مديحة يسري.. الفاتنة سمراء النيل
وجه اجتمعت فيه كل معاني الأنوثة، عينان شامختان تعبران عن كبرياء وشموخ لا حدود له، جسد اجتمعت فيه كل مقومات الجمال، ابتسامة خلابة لا تخرج إلا في وقت معين، إنها الفنانة الكبيرة مديحة يسري التي غيرت معايير الجمال والأناقة في السينما المصرية.
ولدت الفنانة مديحة يسري بمدينة القاهرة في 3 ديسمبر عام 1921، وبرغم بشرتها السمراء، إلا أنها تمتعت بجمال ملفت منذ صغرها، واستطاعت أن تُبرز هذا الجمال من خلال ملابسها التي امتازت بالأناقة والبساطة في آن واحد.
تمتعت مديحة يسري بالجمال والذكاء أيضا، واكتشفها المخرج محمد كريم ليقدمها للسينما من خلال فيلم ""ممنوع الحب" مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عام 1940.
وتقول الفنانة مديحة يسري في برنامج "سمراء النيل" الذي أعدته قناة "نايل سينما" عنها منذ عدة سنوات: "كانت الموضة في أيامنا لا تعتمد على الأموال الكثيرة، وإنما كانت تعتمد على الذوق في اختيار الفساتين والألوان والإكسسوارات وتسريحة الشعر، وغيرها من الأمور التي تبرز جمال البنت أو المرأة".
وعن كواليس فيلمها الأول مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، تقول سمراء النيل: «اكتشفني المخرج محمد كريم، وعندما تم ترشيحي لدور في فيلم "ممنوع الحب" مع الفنان محمد عبدالوهاب، كان لا بد أن أشتري فستان جديد، ولم يكن معي سوى جنيها واحدا، فلجأت إلى خالتي والتي لم يكن معها حينها سوى جنيهان، وأقل فستان وقتها كان ثمنه 6 جنيهات، فاضطررت غلى حيلة ذكية وهي أن أذهب إلى الجواهرجي الذي نتعامل معه ورهنت ساعتي مقابل الحصول على الثلاثة جنيهات، واشتريت الفستان، وأديت دوري في الفيلم بكل براعة، وكان أجري في الفيلم 6 جنيهات، وعلى الفور رددت إلى خالتي الجنيهان، وإلى الجواهرجي الثلاثة جنيهات واسترددت الساعة ولم يتبقى معي سوى جنيها واحدا، وبالرغم من ذلك شعرت بسعادة بالغة، خاصة بعدما أقنعت خالتي والدي ووالدتي بعملي في السينمان بعد النجاح الذي قدمته في فيلم ممنوع الحب مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب".
استطاعت مديحة يسري في وقت بسيط أن تحفر اسمها في عالم السينما، وكان أول دور لها مع الفنان محمد عبدالوهاب انطلاقة واسعة للنجومية، ومن بعدها توالت أعمالها مع النجوم الكبار، عماد حمدي، أنور وجدي، فريد الأطرش، محمد فوزي، وغيرهم من نجوم الفن والطرب، الذين كانوا يعتبرون سمراء النيل عاملا رئيسيا لنجاح أي عمل فني.
انطلقت مديحة يسري في السينما بخطوة الصاروخ، وقدمت ثلاثة أفلام تحمل اسم الحب وهي: ممنوع الحب عام 1940، يسقط الحب عام 1943، وأحلام الحب عام 1945.
وشهدت فترة الأربعينات نجاحا كبيرا في حياة مديحة يسري الفنية، وقدمت من خلالها العديد من الأفلام، منها، تحيا الستات، والنائب العام، وارض النيل، والجنس اللطيف، وشهر العسل.
تعتبر مديحة يسري من أول الممثلات اللاتي قدمن ادوارا عن النسوية والمطالبة بحقوق المراة، حينما جسدت دور "عصمت" في فيلك ،"بنات حواء" مع الفنان والموسيقار الراحل محمد فوزي.
شهدت مرحلة الثمانينات تألقا خاصا في حياة الفنانة مديحة يسري، وقدمت من خلالها أدوارا اجتماعية تتعرض لقضايا اجتماعية حديثة، منها "العرافة" عام 1981 والتي جسدت من خلاله دور والدة الفنانة الراحلة مديحة كامل "سامية" الطالبة الجامعية التي تعتقل بسبب مشاركتها في المظاهرات، والتي تعاني مديحة يسري بسببها الأمرين، وتقدم بعض التنازلات لـ "الكفراوي" جميل راتب رجل الأمن المسؤول عن فض هذه التظاهراتن وعندما تعلم ابنتها بهذا الأمر تغضب منها وتقاطعها، ثم تهرب من السجن بمساعدة عمر خورشيد، ضابط الشرطة الذي يساعدها على الهرب وتتزوج به، لكن رجال الكفراوي يقتلونها في نهاية الفيلم.
وخلال هذه الحقبة الذهبية في تاريخ السينما المصرية، قدمت أيضا فيلم "الصبر في الملاحات"، وجسدت من خلاله دور "كوثر هانم"، سيدة الأعمال الراقية التي تتاجر في المخدرات، والتي تدبر قضية مخدرات لـ «حسنية» تحية كاريوكا وتحبسها، وتأخذ ابنتها الصغيرة "وفاء" نبيلة عبيد ولأنها قد حرمت من الأطفال تربيها معها في الفيلا الخاصة بها، وتتخرج وفاء من كلية الشرطة، وتكتشف ما فعلته كوثر معها ومع والدتها، لكنها تسامحها، خاصة وأنها تبرعت لها بكليتها، وتسامحها أيضا حسنية على ما فعلته بحقها.
وفي فترة التسعينات قدمت العديد من الأفلام الهامة في تاريخ السينما المصرية، منها "الإرهابي" عام 1993 مع الفنان عادل إمام، والذي أثار ضجة وحقق نجاحا كبيرا وقتها.
وهكذا تميزت أفلام مديحة يسري عندما تقدمت في السن، بالعمق وعرض القضايا الجديدة في المجتمع ومعالجتها بأداء منقطع النظير.
وفي التلفزيون قدمت مديحة يسري ما يقرب من 10 مسلسلات، أشهرها على الإطلاق "هوانم جاردن سيتيط بجزئيه في عامي 1997 و1998، كما قدمت مسلسلات الوديعة، و"يحيا العدلط عام 2002، وكان آخرها مسلسل "قلبي يناديك" عام 2004.
ورحلت الفنانة الكبيرة عن عالمنا في يوم 30 مايو عام 2018 بعد رصراع مع المرض، تاركة رصيدا كبيرا من الأعمال الفنية التي تمثل علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية.