سد النهضة يكشف حقيقة الغرب.. تجاهل إعلامي للحل السلمي وضغط لتوجيه مصر ضربة عسكرية
سيطرت كلمات "الحرب أو العمل العسكري أو الصراع" على معظم العناوين والأخبار، بل وملأت مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد إعلان الجانب الإثيوبي بدء الملء الثاني لسد النهضة، متحديا مصر والسودان ومخالفاً القانون الأممي ومتجاهلا دولتي المصب متعمدا إحداث الضرر البالغ والأكيد بما يهدد بنشوب حرب في شرق القارة الإفريقية، بل والأدهى أن حكومة آبي أحمد أخطرت مصرَ رسميًا ببدء الملء الثاني لسد النهضة، حسبما أعلن وزير الموارد المائية والري، محمد عبد العاطي، في إصرار واضح من الجانب الإثيوبي على استفزاز مصر.
ولم يعد متبقيا من الخيارات الدبلوماسية، أمام كل من مصر والسودان، في مجال التعامل مع هذا الأمر الواقع، سوى جلسة مجلس الأمن الذى من المقرر جلسة طارئة غدأ الخميس 8 يوليو الجاري لبحث أزمة سد النهضة في سابقة تعد الأولى التى تُناقش فيها أزمة مياه في إحدى جلسات مجلس الأمن.
لكن ما يلفت الانتباه هو تجاهل الغرب ذلك العنت الإثيوبي تجاه قضية سد النهضة رغم التهديدات التي تحيق بالمنطقة، ما يوحي بأن الغرب يريدها حربا، أو يدفع الأطراف للصراع بغرض عدم استقرار المنطقة وخاصة مصر، وهذا ما يتضح جليا في قراءة عناوين الصحف والنشرات الإخبارية عقب إعلان إثيوبيا بدء الملء الثاني، وهو بدوره ما يدفعنا للبحث حول الغرض من تجاهل الغرب لتلك القضية الحيوية لمصر.
نبدأ من العام 2001 عندما نشر الدكتور رشدي سعيد أستاذ الجيولوجيا – رحمه الله- أول من كشف المؤامرة على مصر بزعزعة استقرارها والعبث بمقدراتها، وذلك في مقاله المنشور بمجلة "وجهات نظر – العدد 32 في سبتمبر 2001- حيث كشف في مقاله عن النية المبيتة لمصر من ناحية نهر النيل، إذ يقول "صدر في شهر مايو سنة ۲۰۰۱ کتاب صغير بعنوان «مبادرة حوض النيل»، احتوی على بعض تفصیلات هذه المبادرة التي تناقلت الأخبار أن دول حوض النيل قد وافقت على القيام بها بغرض الاستفادة الكاملة لهذا النهر الغني بثرواته الطبيعية. وصدر الكتاب قبل شهر واحد من اجتماع «الكونزوريتوم الدولي للتعاون من أجل النيل» الذي عقد بمدينة جنيف بسويسره تحت رعاية البنك الدولي وحضور وزراء الموارد المائية لدول حوض النيل وممثلين عن الكثير من المؤسسات الدولية المانحة بغرض الإعلان عن موافقة دول الحوض للدخول فيها والتعاون من أجل تنفيذ برامجها ومشروعاتها وعن استعداد المؤسسات الدولية المانحة لتمويلها. وتقع أهمية الكتاب في أنه يعد أول وثيقة منشورة بها بعض التفاصيل عن هذه المبادرة التي كثر الحديث عنها لعدد من السنوات دون أن يعلن عن تفاصيلها التي أخفيت تماما عن الناس، بل وعن المختصين من غير ثقاة البنك الدولي ومستشاريه، على الرغم من أن هذه المبادرة ستؤدي، كما سنبين في هذا المقال، إلى تغيير شامل في النظام القائم لدول الحوض وستضع الأساس لنظام نیلی جدید يدخل هذه الدول في النظام العالمي الذي يتم بناؤه اليوم تحت ستار العولمة".
ووقد كشف د. رشدى الستار عن فكرة بناء سد في إثيوبيا بغرض التنمية ظاهريا بينما القصد منه هو الإضرار بمصر والضغط عليه بورقة المياه، حيث يعلم الجميع أن النيل ليس مجرى مائى عادى بالنسبة لمصر بل هو شريان حياة، ويستمر د. رشدى في كشف المؤامرة كاملة والأغراض الحقيقية خلف ذلك الاقتراح الثعباني من مسئولى البنك الدولى في ذلك الوقت، وبموافقة دول غربية عديدة.
هذا عن الماضي أما عن الحاضر، فتحت عنوان: الملء الثاني آت.. إثيوبيا تنفي نية الإضرار بمصر والسودان" نشرت إذاعة "صوت ألمانيا – دويتش فيليه" أن أزمة سد النهضة الإثيوبي وصلت إلى طريق مسدود، في ظل إصرار إثيوبيا على تنفيذ الملء الثاني الذي يعترض عليه كل من مصر والسودان مطالبين بإبرام اتفاق قانوني ملزم.
وقالت دويتش فيليه في تقريرها: "يعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على نهر النيل ويعتبر تقريبًا المصدر الوحيد للمياه العذبة لديها. ويبدأ مجرى النهر من دول أخرى في المنطقة، ما يضع القاهرة في حالة اعتماد على الدول الواقعة في أعلى المنبع. ويعتبر السد العالي على نهر النيل أحد أهم المشاريع الاستراتيجية في مصر الذي أنشئ في عهد عبد الناصر بمساعدة السوفييت، ويساهم السد في تحكم تدفق المياه وكذلك يستخدم في توليد الكهرباء في مصر".
أما عن بريطانيا فقد نشرت الـ bbc لسلن حال الإنجليز تقريرها بعنوان "سد النهضة: تحذير مصري من تبعات بدء المرحلة الثانية من ملء السد الإثيوبي" رأت أن مصر والسودان يريدان من إثيوبيا الانتظار حتى التوصل إلى اتفاق ملزم حول إدارة السد، وأن الحكومة الإثيوبية تصر على أن المشروع ضروري لتوفير الطاقة لقرابة 60 في المئة من المواطنين، ومصر ترى أن بناء السد يمثل تهديدًا لإمدادات المياه التي تصل إليها.
وبات واضحًا أن هناك إقرارًا بأن مصر طالبت مجلس الأمن بالنظر في أزمة سد النهضة بشكل عاجل؛ لأن هذه الأزمة يمكن أن تشكل خطرًا يهدد السلم الدولي، وإذا تطورت المسألة إلى حالة تتسبب حاليًا في حدوث احتكاك دولي، يعرض استمرار السلم والأمن الدولي للخطر، لذلك اختارت القاهرة أن تعرض هذه المسألة على مجلس الأمن الدولي.
ولكن كان رد الفعل الغربي مختلفا، حيث إن وزير الخارجية سامح شكري، كان قد قال في تصريحات لقناة تليفزيونية محلية في القاهرة، إنه يتوقع من مجلس الأمن، دفع أطراف أزمة سد النهضة، لإستئناف المفاوضات بشكل مغاير عن الماضي على حد قوله، وستكون جلسة الخميس ثاني انعقاد للمجلس بشأن السد الإثيوبي،إذ عقد جلسة مماثلة قبل عام، انتهت بحث الأطراف على الحوار، تحت قيادة الاتحاد الإفريقي. غير أن المندوب الفرنسي، لدى الأمم المتحدة (نيكولا دي ريفيير)، والذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن هذا الشهر، قلل من التوقعات، من جلسة مجلس الأمن المرتقبة، وقال بأنه لن يكون بمقدور المجلس، حل الخلاف بين مصر والسودان وإثيوبيا، حول سد النهضة، معتبرا الأمر "خارج نطاق المجلس"، لكنه سيدعو الدول الثلاث للتفاوض.
ومع تواتر التقارير حول الوضع الحالى بعد بدء إثيوبيا المرحلة الثانية من ملء السد محل النزاع، دون التوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب، ومع إدلاء المسئولين الإثيوبيين، بتصريحات متتالية تعلن التحدي، وتؤكد على تمسك أديس أبابا "بحقها" في ملء السد، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي، تناميا لتيار واسع من المصريين والسودانيين، يطالب بتوجيه ضربة عسكرية للسد الإثيوبي.