رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حوار لم يتم مع العم أنسي ساويرس

7-7-2021 | 10:23


سليمان عبد العظيم,

لم ألتق العم أنسي ساويرس رغم أنني سعيت أكثر من مرة لإجراء حوار صحفي معه بوصفه عميد آل ساويرس، والرجل الذي أنجب لنا وللبلد العباقرة الثلاثة الكبار، المهندس نجيب ساويرس والمهندس سميح ساويرس والأستاذ ناصف ساويرس.  

أتذكر أول مرة فكرت فيها في إجراء مقابلة صحفية مع العم أنسي حين طلبت من صديقي الكبير رجل الأعمال الشهير ثروت باسيلي أن يتوسط حتى التقيه في حوار صحفي وإنساني طويل، ووعدني ثروت باسيلي بأنه سوف يحقق لي أملي وآمالي في إجراء حوار مع صديقه الصدوق وعشرة العمر، هذا العبقري الذي يعشق العمل في صمت ولا يحب الأضواء مهما كانت الإغراءات، ومهما أثرت المغريات.

ومرة أخرى طلبت من نيافة الأنبا آرميا رئيس المركز الثقافي والاجتماعي الأرثوذكسي ورئيس قناة "مي سات" الفضائية أن يحاول إقناع العم أنسي بالإدلاء بحوار للبرنامج السياسي الشامل "مصر الحلوة" الذي كنت وزميلتي المذيعة المهذبة ألفت كمال نقدمه منذ 6 سنوات على شاشة القناة كل خميس وجمعة.

 

وظللت ألح على الأنبا آرميا أكثر من مرة لإقناع العم أنسي دون جدوي بالحوار، كان العم أنسي قد وضع دستورًا  في عمارته بالزمالك يمنع الشيخ والقسيس من دخولها، وظل أبناؤه الثلاثة يطبقون هذا المبدأ الدستوري حتى الآن، وظل العم أنسي متمسكا برفضه مقابلة صحفي أو إعلامي واعتذر لكل من حاول إقناعه بالظهور على شاشة قناة قبطية.

وكانت مفارقة غريبة أن ينجح عمنا محمد عبد القدوس فيما فشل فيه العبد لله مستعينًا بتدخلات ووساطات من جانب ثروت باسيلي والأنبا آرميا.   

 

محمد عبد القدوس حين طلب إجراء الحوار لم يكسل أو يتكاسل بل ظل قابضا على فكرة إتمام الحوار مع عميد آل ساويرس، ربما شجعه على مواصلة بذل ذلك المجهود دون يأس أنه يسكن في الزمالك وبيته على بعد أمتار قليلة من عمارة العم أنسي ساويرس .

 

عائلة "ساويرس" اسم يعرفه كل الناس، وهي من كبرى العائلات في مجال البيزنس، وتحتل هذه العائلة الشهيرة المرتبة الأولى من حيث الثراء على مستوى مصر كلها.

في مقدمة حواره الذي كان عنوانه الرئيسي "يسرية أجمل صفقة في حياتي كلها"، كتب عبد القدوس الشهير بين الصحفيين بلقب "عمنا": عندما كنت أعمل في الصحافة الورقية اقتربت كثيراً من رب الأسرة "أنسي ساويرس"، وكنت أول من أجرى معه حوارا حول حياته الخاصة ونشأة أسرته، وكيف وصل إلى النجاح العظيم الذي وصل إليه، ووصل إليه أولاده الثلاثة.

 

في بداية هذا اللقاء طلب منه عمنا عبد القدوس أن يحدثه عن نشأته الأولى، فابتسم العم أنسي، رحمه الله، ابتسامة واسعة تحية منه لأيام زمان الجميلة وقال: "أنا آخر العنقود" من مواليد 30 أغسطس سنة 1930، وهذا الشهر شهد أيضاً زواجي، ولذلك أحبه، أخي الأكبر اسمه "مراد"، ويليه "مختار" وقد اختار مهنة المحاماة، ثم تأتي "سميحة"، وأخيراً "أنسي" أصغر الأبناء الذى هو أنا.

وعن والديه، قال العم أنسي: نحن من سوهاج.. أبي وأمي كل منهما اسمه على مسمى.. والدي اسمه "نجيب" وقد أسميت ابني الأكبر به، وكان والدي رحمه الله نجيبًا بالفعل ونبغ في المحاماة، وأصبح من أنجح وأشهر المحامين في الصعيد كله، وكون ثروة لا بأس بها من عمله، لكنه لم يعمل قط بالتجارة وظل مخلصاً لمهنته حتى سن الخامسة والسبعين، وبعدها تقاعد، وتوفي وعمره 85 سنة، وقد ورثت عنه الدقة في التعامل، ولأنه كان محامياً، فقد كان حريصاً على كل ورقة يقوم بتوقيعها، وهذه الصفة من أبرز الصفات التي أخذتها منه في مجال عملي.

 

وعن والدته، قال العم الخالد: اسمها بديعة عطاالله.. وكانت بالفعل سيدة بديعة، وتمتاز بالقوة والصلابة وقادرة على "حكم بلد" ، شديدة جدًا علينا وترى أن ذلك لمصلحتنا، وأذكر مثلاً أنني لم أكن آكل السبانخ، وعندما كنت أتبرم من أكلها وأتمرد تجبرني على تناولها طيلة الأسبوع عقاباً لي.

 

ورغم أن والدتي لم تكن سيدة متعلمة إلا أنها كانت حكيمة لها الرأي والقرار، ولم تكن هامشية أبدأ في حياتنا، بل العكس هو الصحيح، فنحن الذين كنا ننزل على رأيها احتراماً لها، فلم يعرف بيتنا يوماً "سياسة سي السيد".

والعجيب أنها كانت تفهم في السياسة وتحدث العم أنسي وأخواته  عن حزب الوفد ومصطفى النحاس، كما كانت عطوفة جدا.. فالإيراد الذي يصلها من الأرض الزراعية تخرج منه 10٪ أو ما يسمى "بالعشور" ، وهي تقابل الزكاة عند المسلمين، وهكذا كانت تفعل مع أي مبلغ يأتي إليها.

 

في ذلك الحوار اليتيم تقريباً كشف العم أنسي ساويرس لأول مرة قصة حبه وزواجه من السيدة يسرية لوزة.. فقد كان طبيعياً بعد أن تحدث عميد آل ساويرس عن أولاده أن يتكلم العم أنسي لأول مرة عن ربة البيت وسيدته يسرية لوزة.

 

سأله عمنا عبد القدوس: هل تزوجتها بعد قصة حب بينكما؟ ضحك العم أنسي طويلاً ثم قال: للأسف لم يحدث هذا، وإنما كان لي صديق حميم اسمه فتحي جورج تزوج قبلي بسنة، ثم أخذ يحثني على الارتباط بنصفي الآخر، ورشح لي عروستي "يسرية" ، فقد كان ابن عمها وتم الزواج، وكانت هذه "أجمل صفقة في حياتي كلها".

وعن زوجته/ قال أنسي ساويرس: يسرية لوزة تعلمت في كلية الأمريكان كلية رمسيس حالياً والدراسة فيها بالإنجليزية، والدها ناصف لوزة محامي من منفلوط، وصاحب أراض، والعائلة من بلدة مير بأسيوط.

وقد عشت مع زوجتي بعد زواجنا في سنة 1953 في سوهاج أولا ثم عشنا سنتين بأسيوط، وانتقلنا إلى القاهرة سنة 1956.

 

واعترف العم أنسي لعبد القدوس بأن أهم ما تتميز به يسرية لوزة قدرتها على التحمل والتجانس مع المشاكل.. يقول: لقد شهدت معي أياما صعبة جدا خاصة بعد قرارات التأميم في الستينيات.

 

 واعترف أيضا بأنها صاحبة الفضل الأكبر في تربية الأولاد نجيب وسميح وناصف، بعدما سافر بعد التأميمات  إلى ليبيا سنة 1966، وقامت هي بمهمتها في تربية وتعليم الأولاد خير قيام والدليل على ذلك ثلاثة أولاد ناجحين.. فشكرا لها.

 

لقد حرمني القدر من فرصة الالتقاء بهذا الرجل العظيم قبل أن يرحل عن الحياة منذ أيام قليلة، لكنني حالم بل وواثق أن القدر سوف يكتب لنا أن نلتقي مع قصص نجاحات وحكايات إنجازات العم أنسي ساويرس، لتقرأ أجيال عطشى سيرة ومسيرة رجل أمم عبد الناصر شركته، لكنه نهض ووقف مرة أخرى ثابتاً على قدميه.

وهنا مؤكد سوف يسألني أحدكم: متى وكيف سيكون هذا اللقاء، وجوابي: أعمال الإنسان لصالح الإنسانية أبداً لا.. ولن تموت !