بايدن وجولاته الخارجية.. هل سقط الشرق الأوسط من حسابات الإدارة الأمريكية؟
كانت الزيارات الفخمة للرؤساء الأمريكيين لمنطقة الشرق الأوسط، عنوانًا هامًا خلال فترة الرئيسين باراك أوباما، عندما زلزل خطابه العالم من تحت قبة جامعة القاهرة، ودونالد ترامب الذي تلقى الهدايا الثمينة عندما زار السعودية، ولكن هي التقاليد التي اختلفت مع الرئيس جو بايدن الذي انحصرت زياراته الأولى للقارة الأوروبية وحلفاؤه الغربيين، مما يثير التساؤلات حول مكان الشرق الأوسط من أولويات إدارة بايدن وهل سقط من الأولويات.
اختلاف بين بايدن وترامب
قال محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، أن زيارات الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى لندن ينتهج سياسة خارجية تختلف عن سياسة ترامب فكانت أولى زياراته لإنجلترا لحضور قمة الدول الصناعية السبع وهي أول زيارة لخارج بلاده بعد تولي الرئاسة، ثم سيقابل السكرتير العام لحلف شمال الأطلنطي، وبعدها إلى جينيف ولقاؤه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي استمرار للتغييرات الموجودة في السياسة الخارجية.
وأوضح العرابي في تصريحات خاصة لـ"دار الهلال"، أن الموضوعات التي تحدث فيها بايدن في السياسة الخارجية تختلف عن موضوعات سلفه ترامب مثل موضوعات التغير المناخي، ويتعامل مع إيران في سبيل عقد اتفاق معها، وفي القضية الفلسطينية عاد إلى حل الدولتين ونسف أفكار ترامب عن منطقة الشرق الأوسط، وهذا الفارق بين الرجلين.
الحلفاء الغربين أولويات بايدن
وأضاف وضوع الأولويات، هو أن يعيد علاقاته بالمعسكر الغربي مرة أخرى بشكل جيد سواء عن طريق الناتو أو عن طريق علاقات ثنائية مع الدول الغربية، واهتمامه الآخر هو آسيا وخاصة موضوع الصين والثالث هو الملف الروسي، ولذلك المنطقة العربية ليس لها الأولوية الملحة بالنسبة له في الفترة القصيرة المقبلة، وبدأ ينسحب من أفغانستان عسكريًا، مما يؤكد أنه يريد أن يتعامل مع مشاكل العالم بسلوب أخر بعيدًا عن الحل العسكري، وسيكون هذا الحل هو دفع الشركات الأمريكية العملاقة بأن يكون لها وجود في مختلف دول العالم وبخاصة مناطق الصراع في الشرق الوسط.
وبيّن العرابي، أن النظرة الأمريكية الحالية للمنطقة العربية، بأنها منطقة ذات مشاكل مزمنة ولذلك يجب أن يكون التواجد بها وقت اللزوم، والدليل على ذلك بأن ملف القضية الفلسطينية لم يكن مهتم به إلا عندما حدثت مشكلة غزة الأخيرة، والأمور تصاعدت واكتشف أن مصر يمكن أن تقوم بدور، ولكن هو لا يمكن أن يبادر أو يتطوع للقيام بدور، لعلمه أن تلك المنطقة لا يمكن أن تحقق نتائج سريعة تفيده في عمل إعادة تمكين الولايات المتحدة من مفاتيح العالم.
الشرق الوسط مشاكل مزمنة
وبالنسبة لعلاقة ترامب بحلفائه التقليديين في الشرق الأوسط، أوضح العرابي، أن ترامب لن يتدخل في أي مشكلة إلا إذا كانت هذه المشكلة ساخنة وفيها تطور يؤدي إلى تهديد للمصالح الأمريكية، ولكن لن يتورط في مشاكل مزمنة يعلم أنه من الصعب حلها.
ولن يحدث تراجع للدور الأمريكي في الملفات الشائكة في المنطقة كالملف اليمني أو السوري ولكن سيتم تغيير الوسائل المعتادة، لأنه لا زلنا نعيش العصر الأمريكي، وتستطيع تصل لأي منطقة نزاع بسرعة أكبر من أي دولة أخرى، وأعطى مثال بالملف اليمني، حيث لن تتدخل واشنطن في القتال الداخلي في اليمن ولكن يعينها بعض الملفات مثل تعرض الأمن السعودي للخطر أو أمن باب المندب، ورغم أن لديه مبعوث خاص لليمن إلا أنه لن يقدم جديد، بحسب العرابي.
وأردف العرابي، أن المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول الملف النووي، قد تؤثر على المنطقة وذلك لأن واشنطن يعنيها في المقام الأول منع طهران من امتلاك سلاح نووي، أكثر من التواجد الإيراني في دول عربية مثل لبنان وسوريا واليمن، بل من الممكن أن تتنازل الولايات المتحدة وتغض الطرف عن تنامي هذا النفوذ مقابل تسوية الملف النووي.
سياسة جديدة قديمة
كشف أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية، أن أولويات الإدارة الأمريكية ليست من الآن ولكن من عصر أوباما فإن الشرق الأوسط لم يكن له نفس الأهمية الموجودة في خمسينات وستينات القرن المنصرم، فكان الخليج والبترول دور لا يمكن الاستغناء عنه ولم يكن التحدي الصيني وصل إلى هذا المستوى، لو تذكر منذ أيام أوباما، حيث ظهر ما يعرف باسم عقيدة أوباما بأن الوجهة الرئيسية لواشنطن يجب أن تكون آسيا وليس الشرق الأوسط، بل ألمح أن إفريقيا أهم عند الأمريكيين من الشرق الأوسط، فالبعد عن الشرق الأوسط ليست سياسة جديدة، وحتى ترامب رغم ما استنزفه من المليارات العربية كانت لديه نية من الانسحاب من الشرق الأوسط.
المنطقة تفرض نفسها على الأجندة الأمريكية
وأكد يوسف في تصريحات خاصة لـ"دار الهلال"، أن معضلة الشرق الوسط أنه يفرض نفسه على السياسة العالمية، ومهما نتحدث عن تراجع أهميته إلا أنه يظل مهم، وتكفي أرقام تجارة السلاح تظل أرقام مهمة في تجارة السلاح العالمية وهو موضوع في غاية الأهمية، غير موضوع انتشار الإرهاب بالشرق الأوسط وإمكانية تهديده للمصالح الدولية، مع وجود اتجاه قديم نسبيًا للانسحاب من الشرق الأوسط إلا أنه يفرض نفسه على الأجندة وآخرها كانت المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة، وهذه المواجهة أجبرت بايدن على أن يهتم بالسياسة المصرية لما أدركه من دورها في هذه القضية.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه لا يمكن أن نتخذ من الزيارات دليل على عدم الاهتمام، ولكن عندما تكون هناك قضايا مهمة بالتأكيد ستكون هناك زيارات، والدليل على ذلك الاتصالات التليفونيان اللذان أجراهما بايدن إلى الرئيس السيسي لم يحدثا إلا بعد اشتداد المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية، وكل شيء متوقف حسب تطورات الأوضاع الخارجية، وبايدن يقوم بزياراته الخارجية حسب الاحتياج فهو زار بريطانيا لحضور قمة الدول الصناعية السبع.
وبين يوسف، أن هناك بعض القضايا المعلقة بين واشنطن وبعض الدول العربية، فما يهمه أنه عندما برزت مشكلة حقيقية تدخلت الولايات المتحدة وعاد الاهتمام الأمريكي بالاهتمام بمصر وزيارة وزير الخارجية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
واشنطن لم تعد اللاعب الوحيد
وأردف أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه يجب ضرورة تقييم على قدرة السياسة الأمريكية فرغم أن الولايات المتحدة الدولة الأقوى في العالم ولكنها ليست الوحيدة كما كان الوضع في تسعينات القرن الماضي عندما تفكك الإتحاد السوفيتي، كانت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة التي تأمر وتنهي في النظام العالمي بدليل أنها غزت العراق رغم أنف العالم كله، ولكن الآن توجد الصين وروسيا والإتحاد الأوروبي وربما تكون قوى أقل من الولايات المتحدة وبلكنها تلعب أدوار مهمة، فما تريده الولايات المتحدة الأمريكية لا ينفذ بالضرورة ولدينا مثال سد النهضة، ومصر تحتاج في هذا الملف تتكاتف دولي اكثر لكي يحدث ضغوط على إثيوبيا، ولكن الولايات المتحدة تهتم، ولكن قد مضى الوقت أن تأمر فيه الولايات المتحدة فتطاع.
وأوضح يوسف، أن الولايات المتحدة أصبحت لا تنفرد بالقوة، ولا تريد أن تتورط في المنطقة إلا بقدر ما تكون مصالحها الحيوية مهددة، مشيرًا إلى أنه إذا وجدت تغيرات للسياسة الأمريكية ستكون تغيرات جزئية لا جذرية، فمثلاً سياسة بايدن اختلفت عن ترامب بالنسبة للقضية الفلسطينية، وتذكر صفقة القرن ولكن السياسة الجديدة تتحدث عن حل الدولتين، وتركز على إعادة المساعدات للسلطة الفلسطينية وإعادة الاتصالات مع السلطة الفلسطينية، وإعادة القنصلية الأمريكية للقدس
سياسة التدخل الهادئ
بينما يرى إبراهيم كابان، الباحث السياسي الكردي ورئيس موقع الجيوإستراتيجي، أن الظروف السياسية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية ليس هناك شيء قد يثير أو يدفع بالرئيس الأمريكي أن يجعل من تلك النقطة ارتكاز للسياسة الأمريكية وهناك لاعبين أساسيين مقربين من امريكا في المنطقة ثبتوا إمكانياتهم وقوتهم وقيامهم بواجب استراتيجية المنطقة ومنها مصر والسعودية، مبينًا أن هناك تقدم وتطور جيد في جميع المنطقة العربية.
وأكد كابان في تصريحات خاصة لـ"دار الهلال"، أن هناك ثلاث نقاط تثير الإدارة الأمريكية في المرحلة القادمة، وهي المسألة الليبية في طريقها للحلحلة في يد العرب والاوربيين، والقضية اليمنية وتتجه إلى أن يبقي الوضع كما هو عليه، لأن اليمن مقسمة ما بين جماعة الحوثيين والحكومة الشرعية والوضع في سوريا هناك روسيا تلعب دوراً أساسياً في المنطقة السورية والوجود الأمريكي مكثف في منطقة الإدارة الذاتية، بينما العراق وضعها ليس هناك شيء جديد.
وأضاف الباحث السياسي الكردي، ان محاربة داعش مستمرة، والوضع في فلسطين وإسرائيل مستقر عدا الحرب الأخيرة، والنظرة الأمريكية أصبحت أنه يمكن للدول العربية أن تجتاز مشاكلها،
وبيّن كابان، أن الإدارة الأمريكية أيقنت أنه قد يكون تدخلها احيانا معالجة وقتية، وربما يكون التدخل الأمريكي بالقوة والتهديدات له اثاره السلبية، وأمام الإدارة الأمريكية تجربة ترامب، وبايدن يحاول أن لا يتدخل في المسائل بشكل مباشر وبكون جزء من المشكلة، سواء في الوضع السوري والعراقي أو اليمني، حيث بات التدخل الأمريكي بشكل هادئ وليس بشكل سريع وضاغط، وهي في تحاول إعطاء الفرصة لكي يكون هناك حل طبيعي بدون انذار امريكي او ضغط مباشر.
وأوضح كابان، أن هذه الاستراتيجية لا تعني عدم اهتمام واشنطن بالدول العربية ولكن أختلف الأسلوب الأمريكي، أمريكا زادت من قواتها العسكرية في شمال وشرقي سوريا لتبقي الوضع على ما هو عليه في سوريا.