مصر فى «مجلس الأمن».. واستيفاء الأوراق والإجراءات
جاءت جلسة مجلس الأمن بشأن قضية سد النهضة مساء الخميس الماضى انتصاراً كبيراً للدولة والدبلوماسية المصرية.. فهذه هى المرة الثانية التى يعقد فيها مجلس الأمن جلسة بهذا الشأن.. وبغض النظر عما دار وبعيداً عن المضمون والمحتوى فإن مصر حققت خطوة مهمة على صعيد استيفاء الشروط فى سعيها للحفاظ على حقوقها فى مياه النيل وحماية أمنها المائى.. والدفاع عن وجود شعبها.. فلديها خيارات كثيرة مفتوحة ومطروحة.. وأيضاً أوراق مهمة.. لكن العالم اطلع على الحقيقة بالكامل.. وأبعاد الموقف المصرى وحسن النوايا والإرادة السياسية.. وكذلك كشفت مصر ألاعيب وتعنت ومراوغات واستفزاز وتهرب إثيوبيا.. وأصبح المجتمع الدولى مطالباً بالقيام بمسئولياته
مكاسب كثيرة حققتها «القاهرة».. فى رحلة الحفاظ على الوجود والحياة بغض النظر عن المضمون والمحتوى.. لكنها خطوة مهمة على طريق الدفاع عن الحق بكل الوسائل المتاحة
فى اعتقادى أن مصر حققت أهدافها فى جلسة مجلس الأمن بخصوص سد النهضة الإثيوبى مساء الخميس الماضى.. فالجلسة الثانية خلال عام لمجلس الأمن بهذا الشأن هو انتصار كبير للدبلوماسية المصرية التى بذلت جهوداً خلاقة فى القدرة على الذهاب إلى مجلس الأمن للمرة الثانية.. وجاءت أيضاً كلمة مصر التى ألقاها سامح شكرى خلال الجلسة تليق بعظمة ومكانة مصر وعكست أهمية ملف مياه النيل.. وشرحت أبعاد ملف «سد النهضة».. وأبرزت الجهود المصرية.. وأوضحت للعالم سوء النوايا الإثيوبية وافتقاد الإرادة والتعنت والمراوغة.. وهو أسلوب لم يبرح خطاب وزير الرى الإثيوبى فى الجلسة والذى عكس «الصفاقة» والهروب من المسئولية ومحاولة خداع المجتمع الدولى وممارسة الكذب والافتراءات لتؤكد أننا أمام دولة مراهقة سياسياً.. ومراوغة وتتهرب من مسئولياتها.. وتضرب بالقيم والمبادئ والأعراف والقوانين الدولية عرض الحائط.. وتغامر بالأمن والسلم الدوليين.. من خلال الاستمرار فى مسلسل الهروب ولى الحقائق.
عموماً حملت جلسة مجلس الأمن مكاسب كثيرة لمصر والسودان.. فقد أوضحت الحقائق بالتفصيل أمام المجتمع الدولى والرأى العام العالمى.. فربما كانت الحقيقة لدى جميع الأطراف غير مكتملة ومجتزئة.. لكن الخطاب المصرى اتسم بالشمولية وتضمن كافة الأبعاد والحقائق والجهود على مختلف المسارات والدوائر التى سلكتها مصر.. لتوضيح سوء النوايا الإثيوبية ومحاولاتها أسر مياه النيل وممارسة النفوذ السياسى والعمل على تحويل مياه النيل إلى وسيلة لاخضاع الدول وعدم المبالاة بحقوق 150 مليون مواطن مصرى وسودانى.
جلسة الخميس الماضى بشأن سد النهضة لم تكن انتصاراً فقط للدبلوماسية المصرية بل كانت انتصاراً للدولة المصرية ومؤسساتها.. وجسدت قوة وقدرة وثقل مصر وشموخها وعدم تهاونها أو تفريطها فى حقوقها أو حماية أمنها المائى.. لذلك سلكت مصر كل الطرق والمسارات واتبعت كل الإجراءات طبقاً للأعراف والمواثيق والقوانين الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها.
لن أتوقف كثيراً أمام ما جاء فى مضمون جلسة مجلس الأمن وإن كان جيداً للغاية.. إلا بعض التعامل مع الملفات الخطيرة التى تتعلق بتهديد الأمن والسلم الدوليين من بعض الدول بنظرية تصفية الحسابات السياسية أو المكايدات والمصالح الضيقة التى لا تعكس الحرص على أمن واستقرار وسلام العالم لذلك طفت لغة المصالح والصراعات بين الدول الكبرى على مواقف بعض الدول التى اتسمت هذه المواقف بـ«الميوعة السياسية» والبراجماتية السياسية على حساب المبادئ والقيم والأعراف والقوانين الدولية.. وعدم المبالاة بتداعيات وخطورة ما سوف ينتج عن مضى إثيوبيا فى غيها فى ممارسة البلطجة السياسية وأيضاً التعنت والهروب وهى التى جسدت الحالة التى وصلت إليها الدولة الإثيوبية التى لا ترقى إلى حكم العصابات وهى أقل من أن تكون عضواً فى المجتمع الدولى أو مؤسساته الأممية.
عموماً وفى كل الأحوال.. فإن مجرد انعقاد الجلسة الثانية لمجلس الأمن بشأن سد النهضة هو مكسب لمصر والسودان.. فى إطار التدرج فى الإجراءات الدولية التى تكشف عن حسن النوايا وقوة الإرادة والحرص على اتباع كافة المسارات القانونية والشرعية التى تتماشى مع المواثيق والمبادئ والأعراف الدولية.. لكننا أمام مرحلة استيفاء الشروط.. لنقول فى النهاية إننا فعلنا ما فى وسعنا.. وسعينا بأقصى جهد للوصول والعبور بالمنطقة إلى بر السلام والأمن والاستقرار.. والتزمنا بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين طبقاً لميثاق الأمم المتحدة.. من أجل الوصول إلى اتفاق عادل ومنصف وقانونى ودولى يضمن حقوق كافة الأطراف.. ويتعلق بملء وتشغيل سد النهضة.
الحقيقة أن جلسة مجلس الأمن مساء الخميس.. وكلمتى مصر والسودان.. ومندوب الشقيقة تونس.. وضعت العالم أمام مسئولياته فإذا ما تغاضى أو غض الطرف أو لم يبد الاهتمام بالقدر الكافى لقضية تتعلق بمصير الأمن والسلم الدوليين فكأنما يمنح إثيوبيا حق القرار الأحادى بالملء الثانى لسد النهضة وما يشكله من خطورة بالغة على مصر والسودان وأيضاً على مستقبل المنطقة.. والأمن والسلم الدوليين.
طالما نحن التزمنا بكل قواعد ومبادئ الشرف وحسن النوايا والحرص على مصالح الجميع.. وأكدنا مراراً وتكراراً أنه إذا كان من حق إثيوبيا التنمية وتوليد الكهرباء.. فإن حقوقنا المائية هى بالنسبة لنا الحياة.. وكان ومازال شعارنا لا ضرر ولا ضرار.. فنحن لسنا ضد فكرة إثيوبيا لبناء سد النهضة.. وطرحنا وعرضنا الدعم والمساعدة والتعاون لما فيه خير ورخاء دول حوض النيل شريطة ألا يؤثر على حصتنا من مياه نهر النيل التى هى أصل وجود الدولة والحضارة والشعب المصرى.. والتزمنا بكافة مسارات التفاوض على مدار 10 سنوات أبدينا فيها حسن النوايا والإرادة السياسية للوصول إلى اتفاق عادل وملزم وقانونى حول ملء وتشغيل سد النهضة فلا يجب أن نترك أنفسنا ووجودنا للمصير المجهول أو رهن تحركات دولة تسعى لترسيخ النفوذ السياسى.. ولديها دوافع وإصرار على الإضرار بمصر ولا تبالى بخطورة ما ستقدم عليه.. والتعامل مع الأمر باستخفاف واستفزاز.. تحت شعار إن النهر تحول إلى بحيرة وإن النيل ملك لنا.. هذه همجية دولية وعنجهية وصلف وغرور واستخفاف بالقوانين الدولية التى تحكم وتنظم الأنهار العابرة للحدود وهو ما يشير إلى أننا أمام دولة غير مسئولة.
لا أريد التطرق أو الفرز بين من معنا أو لديه مواقف تتسم بالميوعة السياسية فى وقت الخطر ولا أريد استدعاء مضامين ما قيل باستثناء كلمة مصر التى فضحت وكشفت وعرت الموقف الإثيوبى على مدار 10 سنوات وسواء النوايا التى يضمرها تجاه مصر.. لكننى أؤمن بمقولة «ما حك ظهرك إلا ظفرك».. وذهابنا لمجلس الأمن للمرة الثانية كان ضرورياً.. لإثبات حقيقة راسخة أن مصر فعلت ما فى وسعها.. وبذلت قصارى جهدها.. ومارست كافة السبل والوسائل والإجراءات الدولية التى يفرضها القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة.
إذن نحن أمام مرحلة اكتمال واستيفاء الشروط للحفاظ على حقوقنا وأمننا المائى وحصتنا من مياه نهر النيل التى تعنى لنا الحياة والوجود.. ولدينا من الأوراق والوسائل ما يضمن هذا الحق المشروع.. وأيضاً كل الخيارات مفتوحة ومطروحة.. ونحن نعرف كيف نحافظ على حقوقنا ومياهنا.
إن كنت أرى أهمية خطوة مجلس الأمن لوضع المجلس أمام مسئولياته فى إزالة الخطر والتهديد للسلم والأمن الدوليين فإننى على المستوى الشخصى لا أعول كثيراً على مواقف الدول إذا ارتبط الأمر بقضايا وجودية ليست مجالاً للمكايدات السياسية ولغة المصالح وتصفية الحسابات بين القوى الكبرى.. وعلى رأى «أهل البلد» «دراعى هو اللى ياخد حقى».. فنحن فى عصر القوة ولا مكان فيه إلا للأقوياء وأخذ الحق «حرفة وصنعة» وإذا لم يتحرك العالم ويقوم بمسئولياته فى درء المخاطر والتهديدات والحفاظ على السلم والأمن الدوليين فإنه فى لحظة ما سيجبر على التحرك إذا استشعر خطر العفى والقوى وأنه لا يركع ولا يستسلم للبلطجة والصلف والغرور.. وقادر على رد الصاع صاعين وثلاثة وعشرة.
انتصرت مصر فى مجلس الأمن وحققت أهدافاً فى اطلاع وتعريف المجتمع الدولى بكامل الحقيقة عن الموقف المصرى وحقوقنا المشروعة.. وأيضاً مراوغات وتعنت وبلطجة إثيوبيا وافتقادها للإرادة السياسية ومحاولاتها للإضرار بمصر وسعيها للنفوذ السياسى من خلال «سد عملاق» أكبر بكثير من أهداف خبيثة معلنة بأنه لتوليد الكهرباء والتنمية.
مازال فى جعبة مصر الكثير والكثير من الأوراق بما لدى الدولة المصرية العظيمة من قدرات هائلة تستطيع أن تدافع عن حق المصريين فى مياه النيل وصيانة كامل حصتنا.. وتأمين الوجود المصرى.
.. فى اعتقادى أن كلمة سامح شكرى وزير الخارجية.. كانت عبقرية تليق بالدولة المصرية وعظمتها وثقلها ومكانتها تحلت بالشجاعة والجرأة فى الحق وعدم المواربة.. كاشفة للأبعاد والحقائق.. ومتدرجة فى مراحل التفاوض على مدار 10 سنوات لإبراز حسن النوايا وقوة الإرادة المصرية.. وأيضاً فاضحة للمواقف الإثيوبية.. وحملت الورقة الأولى من الكلمة أهمية مياه نهر النيل وما تمثله للمصريين بقوله إن تلك الأمة المصرية التى يتجاوز تعدادها أكثر من 100 مليون نسمة تواجه تهديداً وجودياً.. وذلك تجسيداً لما تمثله مياه النيل من أهمية لوجود المصريين وبقائهم.. فهو بالنسبة لهم مسألة حياة.
افصح سامح شكرى فى كلمته عن سبب حضور مصر إلى مجلس الأمن العام الماضى لتحذر المجتمع الدولى من هذا الخطر المحدق الذى يلوح فى الأفق وهو نفس السبب الذى جاء بمصر للمرة الثانية إلى مجلس الأمن بعد مسلسل التعنت والسياسات الإثيوبية الفجة وغير المسئولة التى تهدد حياة الملايين.
إن أهم ما يمثل الشموخ المصرى فى كلمة شكرى خلال جلسة مجلس الأمن هو تأكيده أن مصر ستدافع عن حقها فى المياه بكل الوسائل المتاحة بعد أن فشلت المفاوضات وآخرها مفاوضات الاتحاد الإفريقى التى وصلت إلى طريق مسدود بعد أن رفضت أديس أبابا كل المقترحات التوافقية.. وإن الملء الثانى وبشكل أحادى يعكس سوء النية.
تأكيد سامح شكرى فى كلمته أن إثيوبيا تريد تحويل نهر النيل إلى أداة لممارسة النفوذ السياسى يكشف أبعاد الموقف الإثيوبى ونواياه الخبيثة فى الإضرار بالمصريين، لذلك على مجلس الأمن أن يقوم بدوره فى التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم.
الحقيقة أن كلمة مصر.. كشفت بما لا يدع مجالاً للشك حقيقة الموقف الإثيوبى وأهدافه الخبيثة فى محاولة الإضرار بحصة مصر وأن هذه المماطلات وهذا التعنت السافر والقرارات والمواقف الأحادية والسعى لفرض الأمر الواقع يؤكد أن أديس أبابا ليس لديها أى نية أو استعداد وتفتقد الإرادة السياسية لتوقيع اتفاق يرضى ويحفظ حقوق الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا.
عموماً وفى كل الأحوال أيضاً حصلنا على ما نريد من جلسة مجلس الأمن الثانية بشأن سد النهضة سواء فى كونه انتصاراً تاريخياً للدولة المصرية أو استيفاء للشروط والإجراءات الدولية التى تتوافق مع مواثيق وأعراف الأمم المتحدة.. ليكون العالم والمجتمع الدولى شاهداً على الحق المصرى وأيضاً مطالباً بالقيام بدوره.. لكن الدولة المصرية وانطلاقاً من ثوابتها الراسخة بعدم التفريط فى حقوقها المشروعة أو التهاون فى أمنها المائى لن تتنازل عن قطرة مياه واحدة من حصتها فى مياه النيل ولديها القدرة الكاملة والمختلفة والمتنوعة على ضمان الحق المصرى.
سؤال مهم للشرفاء فقط
ما علاقة يناير 2011.. بسيناء و«نهر النيل»؟
هل كانت مؤامرة يناير 2011 تستهدف مياه النيل.. وسيناء.. ومن أجل استقطاع سيناء وعزلها وفصلها عن الجسد المصرى بفعل مخطط الإرهاب وجيوش المرتزقة.. سيناء بقيت وأجهضت المؤامرة بفضل تضحيات وبطولات الرجال الشرفاء من جيشنا العظيم وشرطتنا الوطنية أما «مياه النيل» وإقامة «سد النهضة».. فى وقت انشغال مصر فى أمورها الداخلية من فوضى وانفلات ومظاهرات وإرهاب وتفجيرات ومحاولات لإسقاط الدولة.. واستهداف مؤسساتها مثل الجيش والشرطة.. لذلك فإن يناير 2011.. كان الوقت المثالى وفى ظل انشغال الدولة وضعفها طبقاً للمتآمرين لبناء سد النهضة.. وهو ما حدث بالفعل.
لا أريد أن يحدثنى أحد عن أن يناير 2011 ثورة شريفة بل كانت مؤامرة قذرة وعلينا أن نسمى الأشياء بأسمائها بدون مواربة.
نعم 25 يناير 2011 كانت مؤامرة شيطانية.. كان فيها الإخوان المجرمون والطابور الخامس والمرتزقة والخونة مجرد أدوات من أجل نعيم التمويل الأجنبى وأوهام السلطة لشل يد مصر وإشغالها لتنفيذ إسقاط الدولة المصرية.. وأيضاً إيقاف جريان نهر النيل وفصل سيناء عن الجسد المصرى.
أقول وباطمئنان وثقة.. سيناء فى يد الرجال والأبطال تنعم بالأمن والاستقرار والتنمية والبناء.. وبكل ثقة واطمئنان أن النيل سيظل يجرى إلى يوم الساعة.. فإما يجرى بالماء.. وإما يجرى بالدماء هذا هو القول الفصل.. والنيل للمصريين خط أحمر.. دونه الحياة.
ما أريد أن أقوله للخونة والمتآمرين والعملاء الذين خدعوا الناس خاب مسعاكم وفشلت مؤامراتكم.. فأنتم مجرد أدوات قذرة.. ولو الأمر بيدى لكان تقديم كل المرتزقة والخونة الذين مازالوا فى المشهد إلى المحاكمة بتهمة «الخيانة العظمى» لكن كله هيتحاسب فى الوقت المناسب.
تحيا مصر