في أول حوار بعد حصولها على "التقديرية".. سلوى بكر: الموظفون الدواعش مشكلة وزارة الثقافة الحقيقية
أزمة نهر النيل موجودة منذ القرن الـ14 خلال العصر المملوكي
القضاء على الإخوان المسلمين أعظم إنجاز لمصر في العقدين الأخيرين
من أهم انكساراتنا إدخال العلوم الطبيعية في جامعة الأزهر
مجانية التعليم شكلانية ولا توجد عدالة تعليمية في مصر
الإبداع يأتي من الوجود الطبيعي في الحياة وهو أمر غير متحقق مع كورونا
كاتبة وناقدة مصرية من طراز فريد، عاصرت الحقبة الناصرية وآمنت بها، وتجرعت مرارة فترة السبعينات وما شهدته من أحداث، قدمت العديد من الأعمال الإبداعية المتميزة التي عبّرت عن شرائح كثيرة من المجتمع المصري، إنها الكاتبة والأديبة الكبيرة سلوى بكر التي حصلت مؤخرًا على جائزة الدولة التقديرية في الآداب. "بوابة دار الهلال"، أجرت معها حوارًا لم يقتصر الحديث خلاله عن أعمالها الإبداعية وتجربتها الأدبية وحسب، وإنما كان حوارًا مفتوحًا على الشأن العام، وكل ما يشغل الوطن والمواطن.
وإلى نص الحوار.
نبدأ من اللحظة الراهنة.. من الحصول على الجائزة.. البعض يرى أن الجائزة بعد تجربة أدبية كبيرة بمثابة تكليل لهذا المشوار ومكافأة للكاتب أو المُبدع.. والبعض يرى أنها في بدايات حياة الكاتب أو المُبدع بمثابة داعم له ليواصل مشواره.. ودعينا نسأل عن رأيك في وجهتي النظر..
الأشياء مرهونة بأوقاتها، متى وكيف تأتي الجائزة ليس هذا هو السؤال، ولكن السؤال ما الذي تفعله الجائزة بالمبدع، لأن إذا جاءت في بداية المشوار فهي بمثابة دفهع وتشجيع للاستمرار في ذات الطريق، وإما إذا جاءت في نهاية المشوار فهي تكريس لفكرة أن الرهان على السير في هذا الطريق، طريق الإبداع والكتابة لم يكن رهانًا خاسرًا.
فوزك بجائزة الدولة التقديرية انتصار وقيمة مضافة للمرأة المبدعة في مجتمعنا، الذي قلتي إن قيمه وأعرافه هي من قمعت أو ظلمت المرأة والرجل على حد سواء.
إذا كنت قد قلت ذلك من قبل، وإن كان هذا ما آراه حتى هذه اللحظة، فهو أمر ينطبق على الذكور والإناث، على الرجال والنساء، وليس على المرأة فقط.
هل ما زالت هذه القيم المجتمعية قامعة لهما؟
هذه القيم صارت أشد تخلفًا، بفعل المناخ المزمن الذي صنعه الإسلام السياسي بكافة تلاوينه بدءً من الإخوان المسلمين والسلفيين، وحتى الدواعش، وغياب خطابات أخرى مستنيرة متحضرة يختار من خلالها المواطن منظومة رؤيته للعالم ولذاته ولمجتمعه، وأنا أظن.. نحن تراجعنا قيميًا وقبل كل شيء النفط وما فعله، وقيم النفط وما فعلته في هذا المجتمع، وهي تخالطت مع قيم اما يسمى بالإسلام السياسي الرجعي المتخلف، وهو في النهاية مشروع استعماري بامتياز، وما أريد قوله إن اللحظة الراهنة تشهد تخلفًا شديدًا، في القيم المجتمعية المنحازة للماضي، هي قيم ماضوية، قيم تعيش بعقلية تفتقد إلى العصرنة، تفتقد إلى الحداثة وهذه مأساتنا المجتمعية الراهنة.
هل من سبيل لتغيير هذه القيم والانطلاق لفضاء آرحب ؟
طبعًا، هي ليست قدرًا، وهي لم تنزل من السماء كالمطر، وإنما السبيل الأول هو التعليم، السبيل الثاني الإعلام، إعلامنا متخلف، متماهي مع هذه القيم والمفاهيم، تعليمنا متخلف، برامجه متخلفه، القائمين على التعليم متخلفين، لأن هذا الإسلام السياسي، وفقًا لخطة ممنهجة أستولى على كليات المعلمين منذ عدة عقود تعود إلى القرن الماضي. أين المسرح في المدارس؟ أين الرياضة؟ أين الرحلات التي كان إلى المتحف الزراعي والهرم والمتحف المصري؟ التي كانت تشكل هوية الطفل، وأين وأين وأين الأنشطة المدرسية؟ كل هذا كان بفعل فاعل، فإذا كانت لدينا إرادة سياسية حقيقية للتغيير، لكي نتحول إلى مجتمع تُسيّره قيم معاصرة، قيم العصر السائدة في كل مكان في العالم بصرف النظر عن المذاهب السياسية، أو الاتجاهات السياسية، فلابد أن نُغير التعليم ولابد أن يلعب الإعلام دورًا جذريًا في هذا الموضوع.
قبل السبعينيات لم يكن موجودًا هذا الكم من التخلف والانتكاسة الحالية إن جاز التعبير، فهل يمكننا أن نقول إن ما نعانيه هو حصاد وثمرة فترة السبيعينيات؟
طبعًا، طبعًا، عندما أعطى أنور السادات الضوء الأخضر لتيارات الإسلام السياسي، وقام عامدًا متعمدًا بضضرب كل التيارات المستنيرة السياسية والثقافية داخل المجتمع، نشط هذا الفيروس الخطير الذي هو أخطر من فيروس كورونا وفعل ما فعله بالمجتمع.
في ظل التقدم التكنولوجي، والتطور العلمي، ووسائل التواصل الاجتماعي المتغيرة، هل تغيرت وسائل وأدوات المرأة لتقديم نفسها للمجتمع فكرًا وثقافة وإبداعًا؟
لن أقول تغيرت، ولكن المرأة استفادت مثل كل الفئات الأخرى من المتغيرات التكنولوجية وثورة الاتصالات الحديثة، ولكن القضية ليست قضية المراة فقط، هي قضية الرجل والمرأة. لن تنجح قضايا المرأة إذا لم يشارك فيها الرجل. ما هي قضية المرأة؟ قضية المرأة الأساسية هي أنها مواطنة منقوصة المواطنة، بمعنى أن هناك حقوق دستورية، هل هذه الحقوق الدستورية مُفعلة بالقوانين، اليوم حينما يكون لديك قانون يقول أن المرأة تحت سن الأربعين لا تستطيع أن تمكث في فندق بمفردها، أي قانون هذا؟ عندما تُحرم المرأة من وظائف وحقول وظائفية عامة. المرأة حتى الآن في مجتمعنا ما زالت "ولية"، ولكن الدستور لا يقول إنها "ولية" الدستور يقول إنها مواطنة، وأنا أطالب بأن يتم معاملة المرأة وفقًا لحقوق المواطنة الدستورية. فقط عاملني كمواطن. ولن تحل أي من قضايا المرأة إلا على أرضية الحقوق الدستورية والمواطنة.
نشأتك في أسرة مثقفة بمقاييس ذلك العصر صنعت.....
"مقاطعة".. أنا لم أنشأ في أسرة مثقفة بالمناسبة.
ولكنك قلتِ إنها بمقاييس ذلك العصر كانت أسرة مثقفة.
الشعب كله كان متعلمًا ومثقفًا ومستنيرًا.
ولكن هذه النشأة صنعت منكِ فتاة وشابة محبة للقراءة ومن ثم تحولتي لتقديم إبداعاتك الأدبية...
لا لا لا، ما جعلني إنسانة محبة للقراءة والثقافة والأدب المدرسة، وكل جيلي حينما كان هناك تعليم ومكتبة في المدرسة وهناك تشجيع على القراءة وهناك قصة قراءة حرة ندرس خلالها أشياء خارجة عن المقرر المدرسي أسمها قصة القراءة الحرة. وهذا ما يحبب الناس، وكان هناك مسرح وسينما وموسيقى، وكان هناك فرقة رضا، وكل هذه الأمور كانت بمثابة البيئة الحاضنة التي تُقدم مبدع في أي مجال.
ومن هنا يأتي السؤال.. هل الآن معطيات المجتمع الحالية كفيلة بتقديم جيل جديد من المبدعين أو المثقفين؟
لا، لماذا؟ لأنه هناك عملية تسليع للثقافة، تحولت الثقافة إلى سلعة تُباع وتُشترى، من المستحيل أن يُقدم هذا الأمر إبداعًا حقيقيًا، أو فنًا حقيقيًا، أو كتابة حقيقية. من ينادون بإلغاء وزارة الثقافة، مدعين عدم أهميتها وأنها عبء على الثقافة، حديثهم حديث فارغ، لأن هؤلاء هو من يرغبون في تكريس فكرة تسليع الثقافة، وهنا أود أن أقول أن وزارة الثقافة بكل مشكلاتها، هامة جدًا في مجتمع من نوعية المجتمع المصري الفقير المحتاج إلى عدالة ثقافية. بالعكس علينا أن ندعم وزارة الثقافة، ولكن أيضًا علينا أن ننوه بفكرة أن مشكلة وزارة الثقافة الحقيقية أن بها جيش من الموظفين المعوقين للثقافة، الكارهين للثقافة، الدواعش. وزارة الثقافة بها عشرات ومئات الإخوان المسلمين، وعقلياتهم هي عقليات الإخوان المسلمين، علينا أن نواجه هذا الأمر لكي تفعل وزارة الثقافة فعلها ودورها المهم جدًا داخل مجتمع فقير كالمجتمع المصري.
قلتي عندما نقرأ التاريخ علينا أن نتأمل.. هل قراءة التاريخ تساعدنا على استشراف المستقبل من خلال أحداث مشابهة؟.. وإن كان ذلك كذلك فما الذي يخبرنا به التاريخ عن أزمتنا الحالية المتعلقة بنهر النيل؟..
أيوه.. أيوه.. برافو على هذا السؤال، لأن أولًا يجب أن نقرأ التاريخ كأتصالات وليس كأنفصالات، يعني ما قبل 1952 شديد الاتصال بما بعد 1952، مثلا يعني، إذا قرأن التاريخ سنجد أن السيناريو الذي يحدث الآن، كان موجودًا منذ القرن الـ14 في القرن الـ14 وخلال العصر المملوكي والدولة المملوكية، نفس السيناريو الذي يحدث الآن من محالاوت منع مياه النيل عن مصر المشاكل مع الدولة المملوكية، إصرار الدولة المملوكية على إرسال تجريدة إلى الحبشة.. طبعًا السيناريو يتكرر، وما يحدث الآن هو أخطاء من عقود مضت في التعامل ليس فقط مع دول حوض النيل، ولكن مع قارة إفريقيا، نحن على قمة قارة إفريقيا، ولكن نتعامل مع هذه القارة وكأننا لسنا بها، وهذه هي المشكلة التاريخية.
وهل هذه المشكلة أيضًا مرتبطة أو نشأت في فترة السبعينيات؟
طبعًا، أنا في وجهة نظري أن ثورة يوليو انتهت عام 1970، منذ بدايات الحديث عن ثورة التصحيح، وما أثير من أحاديث وقتها، لأنك حينها غير مجمل سياساتك الداخلية والخارجية وغيرت مباديء الثورة الستة التي سرنا عليها منذ قيام ثورة يوليو وحتى عام 1970، العدالة الاجتماعية، وتزويب الفوارق بين الطبقات... ألخ.
على ذكر نهر النيل.. الحضارة المصرية العظيمة قامت على ضفاف هذا النيل، بل إنه الملهم الأول للفنان المصري، وهو ما تمثل على الأعمال الفنية الأولى منذ عصر ما قبل الأسرات.. وعليه هل الجينات المصرية القديمة مازالت تعيش في دمائنا، ومازلنا نتأثر بالحضارة المصرية القديمة وقادرين على مواصلة ما بدأه الأجداد.
طبعًا، ليست فقط الجينات المصرية القديمة، ولكن الجينات الحضارية، الجينات الحضارية ما زالت موجودة، وأقل وأفقر فلاح في مصر متحضر. هل يوجد شخص في العالم بعد أن ينهي عمله وتريد أن تعطيه حقه يقول لك "ما تخلّي بقى.. هو أنا عملت حاجة؟"، هذه الجملة لن تسمعها في أي مكان في العالم سوى في مصر.
وإن كنت لا أريد أن أرجع لذكريات قد تكون مؤلمة.. ولكن يُقال إن تجربة السجن من أهم التجارب التي قد يمر بها أديب أو مُبدع، فهي بمثابة النار التي تضفي على الذهب بريقًا ولمعانًا من نوع خاص.. ما تعليقك بحكم مرورك بالتجربة؟
متكبرش الموضوع، وضع الأمور في حدودها، بمعنى أيه؟، بمعنى أنني لم أسجن لفترة طويلة.
كانت خمسة عشر يومًا.
بالفعل هم خمسة عشر يومًا، والملابسات ليست بالمفيدة، لأن القضية حُفظت، ولم يكن هناك قضية بالأساس، ولم يكن هناك قرار اتهام. كان هناك إضراب عمال الحديد والصلب، وكنا متعودين كلما كان هناك مشكلات أو إضراب، يتجمع عدد من المثقفين، وهذا بمثابة فلكلور سياسي. ولكنّي سأقول عكس كل ما قلته أنت. تجربة السجن بالنسبة لي، ولأنه سجن قصير ليس بها أي نوع من البطولة، حيث توقفت عن أي فعل سياسي منذ العام 1972 منذ الحركة الطلابية، وهذا الجانب السياسي لم يكن الجانب الأساسي بدليل أنني عندما خرجت من السجن كتبت عن السجينات العاديات، ولكنّي أعتبر هذه التجربة جعلتني أطلع على الوجه الآخر للحياة في القاع الاجتماعي المصري، من خلال النساء اللاتي قابلتهن في سجن القناطر.
وفي الحقيقة أعتبر نفسي محظوظة لأني كنت السجينة السياسية الوحيدة عام 1989، ومن منطلق الجينات الحضارية المصرية الجميلة، وجدت السيدة السجانة المسؤولة عنّي تقول لي: "أنتِ هتقعدي لوحدك طول النهار؟ هتزهقي. تعالى لمّا أقعدك مع باقي السجينات"، ومن هنا تخالطت بهن، وأصبحت أجالسهن، واستمع لحكايتهن، وكانت النتيجة رواية "العربة الذهبية". ولكن دعني أقول لك إن تجربة السجن والقيد، تجربة سيئة لأي كائن، حتى الحيوانات، هي تجربة لا تلائم الكائن الحي، وتجربة بالتأكيد صعبة، ولكنّي اتحدث عن تجربتي الخاصة، لذا أتمنى أن كل مسجون رأي دون أن يكون قد أرتكب جريمة أن يُفرج عنه سواء في مصر أو في أي مكان في العالم، لأنها تجربة آثارها الاجتماعية مُدمرة خاصة حينما تكون طويلة، ليست مُدمرة على الشخص المسجون نفسه، ولكن على المُجتمع، لأن كل شخص لديه محيط وعلاقات، والدمار، ونحن الكبار رأينا، عندما كان هناك معتقلات أيام الفترة الناصرية وأمور من هذا النوع، رغم كل إيجابيات الفترة الناصرية، إنما فكرة أن يكون إنسان سجينًا للرأي، بسبب رأيه، فهذه فكرة غير معاصرة ويجب أن تختفي من مجتمعنا. مشكلتنا ليست أن رأيي مختلف عن رأيك، ولكن مشكلتنا كيف تُعبّر عن رأيك. عبّر عن رأيك في حدود القانون، في حدود القيم، في حدود ما اتفقنا عليه دستوريًا؛ ولكن لا تُعبر عن رأيك... يعني مثلا أيام الإخوان المسلمين، كنت مُستفزة أن الدولة تركت هؤلاء الناس لعمل رابعة. لو أن ما قاموا به حدث في أي مكان في العالم كان من المستحيل السكوت عليه.. البلطجة، والإجرام، وقطع الطرق، وتهديد أمن الناس، فكنت أندهش من صبر الدولة عليهم، فلو أن جارك قام ليلًا بدق مسمار في حائطه لشعرت بالضيق، فما بالك بما حدث منهم، وهنا أود أن أقول أن التعبير عن الرأي ليس عيبًا وليس حرامًا وليس مشكلة، ولكن كيف تُعبر عن رأيك، هذا هو الموضوع.
العالم يُعاني أزمة كبيرة وهي فيروس كورونا.. كيف تعاملتي مع هذا الفيروس اجتماعيًا.. وكيف تعاملتي معه إبداعيًا؟
إبداعيًا ليس هناك تعامل، واجتماعيًا العزلة بقدر الإمكان، وما ينتج عن العزلة من عدم حماس للأشياء، لا أود أن أقول أكتئاب، وإنما عدم حماس للأشياء بما في ذلك الكتابة. الكتابة أو الإبداع عمومًا يأتي من التفاعل مع الناس ووجودك الطبيعي في الحياة، كورونا جلعتنا في وضع غير طبيعي، فعندما تود الخروج تفكر قبلها، وتسأل نفسك عن ضرورة الخروج من عدمه، ويدفعك لهذه الهواجس اللا إنسانية، فنحن في وضع غير طبيعي.
هذه الأمة مرت بالكثير من الانتصارات والانكسارات.. في رأيك الشخصي ما هي أعظم انتصارات أمتنا المصرية المعاصرة؟
بصراحة، أعظم إنجاز حدث لمصر في العقدين الأخيرين هو القضاء على الإخوان المسلمين، هذا أهم ما حدث، لأن هؤلاء الناس كانوا سيعودون بنا سنوات للوراء، كنّا سنرجع ألف سنة للوراء، ولن أقول أننا سنصبح مثل إيران أو غيرها، ولكن كنّا سنرجع ألف عام، وهذا في رأيي أهم إنجاز، وإن كان قيم ومفاهيم الإخوان ووجودهم ما زال في الجهاز الحكومي وفي كل مكان ومهيمنين، بسبب عدم وجود خطابات ثقافية تواجه خطابهم، ولكن كونهم ليسوا في السلطة، وليسوا على رأس الدولة فهو إنجاز سنعرف قيمته والأجيال القادمة ستعرف قيمته، وبمرور الوقت سنعرف قيمته أكثر. لو كان الإخوان المسلمين موجودين لم استطعنا إنجاز متحف الحضارة، وما كنّا نستطيع أن نستكمل المتحف المصري الكبير، وأهم إنكساراتنا في تقديري هو قبول إنفصال السودان عن مصر أولًا، وأنا هنا أتحدث عن فترة أقدم نسبيًا، وثانيًا، إدخال العلوم الطبيعية في جامعة الأزهر، وهاتان كارثتان حدثتا في مصر.
ولكن.. ألا يعد وصول الأخوان للحكم واحدة من إنكسارات المجتمع المصري؟
لا، كان رهانا خاطئا من المجتمع المصري في لحظة، هذا إن كانت الانتخابات سارت بشكل صحيح! لأن هناك الكثير من الأحاديث في هذه المنطقة، ولكن تدارك المصريون الأمر وكانت "الكشحة" القوية، التي "كشحناهم" بها. علمًا بأن رمزية ذهاب الإخوان المسلمين من سدة الحكم هو أننا انتصرنا على المؤامرة والاستعمار الجديد الذي حاكي مؤامرة الإخوان المسلمين، وهو ما يُفسر جنون دول الغرب وعدائهم للدولة المصرية بعد إزاحة الإخوان عن الحكم، لأننا أفشلنا مشروعهم ليس في مصر وحسب وإنما بالنسبة للمنطقة كلها.
نادى الدكتور طه حسين بمجانية التعليم التي قدمّت العديد من القامات السامقة كلٌ في مجاله، وكان مشروعًا عظيمًا.. ما المشروع الذي تودين أن يتحقق على أرض الواقع لخدمة البسطاء والمهمشين من أبناء هذا المجتمع؟
العدالة التعليمية.. مجانية التعليم جوهرها العدالة التعليمية، والعدالة المعرفية.
ما المقصود بالعدالة التعليمية؟
سأقول لك.. ما هو التعليم؟ التعليم يُقدم خبرات ومعرفة للناس، من يعرف لغات، ودرس في مدارس إنترناشيونال سيعمل في أهم الوظائف، سيطلع على كل التطورات التي تحدث في العالم، سواء تكنولوجية، أو خبرات معرفية عمومًا، هذا هو التعليم، نوع من العدالة الاجتماعية في أهم صورها، وهي إعطاء الفرصة للجميع، لأن يعرف وأن يكتسب خبرات، والخبرات تتمثل في أن يصبح إنسانا متمدنا، إنسانا متحضرا، يعرف كيف يقف في إشارة المرور، يعرف كيف يخاطب الناس، يعرف كيف ينخرط في الهيئة الاجتماعية، فجوهر مجانية التعليم ليس قاصرًا على الذهاب لمدرسة بالمجان، ولكن جوهره يكمن في البرنامج التعليمي والمعرفي المُقدم وهذا هو الأهم. اليوم هذه العدالة التعليمية غائبة، ومجانية التعليم هي مجانية شكلانية في مصر، ولا توجد عدالة تعليمية.