رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


فريد الأطرش الذى يعرفه زملاؤه

14-5-2017 | 10:13


بقلم : أشرف غريب

واجه الموسيقار فريد الأطرش أكثر من أزمة مالية لأسباب ليس مجال الوقوف أمامها الآن، وبنى نفسه فى كل مرة من الصفر تقريبا لا يملك فى هذه الرحلة سوى فنه وعشق جماهيره التى التفت حوله، لكنه وأيا كانت قوة هذه الأزمة لم يتخل أبدا عن إنسانيته ويده الكريمة، ويشهد كثير من زملائه ومعاصريه على ذلك، فقد كان مثلا دائم التبرع لنقابة الموسيقيين سواء فى الدورات التى ترأسها أو حتى التى لم يترشح فيها، وحينما ساءت حالة الفنان الكبير عبدالفتاح القصرى صحيا وماديا، وبدأت الفنانة هند رستم جمع التبرعات له كان فريد أكثر المساهمين فى تلك الحملة، كما تحمل نفقات علاج وجنازة صديق عمره الفنان عبد السلام النابلسى، وغير هذا الكثير، لكن ما حكته لى الفنانة الراحلة تحية كاريوكا قبل وفاتها بسنوات كان الأنبل فى مكارم أخلاق فريد الأطرش .

فقد كان زميله الموسيقار محمد فوزى فى عام 1966 يمر بأسوأ محنة يمكن أن يواجهها بشر، محنة المرض والعوز المادى وتجاهل الدولة له بعد أن أممت شركته واستولت على كل ثروته وتعنت مسئولوها فى الموافقة على علاجه على نفقة الدولة، ولما وافقوا أصروا على أن تتحمل الدولة نصف قيمة العلاج فقط، وحدث أن نفدت كل المخصصات المالية التى حددتها الحكومة لعلاج فوزى وهو فى طريقه من ألمانيا إلى انجلترا، وباتت رحلة العلاج مهددة بالتوقف، وتحكى لى تحية كاريوكا أنها كانت وفريد الأطرش وبعض الفنانين فى حفل استقبال بسفارة دولة يوغسولافيا السابقة فى القاهرة فى حضور الدكتور محمد عبد القادر حاتم وزير الإعلام فى ذلك الوقت، فذهبت هى وفريد للتحدث مع الدكتور حاتم عن أزمة محمد فوزى وعن ضرورة تحرك الدولة سريعا لإنقاذ الرجل الذى تدهورت صحته، فلم يكن رد الوزير سوى التسويف رغم إلحاح فريد على أهمية الوقت وضرورة تحرك فوزى من ألمانيا إلى انجلترا فورا، لكن الوزير تمسك بكلمة " نبقى نشوف " فقال له فريد الأطرش إذا لم تتدخل الدولة سريعا فسوف أتحمل أنا مصاريف علاج محمد فوزى، فرد حاتم " ربنا يسهل " وهنا استفزت تحية كاريوكا وصاحت فى الوزير : ليه ده كله ؟ هو كان قتل لكم قتيل ؟ وتضيف أنها وجدت فى هذه اللحظة من يمسك كتفها قائلا : يا تحية بلاش الكلام ده، ما تدخليش نفسك إنت وفريد فى مواقف تضايقكما، ولم يكن هذا الذى يهددهما سوى شعراوى جمعة أشهر وزير داخلية فى الستينيات .

ولم يهتم فريد الأطرش بالتهديدات وتحدث بعد عودته مع محاميه الخاص المستشار محمود لطفى كى يتخذ إجراءات تحويل المبالغ المطلوبة لاستكمال علاج فوزى، وفى الصباح حكى محمود لطفى الموقف برمته للسيدة أم كلثوم، فساءها جدا موقف الدولة، وسعت بنفسها لدى الرئيس عبد الناصر الذى أمر بتحمل الدولة كامل نفقات رحلة ألمانيا فقط، وحينما علم فوزى بموقف فريد الأطرش بكى بشدة، وأصر عند عودته إلى القاهرة أن تكون أول محادثة تليفونية يجريها هى لفريد عرفانا منه وتقديرا لموقفه النبيل.

هكذا كانت أخلاق فريد الأطرش، لم تحركه نواقص النفوس، أو تؤرقه نوازع التنافس، ولم يشغله جمع المال إلا بالقدر الذى يضمن له ولأحبته حياة كريمة، ولذلك سوف تبقى سيرة فريد الإنسان جنبا إلى جنب مع تاريخه كفنان كبير لا يختلف اثنان على قيمة ما تركه لنا من إبداع حقيقى، وهكذا يثبت فريد كذلك أنه قبل أن يكون فنانا عظيما فهو إنسان أعظم.