بها؛ فعينوا فيها ولاة إما مصريين، أو من السكان الأصليين يأتمرون بإمرتهم، وعندما تكون مصر قوية عسكريا، تأمن من جانب غزة أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية.
وعندما تفتر هذه القوة يُصبح أمنها القومي في مهب الرياح، وقد تتعرض للغزو والاحتلال المباشر، كما حدث عندما غزاها الهكسوس والفرس واليونان والرومان، ومن هنا، اكتسبت غزة أهمية خاصة عند صانع القرار في مصر؛ فعمد إلى منحها المزيد من الاهتمام العسكري والأولوية الجيوستراتيجية ويبلغ تعداد سكانها حاليا حوالى ٢ مليون مواطن ومساحتها ٣٦٠ كيلو متر،زإذ تمثل 2% تقريبا من إجمالى مساحه أرض فلسطين المحتلة.
وتنبع أهمية فلسطين من قيمتها الدينية؛ حيث اختارها الله سبحانه وتعالى من بين بقاع الأرض لتكون موطنا لمعظم الأنبياء، ويوجد فيها أطهر وأقدس دور العبادة بعد المسجد الحرام، والمسجد النبوي، ولقد أُسري بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى أرض فلسطين، وصلى بالأنبياء جميعا في هذه الأرض المُباركة، ومن هذا المنطلق فإن من يُدرك قيمة فلسطين الدينية يُدافع عنها، ويفديها بالغالي والنفيس فهى مسكن الأنبياء.
** حدثنا عن أرض فلسطين؟
لأرض فلسطين تاريخ عريق، لأن معظم قوى العالم مرت من أرض فلسطين؛ إذ شهدت هذه الأرض حكم كل من: «البابليين، والإغريقين، والفرس، والرومان، واليهودية، والمسيحية، والإسلامية»، كما شهدت فلسطين خلافة الخلفاء الراشدين، والخلافة الأموية، والعباسية، والدولة الطولونية، والإخشيدية، والفاطميه، والعصر الأيوبي، والمملوكي، والعثماني، وفي العصر الحالي تقبع فلسطين تحت غطرسة الاحتلال الصهيوني.
** ماذا عن القضية الفلسطينية في الفترة الحالية؟
تعتبر قضية القدس أهم وأخطر قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية برمتها، وتبذل إسرائيل قصارى جهدها للتسويف في إيجاد حل لقضيتها، في محاولةٍ منها لتحقيق مشروعها التهويدي في مدينة القدس، ولإفراغها من سكانها العرب الأصليين، ويحلو للبعض الفلسطيني القفز على الحقائق التاريخية، بجعلهم لظاهرة الانقسام الداخلي الفلسطيني بين حركتي فتح حماس بأنها السبب الرئيس لمشروع إسرائيل التهويدي في مدينة القدس، ولتفشي الاستيطان في كافة أرجاء الضفة الغربية، غير أن هذا الطرح لا يخلو من سطحية سياسية لأن مشاريع التهويد والاستيطان سبقت ظاهرة الانقسام الفلسطيني بزمنٍ بعيد، ومع ذلك يبقى الانقسام سببا من أسباب تسريع المشاريع الإسرائيلية وليس سببا رئيسيا.
ويجب على طرفي الانقسام الفلسطيني، تسريع وتيرة العمل بكل طاقتهما لتحقيق المصالحة السياسية والمجتمعية بينهما لكي يسدا ثغرة استفاد ولا يزال يستفيد منها عدوهما المركزي، وبدون تحقيق هذه المصالحة سوف تبقى القضية الفلسطينية ولا سيما قضية القدس دون حل؛ فالقيادات الإسرائيلية المتعاقبة تراهن بذكاءٍ لا يدركه طرفي الانقسام على بقاء هذا الانقسام، لتحقيق مآربها التهويدية والاستيطانية في القدس وكافة مدن الضفة الغربية.
** هناك أصوات وآراء تجزم أن ظهور حركة حماس يؤكد نجاح الموساد الإسرائيلي في شق الصف الفلسطيني.. ما تعليقك؟
لا شك أن الظهور القوى لحركة حماس الفلسطينية فى غزة أحد أذرع جماعة الإخوان المسلمين كان من نجاحات أعمال جهاز الموساد الاسرائيلي لشق الصف الفلسطينى وإنهاء القضية الفلسطينية ولم ولن ينسى الشعب المصرى ماقامت به حركة حماس في أحداث يناير 2011.
** ماذا عن سيطرة حماس على قطاع غزة وصفقة القرن التي تسعى إليها إسرائيل بدعم أمريكي؟
علينا أن ندرك أنه رغم سيطرة حركة حماس على قطاع غزة إلا أن عناصر الحركة لا تمثل أكثر من ٥٪ من قاطنى القطاع وجميعنا ندرك يقينا أنه كان هناك ولازال رغبات إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ ما يعرف بصفقه القرن، وأن ما يجري من ترتيبات أمريكية- إسرائيلية- بشأن القضية الفلسطينية، لتنفيذ ما يسمى بـ«صفقة القرن»، هو استهداف للوجود الفلسطيني وهوية القدس وعلاقة الأمة بفلسطين والمسجد الأقصى.
** ما هي خطة حل الدولتين وفقا لصفقة القرن؟
يشار إلى أن الخطة تستند إلى حل الدولتين، ولكن الدولة الفلسطينية المستقبلية، ستكون منزوعة السلاح لتبقى إسرائيل المسيطرة أمنيًا في الضفة، وسيكون على السلطة الفلسطينية نزع السلاح في قطاع غزة كشرط مسبق لقبول قيام دولة فلسطينية.
وتحدد الخطة منطقة الأغوار كحدود أمنية لإسرائيل، وفي حال قررت إسرائيل ضمها سيتوجب عليها تعويض الفلسطينيين بأراض بديلة محاذية لقطاع غزة ومصر، وفيما يتعلق بالمستوطنات، فستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، في ما سيجري إخلاء عشرات البؤر الاستيطانية التي تعتبر غير قانونية إسرائيليًا، وسيتم تجميد البناء في ما يسمى المستوطنات المعزولة خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة.