رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


هل للحيوانات عقل؟

8-7-2021 | 14:34


د. حسين علي ,

هل صفة التفكير هى صفة فريدة فى الإنسان؟ ألا نستطيع أن نتلمس فى سلوك الحيوان حين يواجه مشكلة معينة ضربًا من ضروب التفكير؟ الواقع أن سؤالنا هذا ليس مجافيًا الصواب تمامًا، إذ قد ينطوى سلوك بعض الحيوانات فى مواقف معينة على شكل من أشكال التفكير. ولنتأمل مثلًا ما هو شائع من حكايات عن وفاء الكلب لصاحبه وتقديره وإخلاصه له، فضلًا عن قدرة بعض الحيوانات على الإتيان بحركات بالغة المهارة والدقة، خاصةً إذا خضع لتدريبات دقيقة، كما هو حال حيوانات السيرك، أو مهارة الكلاب فى الكشف عن المخدرات والمتفجرات المُخَبَّأة، كل هذا وغيره دفع البعض للحديث عن «العقل الحيواني» و«الذكاء الحيواني»، وكأن هذا البعض يريد تضييق الفجوة التى نتوهمها قائمة بين الإنسان والحيوان. ولعل التجارب التى يجريها بعض علماء النفس على سلوك بعض الحيوانات دليل على اعتقادهم بأن ذكاء الحيوان لا يختلف اختلافًا جوهريًا عن ذكاء الإنسان.

 

وفى الريف المصرى يتم الاستهزاء بالشخص الذى يضل الطريق، ويضطرب فى الوصول إلى عنوان معين، ويظل تائهًا إلى أن يرشده أحدهم أو يأخذ بيده إلى المكان المطلوب. ويقال له فى هذه الحالة: «كيف يا رجل تعجز عن الوصول إلى المكان المطلوب رغم أنك مررت بهذا الطريق نفسه من قبل؟!! إن حمار الحاج فلان لا يخطئ فى العودة إلى منزل صاحبه دون أن يقوده أحد!! يبدو أن الحمار أشطر منك».. ثم تتعالى الضحكات الهازئة.

 

غير أنه من الضرورى الانتباه إلى طبيعة الإنسان الكيفية، وما يعنيه ذلك من ضرورة تَميُّزه بنوع من النشاط العقلى الخاص به والقاصر عليه، وهو النشاط العقلى الرمزي. حقيقةً إن التفكير عند الإنسان يختلف- من حيث الدرجة على الأقل- عن «التفكير» عند الحيوان. ويبدو أن هذه الدرجة من التفكير الإنسانى قد بلغت حدًا من العظم يتعذر معه أن تُطْلَق صفة «مفكر» بمعنى واحد على كل من الإنسان والحيوان، ويصبح استخدام هذه الصفة مقصورًا على الإنسان، فهو وحده- دون سائر الحيوانات- الذى لديه القدرة على امتلاك تصورات ذهنية عن الأشياء والأشخاص فى حضورها أمام عينيه أو فى غيابها من أمام ناظريه، إن هذه المقدرة على خلق تصورات ذهنية هى المسئولة عن امتلاك الإنسان للغة قراءةً وكتابةً وكلامًا، وهى المسئولة أيضاً عن وجود الفن والاختراع والأدب والشعر والرسم والموسيقي، أو فى عبارة واحدة، يمكننا القول، إن التصورات الذهنية هى المسئولة عن بناء المجتمعات البشرية وإقامة الحضارات الإنسانية، صحيح أن الإنسان يتشابه مع الحيوان فى «مبادئ التعلم الشرطي»، التى أشار إليها «بافلوف» فى التجارب التى أجراها على الكلاب، لقد اكتشف هذا العالـِم وجود نوعين من الاستجابات أو الأفعال المنعكسة، هما:

1-     الفعل المنعكس.

2-     الفعل المنعكس الشرطي.

فقد وجد أن الكلب يستجيب- عندما يكون جائعًا- لرؤية الطعام، أو شم رائحته بإفراز اللعاب. إفراز اللعاب فى حالة الجوع هو الفعل المنعكس الطبيعى التلقائى الذى لا يحتاج إلى تعلم أو تدريب، وهو مشروط بالتكوين العصبى للكائن الحي. إننا إذا ما غرسنا دبوسًا فى ذراع شخص ما، فإنه يسارع بسحب ذراعه، وهذا أيضاً فعل منعكس، كما أن انكماش حدقة العين عند رؤية ضوء ساطع هو أيضاً نموذج للفعل المنعكس.

 

سلوك الإنسان يشبه تمامًا سلوك الحيوان فيما يتعلق بالفعل المنعكس التلقائى الطبيعي. انظر إلى الناس والحيوانات حين يحدق بها خطر، الناس تفر مهرولة لا تلوى على شىء، وكذلك الحيوانات.

هذا فيما يتعلق بالفعل المنعكس، فماذا عن الفعل المنعكس الشرطي؟

لاحظ «بافلوف» أن الحيوان (الكلب) الخاضع للتجربة كان لعابه يسيل ليس فقط عند تقديم الطعام له، وإنما يتم ذلك أيضاً بمجرد سماع الكلب وقع أقدام الحارس الذى يقدم له الطعام. فبدأ «بافلوف» يجعل تقديم الطعام مصحوبًا برنين جرس معين، ويرن الجرس بنغمة معينة قبيل تقديم الطعام للكلب مباشرةً، وكرر ذلك عدة مرات. فإذا بلعاب الكلب يسيل لمجرد سماعه رنين الجرس حتى ولو لم يكن هناك طعام. ويظل الحيوان يستجيب على هذا النحو فترة طويلة، «تنطفئ» بعدها الاستجابة، إذا لم تعزز بتقديم الطعام. وأطلق «بافلوف» على هذا النوع من الاستجابة اسم «الفعل المنعكس الشرطي»، من حيث إن المنبه «الجرس» ليس منبهًا طبيعيًا لإفراز اللعاب، وإنما اكتسب هذه الصفة فأصبح منبهًا «مشروطًا» بسبب اقترانه بتقديم الطعام.

 

وهكذا كشف «بافلوف» عن إمكان وجود عقل لدى الحيوان بحكم استجابته للعالَم المحيط به. وأصبحت هذه الاستجابة تسمى «الاستجابة الشرطية». وهذا هو أساس نظريات التعلم السلوكية. إن هذه المبادئ نفسها- مبادئ التعلم الشرطى- تنطبق على الإنسان أيضًا، فالمنبه الشرطى يقوم مقام المنبه الطبيعي.

وقد يستجيب الإنسان استجابة شرطية غير صحيحة حين يربط بين شيئين لا رابط بينهما، كأن يربط بين رؤيته للقطة السوداء أو سماعه لصوت الغراب أو زيارة شخص حسود لمنزله ووقوع مصائب وحدوث كوارث. إن الاستجابة الشرطية غير الصحيحة هى المسئولة عن هذه الخرافات والخزعبلات. والمثل الشعبى القائل: «اللى يتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادى» هو خير مثال لتوضيح الاستجابة الشرطية غير الصحيحة، ففيه يتم الربط بين شيئين لا علاقة بينهما، وهذا الربط الخاطئ نجم عن خبرة سابقة مؤلمة، فقام صاحبها بتعميمها على كل الأطعمة التى تقدم له، حتى وإن كانت من نوعية مختلفة.

أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس