عبد الحليم حافظ.. حبيب الملايين و"عندليب" من الحلوات
لم تكن ليلة عادية من ليالي صيف يونيو 1929، في منزل علي إسماعيل شبانة، الكائن في قرية الحلوات التابعة لمركز ومدينة الإبراهيمية، بمحافظة الشرقية، إذ ولد "عبد الحليم"، الابن الأصغر بين أشقائه: محمد، وإسماعيل، وعلية، ولم تمر سوى أيام على ولادته حتى رحلت والدته.
وازدادت قسوة الدنيا على الطفل الرضيع وتوفي والده قبل أن يكمل عامه الأول، وعكف خاله الحاج متولي عماشة على تربيته في بيته، لم تنته الصدمات الأولى في حياته ونالت البلهارسيا من جسده النحيل نتيجة لعبه مع أقرانه بترعة القرية.
التحق "حليم" بكُتاب الشيخ أحمد في قرية الحلوات، ثم بالمدرسة الابتدائية، تعلق قلبه بالموسيقى وحب الفن وبعد إتمامه دراسته الأساسية، التحق بمعهد الموسيقى العربية، وفي قسم التلحين، التقى الملحن كمال الطويل، والذي كان يدرس في قسم الغناء والأصوات وتخرجا من المعهد في عام 1948، بعد تخرجه عمل مدرسًا للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق ثم بالقاهرة.
لم يدم عمله مدرسا طويلا وقدم استقالته ليلتحق بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفا على آلة "الأوبوا"، وهناك وفي عام 1951 التقى "مجدي العمروسي"، قبل أن يكتشفه الإذاعي "حافظ عبدالوهاب"، ومنحه اسمه ليتحول من "عبد الحليم شبانة" إلى عبدالحليم حافظ.
في صيف 1951 وعلى خشبة المسرح القومي بالإسكندرية كان الظهور الأول لعبد الحليم حافظ، ليغني "صافيني مرة" من ألحان محمد الموجي، إلا أن الجماهير رفضته لعدم اعتيادهم على هذا النوع من الغناء الجديد، وعندما أعاد غنائها في العام التالي ويوم إعلان الجمهورية، حققت نجاحًا كبيرًا.
الحفلة الأولى كانت في حديقة الأندلس 18 يونيو 1952، وجاءت منها الإنطلاقة نحو السينما ليقدم في أول أفلامه "لحن الوفاء" عام 1954، مع شادية، وللرئيس عبد الناصر غني "إحنا الشعب" عام 1956، وتوالت أغانيه الوطنية ليصبح صوت الثورة.
امتلك "حليم" مدرسة خاصة من الأغاني والألحان، وأثبت نفسه وسط أصوات العمالقة مثل "أم كلثوم، محمد عبد الوهاب"، وشكل تعاونًا من كبار الملحنين، ومع صديقه كمال الطويل قدم له أول ألحانه أغنية "على قد الشوق".
قدم له صديقه كمال الطويل، أول ألحانه في أغنية "على قد الشوق"، من كلمات محمد علي أحمد، وقدم له بليغ حمدي لحن "تخونوه"، وشكل ثنائي قدما معا أجمل الأغاني، لينضم إليهم الشاعر محمد حمزة، لتظهر أغاني "سواح، موعود، زي الهوا، حاول تفتكرني، سواح، أي دمعة حزن".
ظل عبد الحليم هو مطرب الرومانسية الشجن والرومانسية والحزن والحب، إذ قدم خلال مسيرته الفنية ما يقرب من 231 أغنية، ولكن المسجل لا يتعدى الـ 112 أغنية، وقدم من ألحان الموجي عددًا من الابتهالات الدينية أبرزها "يا خالق الزهرة، نفضت عينيا المنام، أنا من تراب، أدعوك يا سامع، بين صحبة الورد".
وفي السينما قدم 15 فيلمًا، أبرزها "يوم من عمري، أبي فوق الشجرة، أيامنا الحلوة، بنات اليوم، الوسادة الخالية، شارع الحب، الخطايا"، وفي الإذاعة قدم عملا وحيدًا هو "أرجوك لا تفهمني بسرعة" مع عادل إمام، ونجلاء فتحي.
كان عبد العندليب "موعود بالعذاب" ونالت البلهارسيا التي لازمته من طفولته من جسده النحيل وكانت سببًا في إجرائه 61 عملية جراحية، بعد أن تعرض كبده لجرثومات البلهارسيا، وداخل مستشفى "كنجز كولدج"، رحل "حبيب الملايين" في 30 مارس 1977.
في جنازة مهيبة احتضن علم مصر جثمانه، ووقف في وداعه الملايين، رحل "حليم" وترك خلفه أغاني الحب والرومانسية والشجن، الشاهدة على موهبته وصوته الذي لن يتكرر.