رؤية لتنشئة الأجيال (2).. الطموح
د. أسامة فخري الجندي,
لا شك أن من أقوى قِيَم التأسيس الصحيح ((الطموح وتحديد الهدف))، فلا بد من تنمية قِيَم الطموح لدى الأطفال؛ لتكون دافعًا نحو التميّز والإبداع، والعمل بجد على استخراج ما يمتاز به الطفل منذ الصغر، واستخلاص ما يتفرد به من إمكانات، وتوجيه هذه الإمكانات والقدرات لتحقيق هدف أو مجموعة أهداف يطمح إليها الطفل، فتتعاون الأسباب ولا تتعاند لإبراز طموحاته؛ ومن ثم يتحقق التدافع والانفعال بها، فتؤدي إلى الغاية الرئيسة من ذلك، وهي ترجمة هذا الطموح وتحويله إلى واقع مجسد فيما بعد ((في المستقبل)) .
ثم إن هذا الطموح ينبغي أن يكون محاطًا ببعض الحيثيات، منها :
- (( الاستعانة بالله ))، فلا شك أنه إذا أراد إنسان أن يبدأ تحركًا أو تصرفًا، فإن الأصل فيه أنه يبدأه بدستور الحركة في الحياة، وهو الاستعانة بالله عز وجل؛ حتى يصاحب الإنسان بعضَ صفات الحق جلا وعلا، فيستطيع من خلال ذلك تحقيق غاياته وأهدافه، فلا بد من تأديب الأطفال منذ الصغر على ذلك، فيستعينوا بالله عز وجل ابتداءً، ثم يأخذون بالأسباب المتاحة لذلك، وينفعلوا بها ولها، ثم بتركيب الأسباب مع القدرات مع التوجيهات يصلوا إلى تحقيق طموحاتهم بإذن الله تعالى .
- (( بُعد النظر )) ، ويكون ذلك بتربية وبناء الطفل منذ الصغر على ألا يكون جامدًا ، أو على أنه مجرد إنسان يعيش ويريد متطلبات حياته وفقط، بل لا بد من تربيته وتأديبه على البحث عن تحقيق ذاته بما يحب أن يكون عليه في المستقبل، فيتهذّب الطفل على استعداده المبكّر وحسن التقدير للأمور ، فيكون لديه منذ الصغر بُعد نظرٍ لما يحب أن يكون عليه .
- (( القدوة )): فلا بد من البحث عن قدوة تكون نموذجا مثاليًّا للطفل، يحاول أن يتأسى بها، ويقتدي ويهتدي بها؛ ليصل إلى ترجمة قدوته عمليًّا في حياته، وينبغي أن تُحاط القدوة بسياج من الأخلاق والقيّم والعلم والثقافة، فإذا حاولنا ربط الطفل بقدوة تتسم بتلك الصفات، من الممكن أن نخلق جيلاً متعاقبًا لجيل سابق يسير على نهجه مع مراعاة اختلاف الأزمان والعصور، فهناك صراع بين طبقات، وصراع بين أجيال، وصراع بين أفراد، ونحن نريد جيلاً بعيدًا عن الصراعات، وإنما جيلٌ يحقق ذاته بالبحث عن طموحاته وكيف يحققها من خلال قدوة مثالية له .
- ((إثبات الذات))، وذلك بتمكين قدرات الطفل وطاقاته، وتوجيهها التوجيه الراشد.
- ((ترجمة الفكر وتقويمه ))، وذلك باستثمار الإمكانات العقلية والفكرية لدى الطفل، بترجمة أفكاره الصحيحة إلى واقع، وتقويم التفكير غير المستقيم؛ ليكون ذلك ساعدًا قويًّا في بناء الأمة مستقبلًا .
- اكتساب الخبرات اللازمة التي تعضد طموح الطفل منذ الصغر .
- (( توجيه السلوك ))، وذلك بتوجيه التصرفات والسلوك لتحقيق الطموحات بطريقة واقعية عن طريق تيسير الأسباب التي تمكنه من ذلك .
- (( مواجهة التحديّات )) وذلك بالعمل على تربية الطفل على مواجهة الصعاب والعقبات التي تحول دون تحقيق طموحاته؛ حتى لا يصاب باليأس أو الإحباط، ويكون دائمًا عنده السعي الحثيث والتجربة ليصل إلى ما يرجو .
- (( المجازفة وعدم التردد))، وذلك بإكساب الطفل قيمة المجازفة وعدم التردد؛ لتتكون لديه الحماسة والإقدام، فيكون سببًا لتحقيق طموحاته .
- (( التدافع ))، وذلك بتربية الطفل منذ الصغر على أنه ليحقق طموحاته فهو يحتاج إلى غيره ؛ لتتكامل القدرات والمواهب، فهو وحده لن يستطيع أن يحقق طموحه، بل لا بد من الاستعانة بغيره، كفكر، كأدوات، كآليات، كقدرات، كاقتراحات وخبرات، كتجارب،... وهكذا .
- (( المبادرة )) ، وذلك بعدم الانتظار ؛ لأن الانتظار جزء من التفكير السلبي ، بل لا بد من المبادرة بفهم طموحات الأطفال ، فالحركات الطموحية تختلف فيما بينهم ، ولا توجد هذه الحركات الطموحية في كل الأطفال، بل توجد في بعضهم ، فلنستثمر هذه الحركات الطموحية عند بعضهم؛ لأنهم سيفيدون المجتمع، سواء قصدوا ذلك أو لم يقصدوا .
- والعمل على تيسير الأسباب لتحقيقها .
- (( الكشف ))، ويكون ذلك بعد الوقوف على طموحات الأطفال بمحاولة الكشف عن الطرق التي من خلالها يمكن تحقيق تلك الطموحات، وتيسير السُبُل لها.
- (( نوعية الطموح )) ، ويكون ذلك بفهم عميق لطموحات الأطفال، فهناك من لديه الطموح الإيماني بأن يكون عالم دين، أو الطموح الاقتصادي، أو السياسي، أو العلمي، وهكذا.. ، فلا بد من الوقوف بدقة على نوعية الطمح لديهم؛ لإيضاح الطريق لهم بما يتناسب ويتسق مع طموحاتهم المختلفة .
فالطموح إذن ركن ركين وأصل أصيل للتنظيم، وليس العشوائية، فتكون حركة الطفل منذ الصغر منضبطة بحالة من التخطيط اللازم؛ لتحقيق طموحاته التي يصبوا إليها.
ولا شك أن هذا يحتاج إلى قدرة عاقلة لتفهم إمكانات الأطفال وفيم يفكّرون، ومدى إمكاناتهم العقلية، ثم بالتبعية يرسم الطريق لهم بما يعلمه من خبرات وتجارب بمخطط تنظيمي للوصول إلى تحقيق طموحه بما يضمن السعادة له ولأهله ولوطنه مستقبلًا .