في دولة كلبنان تطورت على الفساد في زمن الحرب، وفي زمن السلم، وعززت حضور زعماء طوائفها عبر خلخلة إدارات الدولة بالمحسوبيات والزبائنية وتعيين الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب لتقوية حضور أزلام المافيا على حساب كفاءة الاشخاص وتقييمهم العلمي وقدراتهم على التطوير داخل الإدارات العامة.
كل ذلك جعل من لبنان دولة مستباحة فاقدة لمعايير الحد الأدنى في الحفاظ على مكامن القوة داخل المؤسسات والإدارات العامة، أضف إلى ذلك عملية التبعية والتواطؤ بين الداعم السياسي والمدعوم (الموظف) التي خلقت شبكة محترفة في عمليات السرقات الموصوفة لميزانيات المؤسسات التي تصرف من أجل عملية التطوير المفترضة سنويا.
لبنان باختصار فقد عبر تراكم السنوات جهازه المناعي في مواجهة وباء من هم في السلطة والنتيجة أننا وصلنا اليوم بسبب إدراك وتخطيط من هم في السلطة وهذه مصيبة أكبر من عملية اللا إدراك في الوصول إلى الهاوية إلى مصير مأساوي شارك فيه الجميع.
التيار الوطني الحر سعى للوصول إلى السلطة والرئاسة بأي ثمن حتى ولو تحالف مع الشيطان وحتى على أنقاض وطن.. حزب الله سيطر على الدولة ومكامن قوتها لبناء دويلته العسكرية والمالية والاجتماعية والسياسية. نبيه بري همش الحياة البرلمانية بمطرقة العدالة شكليا وسعى في كل المراحل للحفاظ على مكتسباته كزعيم لحركة امل وكشريك قوي داخل السلطة المهترئة.
وليد جنبلاط عودنا على شعار الحفاظ على مصالح الدروز أهم من مصداقية المواقف المتناقضة.. سمير جعجع شارك بأسوأ الحكومات وبالمحاصصة والتوظيف العشوائي ومن خطاياه المميتة عملية إيصال ميشال عون إلى قصر الشعب لحسابات خاصة به وبالقوات اللبنانية و من دون أي خطة إصلاح أو مشروع وطني.. الحريري رئيس الحكومة السني القوي قدم كل أنواع التنازلات ليبقى الشريك الأساسي في سلطة عجزت عن حماية موقعه وحتى بعض إنجازات والده.
كلهم باختلاف مواقعهم ومصالحهم وإستراتجياتهم تواطؤوا لضرب الدولة ومؤسسات الدولة والقوانين كما داسوا على الدستور لتقوية زعماتهم وشوارعهم الطائفية وزرعوا أزلامهم داخل المؤسسات لتوزيع قالب الحلوى المقسم باتفاقات مسبقة على أنفسهم ومحيطهم.
قد يكون التوصيف بسيطا لكنه يعطي فكرة عن كيفية إفلاس وتفريغ مؤسسات الدولة من مقومات الاستمرارية عبر السنوات، حتى العدالة تحولت إلى محاسبة انتقائية بفعل تحريك الملفات لحسابات سياسية اما السلطة القضائية فهي بدورها قد تعرضت للتهشيم والتهميش بسبب الهيمنة السياسية على استقلاليتها.
حين أتت ثورة ١٧ تشرين أعتقدنا أن نقمة الشعب قد تذيب حضورهم وغطرستهم وسرقاتهم بفعل الغضب والمطالبة بسلطة بديلة نظيفة حضارية مستقلة، لكن المافيا الفاشية تمكنت من إغراق الثورة بالمندسين وحركت أجهزتها لنحر روح المقاومة لدى اللبناني.
أحزاب السلطة جوعت الشعب لكي لا يصرخ إلا للقمة العيش وحبة الدواء ولكي لا يأمل إلا بالهجرة والهروب من جهنمها، وقد يكون آلاف اللبنانيين الموجودين اليوم في مصر العزيزة الشاهد الأبرز على ما فعلت دولتنا بشبابنا النابض.
لبنان كان قطعة سما حولتها السياسة إلى مزبلة ومسخرة بين الأمم، اليوم بعد تجربتي المتواضعة داخل البرلمان وخارجه وانغماسي بنبض الشباب الذي يحلم بوطن حضاري واحتكاكي بالنخب داخل المجتمع المدني وإدراكي الكامل لعقل سلطة تعيش الموت السريري، حاليا أقول أن التغيير المنشود ليس سهلا لأننا تحولنا إلى ورقة إقليمية على طاولة مفاوضات الملفات الكبرى في المنطقة، لكنه ليس مستحيلا لأن استطلاع اللبنانيين يوكد نجاح ثورة الوعي في تبديل ما في نفوسهم.
الزعيم بات مكشوفا والوطن الواحد لشعب موحد أصبح منشودا.. لبناننا آت.