الأحد القادم .. ماكرون الرئيس الجديد فى الإليزيه
تقرير: نهال الشريف
على أنغام النشيد الأوروبى- أنشودة الفرح لبيتهوڤن و فى وجود الآف من أنصاره فى ساحة متحف اللوفر ألقى الرئيس المنتخب إيمانويل ماكرون كلمته للأمة مساء السابع من مايو و يستعد خلال أسبوع واحد فقط دخول قصر الإليزيه كثامن رئيس فرنسى فى الجمهورية الخامسة يوم الأحد المقبل. كما كان أول ظهور له مع الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند صباح الاثنين عندما تواجد الاثنان لحضور الاحتفال بذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية.
استهل ماكرون الفترة الانتقالية القصيرة بإعلان نيته زيارة ألمانيا وتغيير اسم حركة « إلى الأمام» إلى « الجمهورية تتقدم» و تعهد بأن يتقدم بمرشحين من الوجوه الجديدة لخوض انتخابات البرلمان فى يونيه المقبل، وفى المقابل أعلنت لوبن المرشحة الخاسرة أنها ستغير اسم الحزب الذى أسسه والدها « الجبهة الوطنية» إلى اسم يستقطب مؤيدين من طيف واسع لخوض الانتخابات التشريعية، ولكن دون إحداث تغيير جذرى فى أفكار الحزب.
إذن فعلها إيمانويل ماكرون وأصبح الرئيس الخامس والعشرين فى فرنسا بل وأصبح أصغر رئيس - ٣٩ عاماً - يتولى مقاليد الحكم منذ نابليون بونابرت، ومع فوزه بنسبة ٦٦٪ فى مواجهة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن - ٣٤٪، تنفس الفرنسيون والأوربيون معهم الصعداء بعد أن كان خطر خروج فرنسا من الاتحاد الأوربى ومنطقة اليورو أمراً غير مستبعد إذا ما حققت لوبن المفاجأة وفازت..
تحت حماية ٥٠ ألف شرطى ومشاركة وصلت إلى نسبة ٦٥٪ عقدت انتخابات الرئاسة الفرنسية يوم الأحد الماضى وتمكن إيمانويل ماكرون وزير الاقتصاد السابق من الفوز، رغم تعرض حملته الانتخابية لعملية قرصنة إلكترونية ضخمة قبيل ساعات من تطبيق الصمت الانتخابى، ما أعاد للأذهان التسريبات التى تعرضت لها حملة هيلارى كلينتون، وكانت أحد أسباب خسارتها للانتخابات فى ساحة متحف اللوفر، تدفق أنصار الرئيس الجديد للاحتفال رغم إخلاء الساحة فى نفس نهار الانتخابات للاشتباه بوجود حقيبة قد تكون معبأة بالمتفجرات ثم إعادة فتحها قبل إعلان نتائج الانتخابات، وقبل أن يلقى ماكرون كلمته للشعب الفرنسى تلقى اتصالاً من منافسته لوبن هنأته فيها بالفوز فيما يعد اعترافاً بهزيمتها أمامه كما تلقى التهنئة من الرئيس فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى.
الانتخابات الفرنسية أفرزت عدة نتائج مهمة لاتنحصر فى مجرد فوز ماكرون الذى يمثل تيار الوسط، ولاينتمى للمؤسسات السياسية العريقة فى الدولة بل إنه حتى لاينتمى لحزب سياسى وإنما مجرد حركة أسسها قبل خوض الانتخابات تحت اسم “إلى الأمام”.
أول النتائج هى أن ماكرون يخلف الرئيس فرانسوا هولاند صاحب أدنى معدلات للشعبية تعرفها الرئاسة الفرنسية وبهذه الخلافة يرث دولة منقسمة على نفسها ويشعر مواطنوها بخطر الإرهاب ويعيشون فى ظل قانون الطوارىء.
والنتيجة الثانية هى أن ماكرون يعلم تماماً أنه لم يحقق هذه النسبة المريحة للفوز بفضل مؤيديه فقط، وإنما أضيف إليهم أصوات مؤيدى التيارات السياسية الأخرى ممن يعبرون عن استيائهم من المؤسسات السياسية التقليدية فى فرنسا ومن أصوات من يستشعرون خطورة اليمين المتطرف على المستقبل السياسى للدولة، والنتيجة الثالثة أن ماكرون رغم فوزه لابد أن يشعر بالقلق نظراً لعدم وجود دعم برلمانى متمثل فى حزب أغلبية يمكنه من تشكيل حكومة تعبر عن أفكاره وتنفذ سياساته دون معوقات برلمانية، ولذلك يتعين عليه أن يستعد للانتخابات التشريعية التى ستجرى فى فرنسا على مرحلتين يومى ١١ و ١٨ يونيه المقبل.
ولابد أن نلفت إلى أن مارين لوبن رغم خسارتها للرئاسة إلا أنها أكدت أنها ستمثل المعارضة الرئيسية فى البرلمان أمام الرئيس الجديد وأنها ستبدأ فوراً للاستعداد للانتخابات التشريعية.
كانت بعض التقارير الواردة من فرنسا قبيل الانتخابات قد ذكرت أن ماكرون يخطط لتأسيس حزب سياسى يخوض به الانتخابات التشريعية يكون خليطاً من أفكار اليمين واليسار ويجمع حوله الغاضبين من التيارات السياسية المختلفة.
إذا لم يحدث ذلك سيتعين على ماكرون تشكيل حكومة واسعة الطيف السياسى حتى تمثل مختلف الاتجاهات التى دعمته فى الانتخابات أو أنه ربما سيعيد تجربة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران حين كان الرئيس اشتراكيا والحكومة يمينية، هذه التجربة عرفت بالتعايش بين اليمين واليسار ولكنها فى الحقيقة كانت تعبر عن ضعف الدولة لاختلاف التوجهات والأفكار بين الرئيس والحكومة.
انعكاسات الانتخابات الفرنسية تتجاوز الحدود الفرنسية.
فقد مثلت لوبن التيار اليمينى المتطرف المعارض لوجود المهاجرين والمسلمين داخل فرنسا والمؤيد للانسحاب من الاتحاد الأوربى وهاجمت بضراوة العولمة ووصفتها بالمتوحشة فى خطاب شعبوى عزفت به على أوتار القومية المتشددة ودغدغت مشاعر العمال والعاطلين الذين يشعرون بأنهم فقدوا وظائفهم سبب استيلاء أبناء الدول الأخرى من أعضاء الاتحاد الأوربى.
ويرى محللون سياسيون أن خسارة لوبن فى فرنسا ستكون بمثابة خسارة رمزية للتيارات القومية المتشددة فى أوربا بعد أن كانت أسهمها آخذة فى الارتفاع.
والمؤكد أن كلاً من ألمانيا التى ستشهد انتخابات فى سبتمبر المقبل وإيطاليا التى ستشهد انتخابات فى نفس العام ستتأثران بنتائج الانتخابات الفرنسية.
من جانب آخر تهدد خسارة لوبن زعامتها لحزب الجبهة الوطنية حيث يمكن أن يطالب المنتمون للحزب باستقالتها ومن جانب آخر فهى قد تتعرض للملاحقة القانونية فى قضيتين إحداهما متعلقة بعضويتها فى البرلمان الأوربى والأخرى داخل فرنسا.
فى جميع الأحوال هى صفحة جديدة فى تاريخ فرنسا كما تعهد الرئيس المنتخب فى كلمته للأمة. فقد قال إن هناك نقاط ضعف منذ فترة طويلة فى فرنسا وسأكافح بقوة ضد الانقسامات التى تفرقنا، وأعدكم بضمان أمنكم ووحدة فرنسا وقال إن ولايته ستكون صفحة جديدة للأمل والثقة المستعادة.
من هو ماكرون؟
هو بالتأكيد الحصان الأسود الرابح الذى انطلق من الصفوف السياسية الخلفية بسرعة وفاز بالسباق الرئاسى، هو وزير الاقتصاد السابق فى حكومة الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند. والذى قرر أن ينفصل عن اليسار السياسى الفرنسى ويشكل حركة تمثل الوسط تحت اسم” إلى الأمام» فى مارس الماضى ليخوض بها السباق الرئاسى ثم فاز فى نهاية الأمر.
وقد بدأ حياته بمسيرة ناجحة علمياً حيث درس فى أبرز المدارس والمعاهد الفرنسية وهى معهد هنرى الرابع فى باريس ومنها إلى معهد العلوم السياسية فى باريس أيضا عام ٢٠٠١ والمدرسة العليا للإدارة فى ستراسبورج من ٢٠٠٢ إلى ٢٠٠٤ وفى عمر الخامسة عشرة أحب مدرسته معلمة اللغة الفرنسية بتريجيت وهى التى صارت فيما بعد زوجته رغم فارق السن الذى يصل إلى ٢٤ عاماً، ولم يكن فارق السن أو كونها أما لثلاثة أبناء حائلا دون الحب والزواج بينهما. فابنها الأكبر يزيد عمره عن ماكرون بعامين والثانية تساويه فى العمر كما أنها جدة لسبعة أحفاد.
وقد بدأ ماكرون حياته السياسية منذ عهد قريب بعد وصول هولاند لرئاسة فرنسا عام ٢٠١٢ وحينها غادر ماكرون منصبه المرموق فى بنك روتشيلد ليتسلم فى عام ٢٠١٤ منصب وزير الاقتصاد والصناعة والتحول الرقمى. وخلال عمله كوزير نجح فى تمرير قانون أطلقت عليه وسائل الإعلام اسم “فانون ماكرون” أو قانون تشجيع النمو .. العمل والمساواة والفرص الاقتصادية ويتضمن مجموعة من الإصلاحات فى كافة الاتجاهات والتى لاقت انتقادات كبيرة أهمها عدم واقعيتها.
واستقال فى ٢٠١٦ من منصبه كوزير ليؤسس حركة إلى “الأمام” وقدمها للجمهور بأنها لا يمين ولا يسار. وحصلت حركته على دعم جيد من تيارات سياسية مختلفة ومن رؤساء مؤسسات اقتصادية كبرى. ثم بعد وقت قصير أعلن نيته خوض السباق الرئاسى وقدم نفسه كمؤيد للبقاء فى الاتحاد الأوربى وأكد تطلعه إلى تحرير العمل ودعوته للابتكار وحماية الأفراد ودفاعه المستميت عن القيم الفرنسية فى إطار قيم أوربية شاملة. كما يدعو إلى تقوية الاتحاد الأوربى الذى تعد فرنسا أحد أهم مؤسسيه عن طريق إجراء إصلاحات عميقة. كما يعرض عقد مؤتمرات ديمقراطية فى كل دول الاتحاد بعد انتهاء الانتخابات الألمانية فى سبتمبر المقبل من أجل بلورة مشروع تتبناه جميع الدول.
ويدعو ماكرون إلى إشراف الدولة على برامج التقاعد والانتقال إلى نظام إعانات البطالة الذى تشرف عليه الشركات ووقف المساعدات لكل عاطل عن العمل يرفض عرضين لائقين للعمل. وينوى ماكرون إلغاء ١٢٠ ألف وظيفة رسمية فى الدولة باستثناء المستشفيات وخلق عشرة آلاف وظيفة شرطى وبين ٤ إلى ٥ آلاف وظيفة مدرس. وخفض الاعتماد على الطاقة النووية بحلول عام ٢٠٢٥ بمعدل النصف.
ماكرون فى كلمته عقب إعلان الفوز بالرئاسة قال إنه قد اختار بالفعل رئيس حكومته المقبل ما يعنى أنه كان واثقاً من الوصول إلى قصر الإليزية ولكن كونه لم يتقلد من قبل أى منصب بالانتخاب يجعل فرص نجاحه موضعاً للتساؤل والتكهنات.