الحقيقة نحن أمام اختبار تاريخى لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ فلابد أن تتطابق مبادئ وقيم وأهداف المنظمة الأممية مع الواقع وأن تتحول لحقيقة، وتمارس دورها الطبيعى فى منع التوترات والصراعات والمواجهات وعدم الإضرار بالأمن والسلم الإقليمى والدولي، فقضية وملف سد النهضة فى ظل التعنت الإثيوبى وتهديد حقوق مصر والسودان المائية، وتهديد أمنهما المائي، خاصة أن مياه نهر النيل هى قضية وجودية، وتتعلق بحياة 150 مليون مواطن فى مصر والسودان، فالماء أصل الحياة، والحق فى الحياة هو أهم حقوق الإنسان، ونحن نتحدث عن حق مشروع لأكثر من 150 مليون مواطن مهددة حياتهم، فإذا كان العالم والمجتمع الدولى والمنظمات الحقوقية التى تتشدق بحقوق الإنسان، فإن حقوق المصريين والسودانيين وقضيتهـــم فى مياه نهر النيل ، وما تشكله سياسات التعنت والاستفزاز الإثيوبية، والمواقف الأحادية، وسياسات وقرارات فرض الأمر الواقع من خطر وجودى على المصريين والسودانيين من خلال التعنت والمراوغة والهروب والتهرب الإثيوبى من تحمل مسئوليات والتزامات تفرضها الشرعية والقوانين الدولية، ونحن أيضاً أمام تهديد مباشر وخطير للسلم والأمن الإقليمي، وهو ما سيجعل المنطقة بأسرها مقدمة على مصير مجهول، خاصة أن مياه النيل، وتحديداً حصة مصر وأمنها المائى خط أحمر، وأن تداعيات الموقف الإثيوبي، وما تحتفظ به مصر من حق لنفسها فى الدفاع عن وجود شعبها وحياته ومصيره، وامتلاك مصر القدرة على الدفاع والحفاظ على حقوقها.
الدولة الإثيوبية بقيادة رئيس الوزراء آبى أحمد، لم تبلغ سن الرشد بعد وتمارس سياسات استفزازية هى البلطجة بعينها، تضرب بكل القوانين الدولية والشرعية الدولية، والقيم والأعراف والمبادئ الدولية عرض الحائط، فإثيوبيا تنتهج سلوكاً وسياسات منحرفة بعيداً عن سياق الشرعية والقوانين والأعراف الدولية، وتغرد خارج سرب المنظمة الأممية، وتتسبب بافتقارها للإرادة وإنكار حق الحياة للشعوب، واستفزاز الدول فى كارثة على المنطقة والأمن والسلم على الصعيدين الإقليمى والدولي، وسوف يدفع العالم ثمناً باهظاً إذا ما استمر فى تجاهل ألاعيب ومراوغات وممارسات إثيوبيا المنحرفة.
العالم يشهد أن مصر اتبعت على مدار أكثر من عشر سنوات سياسات شريفة ونوايا صادقة ترسخ التعاون والتكامل والحفاظ على علاقات وروابط الأشقاء التاريخية، ورفعت شعار التنمية والرخاء للجميع، وكان قولها الفصل: تعاونوا على الرخـــاء والبنـــاء، ولا تتآمروا، ولا تتعنتوا، وأيضاً أكدت أنه لا ضرر ولاضرار، لكم الكهرباء، ولنا المياه، ولنتعاون فيما يحقق تطلعات وآمال الشعوب الثلاثة فى مصر والسودان وإثيوبيا، وسلكت كل الطرق المشهودة، وكانت مواقفها واضحة «على عينك يا عالم»، لنستطيع القول إن الضمير المصرى مرتاح، فلم تتأخر مصر فى التواصل والزيارة لكل دولة أو منظمة أو محفل دولى فى سعيها للوصول إلى اتفاق عادل ومنصف وشامل وقانونى حول ملء وتشغيل «سد النهضة»، لضمان الحفاظ على حقوق دولتى المصب، ومصر لم تعارض بناء السد وليست ضد السد فى حد ذاته، ولكن ضد الممارسات والمراوغات الإثيوبية وتهربها من اتفاق قانونى ملزم وشامل وعادل يضمن حقوق الجميع.
مجلس الأمن مطالب بإثبات أن المنظمة الأممية لا تعانى من الازدواجية أو التساهل أمام ملفات، والتعقيد فى ملفات أخري، فازدواجية المعايير هى كارثة تهدد استقرار العالم، فالسكوت أوغض الطرف أو عدم الاهتمام المطلوب وأن نضع الأمور فى نصابها، فلابد من موقف دولى لمنع الكارثة والتأثير السلبى على أمن واستقرار المنطقة التى سوف تترتب على تداعيات الموقف الإثيوبى المتغطرس، وغير المبرر وغير المتناسب مع حجم وقدرات الدولة الإثيوبية المتواضعة التى يتخذ آبى أحمد رئيس وزرائها ملف «سد النهضة» وسيلة وستاراً للتغطية على فشله فى إدارة شئون الدولة، وما يحدث فيها من ممارسات عرقية وانتهاك سافر لحقوق الإنسان، وحالة التداعى والسقوط للدولة الإثيوبية بسبب الحروب الأهلية والانقسامات والتمييز، فهى دولة فى الأساس تضم أكثر من 80 عرقية، وتحمل مقومات الانقسام والانهيار التى عجل بها آبى أحمد، بسبب سياساته العنصرية.
عدالة القضية المصرية وحقوقها المشروعة والقانونية فى مياه نهر النيل هى مصدر قوة موقفها أمام العالم، فلا يمكن أن تغامر بسياسات حمقاء ومتعنتة واستفزازية ومراهقة سياسية دولية بمصير شعبين قوامهما أكثر من 150 مليون إنسان، والمياه تعنى الحياة، وحق الحياة هو أعلى مراتب حقوق الإنسان التى صدعتنا بها المنظمات الحقوقية والدول الكبرى التى تستخدم ملف حقوق الإنسان كفزاعة، ولعل حقوق مصر والسودان المشروعة فى مياه النيل هى اختبار حقيقى لمصداقية النظام الدولي، فتراث مجلس الأمن وتاريخه فى المنطقة فى التدخل السريع والحاسم تحت ما يسمى بترسبات التوتر والإخلال بقواعد الأمن والسلم الإقليمى والدولى سواء فى العراق أو ليبيا أو سوريا، أو غيرها من المواقف، يحتم أهمية اتخاذ موقف حاسم ورادع لإثيوبيا لإيقاف سياساتها المتعنتة ومواقفها الأحادية والاستفزازية، ومحاولاتها لفرض الأمر الواقع الذى يحتم الصدام والمواجهة الصعبة وما لها من تأثيرات وتداعيات خطيرة وكارثية فى المنطقة، وعلى الأمن والسلم الإقليمى والدولي، لذلك لابد أن يدرك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خطورة الموقف ويقوم بأداء مسئولياته بموضوعية ومصداقية والتصدى لمنع الكارثة والخطر قبل وقوعه.
فى كل الأحوال، فإن الدولة المصرية ومؤسساتها تؤدى دورها وتقوم بعرض عدالة القضية المصرية والحقوق المشروعة المستندة للقوانين الدولية وتضعها أمام كافة أطراف المجتمع الدولى وأعضاء مجلس الأمن.
لابد أن يدرك الجميع أن قضية مياه نهر النيل بالنسبة لمصر هى قضية وجودية لا يمكن التهاون أوالتفريط فيها، لذلك تتضافر وتتكاتف جهود الدولة المصرية ومؤسساتها للحفاظ على الحقوق المصرية، وأن كل أجهزة الدولة المصرية لديها القدرات والإمكانيات والقوة فى الدفاع عن هذه الحقوق المائية المصرية وصيانة الأمن المائى المصري.
فى اعتقادى أن وصول قضية ملف «سد النهضة» إلى مجلس الأمن مرتين هو تجسيد حقيقى لنجاح الجهود المصرية التى يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى باتصالاته بكل زعماء العالم، وأيضاً تعكس نجاح الدبلوماسية المصرية واتصالاتها المكثفة بكافة الأطراف، وهو ما أدى إلى أن تكون القضية على أجندة وبند فى جدول أعمال مجلس الأمن.
الدولة المصرية جاهزة لكل الاحتمالات، لكن المؤكد والبديهى أن مصر لن تفرط فى نقطة مياه واحدة من حقها فى مياه النيل، وأن ذلك خط أحمر.
الدولة المصرية لديها الكثير من الأوراق والقدرات والإمكانيات للحفاظ على حقوقها ومقدرات شعبها، وأيضاً لديها القوة والقدرة والجاهزية للتعامل مع كل الاحتمالات سواء الوصول إلى حل أو استمرار التعنت والاستفزاز الإثيوبي.
أعتقد أن لقاءات سامح شكرى وزير الخارجية مع كافة الأطراف الدولية سواء الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا ورئيس مجلس الأمن والترويكا، تعكس مدى الجهود المصرية فى شرح واستعراض عدالة القضية المصرية والحقوق المشروعة والقانونية فى مياه النيل، وأيضاً جهودها فى التفاوض على مدار 10 سنوات من أجل الوصول لاتفاق قانونى ملزم وشامل وعادل ومنصف حول ملء وتشغيل سد النهضة، بالإضافة إلى كشف حقيقة ونوايات ومراوغات وتهرب واستفزاز الجانب الإثيوبي، وممارسته سياسات أحادية ومحاولات لفرض الأمر الواقع، والسعى للإضرار بمصر والسودان وشعبيهما، وهو ما لا يمكن السكوت عليه.
مصر أعلنت مراراً وتكراراً وبكل ثقة وشموخ أنها لن تفرط فى نقطة مياه واحدة من حصتها فى مياه نهر النيل، ولن ترضى بديلاً عن الاتفاق العادل والملزم والقانونى والشامل حول ملء وتشغيل سد النهضة بديلاً.
الحقيقة أن ما تقدم عليه إثيوبيا هو «لعب بالنار»، ومغامرة بمستقبل ووجود الدولة الإثيوبية، وأن مَن يحرضها ويدعمها للإضرار بمصر، لن ينفعها، وأيضاً إن المغامرة الإثيوبية هى فعل غير رشيد ومتهـور، لا تدرك أديس أبابا عواقب ذلك سواء عليها أو على المنطقة أو على الأمن والسلم الإقليمى والدولي، فقانون الأنهار الدولية وكل القوانين الدولية، وميثاق الأمم المتحدة يؤكد على حق مصر والسودان، وبالتالى لا يمكن لمجلس الأمن أن يصم أذنيه أو يغض الطرف أو يتجاهل أو يرتكب سلوك الازدواجية فى تطبيق المعايير، وعليه أن يكون أمام مسئولياته ودوره فى إيقاف ما يهدد الأمن والسلم الإقليمى والدولي، فالمنطقة بأسرها لن تكون بمنأى عن تداعيات تعنت إثيوبيا ورد الفعل المصرى على محاولات أديس أبابا تهديد أمنها القومى فى القلب منه أمنها المائي، فالمياه تتعلق بحياة ووجود المصريين، ولن يفرطوا فى نقطة مياه ولن يتزحزحوا قيد أنملة عن موقفهم الراسخ والثابت فى حتمية الوصول إلى اتفاق عادل وملزم وشامل وقانونى حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي.
من الواضح أيضاً أن إثيوبيا لم تفهم الرسائل المصرية جيداً أو ترتكب أديس أبابا حماقة أن تسلم نفسها للمصير المجهول.
فشل آبى أحمد فى إدارة شئون إثيوبيا وتحويلها إلى دولة متصارعة ومنهارة داخلياً جعله يتخذ من «سد النهضة» أداة لخداع شعبه، وترسيخ الوهم والكراهية والتحدى لحقوق المصريين، فقد جعل آبى أحمد هدف كراهية الإثيوبيين لمصر وشعبها منهج عمل ومشروع قومى يتاجر به ويحاول من خلاله أن يغطى على فشله، ورغم ذلك لم ينجح فى جمع الشعب الإثيوبى الذى يشهد حالة متردية وغير مسبوقة من الانقسام والاقتتال والاضطهاد، لكن لا محالة سوف يفشل فى المساس بحقوق مصر، ولا يدرك مغبة التعنت والاستفزاز والبلطجة، فاليد المصرية صلبة وقاسية عندما يتعرض أمنها المائى للخطر ومغامرات الأقزام، يد مصـــر أيضاً تطال ما لا يتوقعـــه آبى أحمــــد، وما لا يخطر على باله، وعليه أن يراجع نفسه قبل فوات الأوان.
ليطمئن المصريون أن كل السيناريوهات والخيارات للتعامل مع قضية السد الإثيوبى مطروحة ومفتوحة، وجاهزة بدقة وردع، فحصة مصر «خط أحمر»، وما أدراك ما الخط الأحمر، لانريد أن تتحول إثيوبيا إلى أطلال أو بقايا دولة، لأن التاريخ يقول إن الفناء مصير كل المتآمرين على مصر، لقد واجهت مصر على مدار التاريخ الطُغاة والمستعمرين والغزاة، وبقيت مصر، وزالت كل الأطماع والأوهام.
«مصرــ السيسي»، لديها من القدرات ما يفوق عقل البشر، وخياراتها حاضرة، لم ولن تتردد فى الدفاع بقوة وحسم عن مصالح شعبها ومصدر حياته ومقدراته وحقوقه.
«جاهزية» الدولة المصرية هى مصدر اطمئنان المصريين والأمة العربية، وأن كل محاولات وألاعيب إثيوبيا للوقيعة بين العرب والأفارقة هى ممارسات «صبيانية»، ومراهقة سياسية، ومحاولة رخيصة فى الخداع والمتاجرة، خاصة فى ظل تفهم واستيعاب وإدراك الجانبين العربى والأفريقى حقيقة آبى أحمد وأكاذيبه ومراوغاته، لكننى أتوقع ألا يعود آبى أحمد لصوابه وسوف يندم وقت لا ينفع الندم، وسيشعر بقسوة الرد المصرى بعد فوات الأوان، لأن الأمر أصبح بقدر ما يتعلق بمياه النيل ووجودية القضية، يتعلق أيضاً بهيبة مصر، وحتى لا يتجرأ عليها الصغار مرة أخري، فعندما ينتفض المارد المصرى بعد أن حذر وحذر، وأعلى قدر السلام والأخوة والتعاون والخير والبناء والرخاء، ورغم ذلك لا يجد إلا الاستفزاز والتعنت والإصرار على الضرر، لذلك فعلى الباغى والمتعنت والمتآمر تدور الدوائر.
تحيا مصر