محمود عبد العزيز.. «الشيخ حسني» صانع البهجة و«مزاجنجي» الفن
موهبة غير عادية وحالة خاصة، ساحر يجذبك نحوه دون إرادة، لتقع في شباك سحره وفنه، ممثل بارع وكأنه خلق لكي لا يمتهن إلا التمثيل، صانع البهجة ومحتكرها وصاحب الضحكة الحلوة، "مزاججني" الفن، وعملاق السينما المصرية وأحد أهم رمزها، صاحب كل الأدوار والمتلون في كل الشخصيات، هو "منصور بهجت" و"الشيخ حسني" و"أبو هيبة" و"عبد الملك زرزور" و" رأفت الهجان"، والحاضر الذي لا يغيب وأكثر أبناء جيله جماهيرية وحضورًا ونجاحًا، وكأنه ولد لكي يكون نجمًا في سماء الفن هو الساحر محمود عبد العزيز.
ولد محمود عبد العزيز محمود، في 4 يونيو 1946 بحي "الورديان" بالإسكندرية، وتربى في كنف أسرة متوسطة الحال، التحق بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، ما إن وقعت عيناه على مسرح الكلية، حتى أيقن أنه لا يجب أن يمتهن إلا التمثيل، انضم إلى فريق مسرح الكلية، وبدأ في ممارسة هوايته، وفي عام 1966 حصل على البكالوريوس ثم على درجة الماجستير، لكن التمثيل خطفه من تخصصه ولم يعمل به.
انضم إلي فريق الإخراج مع المخرج نور الدمرداش، الذي رأي فيه موهبة وحب للتمثيل ولمح فيه مواصفات "الجان" والشاب الوسيم الذي تحبه الكاميرا، فأشركه في مسلسل "كلاب الحراسة" 1972 مع مشيرة إسماعيل في دور صغير، وفي العام التالي قدم أشركه "الدمرداش" في مسلسل "الدوامة" مع محمود ياسين ونيللي، ومنحه مساحة أكبر ولموهبته الكبيرة لفت أنظار الجمهور والنقاد له وبات وجها مألوفا للجميع.
فتحت له السينما ذراعيها وشارك في فيلم "الحفيد" 1974 مع المخرج عاطف سالم، وفي العام التالي قد أول بطولاته للسينما في فيلم "حتى آخر العمر" وتوالت أفلامه حتى أنه قدم 25 فيلمًا سينمائيًا، حتى أواخر السبعينات، لعل أبرزها "طائر الليل الحزين" في 1977، و"شفيقة ومتولي" في 1978، ومع بداية الثمانينات أطل على جمهوره بوجه مختلف ودور جديد عليه في فيلم "العار" 1982 مع نور الشريف حسين فهمي، ليكتشف في نفسه نقطة جديدة لقدراته التمثيلية، ويثبت للجميع أنه قادر على التنوع والتلون وأداء كل الشخصيات.
لم يتوقف محمود عبد العزيز عن التمثيل الذي بالنسبة له هو الهواء الذي يتنفسه، ومع عام 1983 قدم فيلمان من إخراج حسين كمال، "العذراء والشعر الأبيض" مع نبيلة عبيد، و"أرجوك اعطني هذا الدواء"، وفي العام التالي "فيلم "تزوير في أوراق رسمية" مع المخرج يحيى العلمي، كان محمود عبد العزيز يخرج من كل دور يقدمه وكأنه أخذ عهدا على نفسه بعدم تكراره فتجده الجاسوس"منصور مساعد الطوبجي"، والضابط "عز الدين" في "إعدام ميت" 1985 مع المخرج علي عبد الخالق، بينما في نفس العام تجده في فيلم "الشقة من حق الزوجة" للمخرج عمر عبد العزيز، وهو يقدم دور الموظف "سمير" الذي يجعلك تضحك من قلبك على خفة ظله في المشاهد التي تجمع بينه وبين "حماته" نعيمة الصغير التي تدفع أبنتها "كريمة" معالي زايد على التمرد والطلاق.
كان محمود عبد العزيز على موعد مع ذروة نجاحه وتألقه، وقدم واحدا من أجمل أفلامه وعلامة بترزة في تاريخ السينما في فيلم "الكيف" للمخرج علي عبد الخالق، وكتبه بحرفية شديدة الكاتب محمود أبوزيد، صعوبة الدور وتركيبته لم تكن عائقا أمام موهبة "عبد العزيز" السهل الممتنع فهو "جمال أبو العزم" الذي فشل جمال في دراسته بكلية الحقوق، ليقرر تكوين فرقة شعبية لإحياء الأفراح، مقدما نفسه علي أنه مطربًا ويطلق عليه أفرادها لقب"مزاجنجي" ويقضي معهم ساعات الليل في تعاطي المخدرات بينما يحاول شقيقه الدكتورالكيميائي "صلاح" في إقناعه بوهم الكيف، وفي النهاية يسقط الأخوين في "جمال وصلاح" في شباك تاجر المخدرات "سليم البهظ" جميل راتب، بينما حفظ الجمهور إفيهات محمود عبد العزيز في الفيلم عن ظهر قلب، وهو يردد "يا بتاع الكيميا يا متركب"، و"إحنا اللي خلينا الشكرمون طاخ في الترالوللي" و" بحبك يا ستموني مهما الناس لاموني" و"أنا بادهبزه وأدهرزه عشان يبرعش ويحنكش ويبقى أخر طعطعة".
بعد 5 سنوات من فيلمهما "العار" ألتقى مرة آخرى الثلاثي محمود عبد العزيز وحسين فهمي، ونور الشريف، في فيلم "جري الوحوش" 1987، وكان محمود عبد العزيز أكثرهم توهجا وجماهيرية والأغلى أجرا، وفي نفس العام قدّم "عبد العزيز" واحدًا من أهم أفلامه "البريء" مع المخرج عاطف الطيب، والراحل أحمد زكي، في دور العقيد "توفيق شركس" الذي يجعلك تقف مبهورا بأداءه، كان يتنقل بين الأفلام ليقدم أشرسها وأكثرها صعوبة، ويقف أمام كاميرا أهم المخرجين وأشهرهم، لم يفوته العمل في أفلام الفانتازيا التي أشتهر بها الكاتب والمخرج رأفت الميهي قدم معه 3 أفلام "السادة الرجال" في 1987، و"سمك لبن تمر هندي" في العام التالي، و"سيداتي سادتي" 1990.
حقق محمود عبد العزيز نجاحا منقطع النظير في مسلسل "رأفت الهجان" 1987، مع الكاتب صالح مرسي والمخرج يحيى العلمي والكاتب صالح مرسي، وقدم منه 3 أجزاء، لا يجعلك محمود عبد العزيز أن تفوق من دهشتك حتى يدهشك بشخصية جديدة يبدع في رسم تفاصيلها، ففي عام 1991 تألق محمود عبد العزيز في تجسيد شخصية "الشيخ حسني" في فيلم "الكيت كات"، مع المخرج داوود عبد السيد، لم تتوقف مسيرة "عبد العزيز"، وقدم للسينما في فترة التسعينيات استمرت مسيرة محمود عبد العزيز في السينما، عدة أعمال مهمة لعل أبرزها "ثلاثة على الطريق"1993، و"البحر بيضحك ليه" 1995، و"الجنتل" 1996، و"القبطان" 1997.
مع مطلع الألفية الجديدة وظهور سينما جيل الشباب بدأ محمود عبد العزيز في الابتعاد عن السينما على استحياء، فقدم فيلم "النمس" 2000 للمخرج علي عبد الخالق، وفي نفس العام"سوق المتعة" للمخرج سمير سيف، والسيناريست وحيد حامد، في دور "أحمد حبيب أبو المحاسن"، وفي 2001 قدم فيلمي "رحلة مشبوهة" و"الساحر" آخر أفلام المخرج رضوان الكاشف، وبعد غياب 7 سنوات عن السينما عاد بفيلم "ليلة البيبي دول" 2008، ولكنه لم يحقق النجاح الذي تعود عليه محمود عبد العزيز ورافقه في مشواره الفني، حتى جاءه فيلم "إبراهيم الأبيض" 2009 مع أحمد السقا، والمخرج مروان حامد، ليقدم واحدا من أعظم أدواره "عبد الملك زرزور".
بعد نجاح مسلسله "محمود المصري"، غاب عن التليفزيون 4 سنوات ثم عاد بمسلسل "باب الخلق" 2012 في دور "محفوظ زلطة"، وبعده بعامين "جبل الحلال" في دور "منصور أبو هيبة"، وفي 2014 "رأس الغول" آخر أعماله الفنية، حصد محمود عبد العزيز العديد من الجوائز من مهرجانات دولية ومحلية، حصل على جائزة أحسن من مهرجان دمشق السينمائي عن أفلام "الكيت كات، القبطان، الساحر"، ومن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حصل جائزة أحسن ممثل عن فيلم "سوق المتعة".
في حياته الخاصة تزوج محمود عبد العزيز مرتين، الأولى من السيدة جيلان زويد، وأنجب منها نجليه الفنان والمنتج محمد محمود عبد العزيز، والفنان كريم محمود عبد العزيز، وانتهى الزواج بالانفصال بعد 20 عامًا، ثم تزوج من الإعلامية بوسي شلبي.
في 12 نوفمبر 2016، رحل عن عالمنا الساحر محمود عبد العزيز عن عمر ناهز 70 عامًا بعد صراع مع مرض سرطان الفك، بعد مسيرة فنية طويلة ما بين السينما والتليفزيون، ولكن بقي اسمه محفورا في وجدان وأذهان محبيه وعشاقه.