كلما طرحت أغنية جديدة لنجوم الغناء الحقيقيين ووجدت صدى نجاحها وحجم مشاهداتها على موقع (يوتيوب) ومنصات الديجيتال، وكذا حجم تداولها على السوشيال ميديا، تأكدت أن الجمهور لازال متعطشا لذاك الغناء الذي يعبر عنه، وتلك الأصوات التي تجيد النفاذ لقلبه والعزف على أوتار مشاعره، وأنه مهما انتشرت حوله الظواهر العشوائية القبيحة في الغناء يظل متلهفا لمن يمنحه الجمال في كلمة جيدة ولحن جميل وصوت عذب، ومهما طغت العملة الرديئة يظل منتظرا لمن يأتيه بالعملة الجيدة.
رأيت ذلك في أغنية حميد الشاعري وهشام عباس ومصطفى قمر وإيهاب توفيق (زحمة الأيام) ومن قبله أغنية محمد ثروت (يا مستعجل فراقي) وأغنية أنغام (هو نفس الشوق) ومنذ أيام أغنية جورج وسوف (يآه ع الزمن) وبالأمس أغنية محمد منير( اللي باقي من صحابي)، ومن قبلهم أغاني عمرو دياب وإسهامات مدحت صالح وعلي الحجار وإن تباعدت فترات طرحها.
وكذلك أغاني أحمد سعد وخالد سليم ورامي صبري ورامي جمال وأحمد جمال وكل صوت حريص على انتمائه للغناء الجميل، وفي المقابل لاحظت ذلك في حزن الجمهور علي اعتزال صوت رائع مثل آمال ماهر وغياب صوت مذهل مثل بهاء سلطان، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الجمهور يعشق الجمال ويفرح بمن يحضر به ويحزن لمن يغيب عنه.
ذلك لأننا خلقنا بقلب نابض يسكنه إيقاع رباني يظل فينا ما حيينا، ويجعلنا منذ ولادتنا نبحث عن موسيقي تتناغم مع هذا الإيقاع الذي إن توقف توقفت الحياة، وهذا ما جعل علماء النفس والمتخصصون يعتبرون فن الغناء هو الأسرع والأخطر والأقوى تأثيرا علي الوجدان والأطول بقاء في الذاكرة، ومن هنا وحتي لا يطول البكاء علي حال الغناء يجب أن يأتي دور الدولة في دعم الغناء الجيد والأصوات الحقيقية خاصة بعدما نجحت في دعم الدراما وتنظيمها بالتدخل المباشر بإنتاج أعمال أعادت للدراما المصرية رونقها وبهاءها وهيبتها، وهو المطلوب بإلحاح الآن من الدولة، نعم مطلوب من الدولة التدخل لتنظيم تلك العشوائيات في الغناء بالإنتاج المباشر للأصوات الحقيقية وللمواهب الشابة وبطرحهم وطرح أعمالهم علي كل الشاشات والمنصات وقد امتلكت الدولة منها الكثير.
إن مصر تمتلك من الأصوات الرائعة والمواهب المدهشة ما يجعلها قادرة على استعادة ريادتها في سنوات معدودة، في ظل ما تمتلكه الدولة - متمثلة في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية - من خبرات إنتاجية وتسويقية وتنظيمية، وقدرة على إدارة الإنتاج المشترك مع أصحاب الخبرة في الإنتاج الفني، بالإضافة لقطاعات إنتاجية تابعة للهيئة الوطنية للإعلام مثل شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات وقطاع الإنتاج وما لديهم من خبرة قديمة مشهود لها بالنجاح والتميز، وهو ما يتيح للدولة التحرك في أكثر من مسار، أولها الإنتاج المباشر من خلال شركاتها وقطاعاتها وثانيها الإنتاج المشترك مع أهل الصناعة في القطاعين العام والخاص وقد سبق لها النجاح في ذلك في مجال الدراما ولن يكون صعبا تكرار هذا النجاح في الغناء
ويمكن أيضا للدولة أن تدعم وتتبني المشاريع الغنائية لنجوم الغناء (ألبومات أو أغنيات) كمنتج أو كمنتج مشارك أو منتج منفذ في مسار ثالث، كما يمكنها أن تقيم المسابقات لاكتشاف المواهب الجديدة وتقديمها في حفلات عامة جنبا إلي جنب مع النجوم كمسار رابع وكلها مسارات مربحة بالفكر التسويقي الحالي.
أما الفكر الفني والتقني فهو موجود في وزارة الثقافة وفي الهيئة الوطنية للإعلام وفي الشركة المتحدة أيضا، وإن كانت وزارة الثقافة متمثلة في دار الأوبرا المصرية وما بها من مواهب تعتبر مصنع المواهب الغنائية الحقيقية الكفيلة بإنعاش الساحة الغنائية إن أعطيت الفرصة الجيدة والإنتاج الجيد، ناهيك عن معهد الموسيقى العربية وكلية التربية الموسيقية ومعهد الكونسيرفتوار.
أما صناع التميز في الكلمات والألحان في مصر فقد شهد الوطن العربي كله بقدرتهم علي صناعة شهرة ونجومية الأسماء الكبيرة في شتى ربوعه، وقد سبق لجمعية المؤلفين والملحنين في اتفاق مبدئي مع وزيرة الثقافة أن أبدت استعدادها للوقوف بكامل مبدعيها خلف التجارب الإنتاجية للمواهب الجديدة، ولا أعتقد أن نقابة الموسيقيين ستبخل بذلك إن طلب منها.